حجم النص
بقلم: نــــــــــزار حيدر برأيي، فانّ احدَ أهمّ اسباب غياب الحسّ الوطني في العراق، هي طريقة قراءتنا لما يُكتب ويُنشر في مجال الرّقابة والنّقد والمحاسبة والتقييم. من المفروض ان نتعامل مع مقالات النّقد، مثلاً، بقاعدة (لا تنظُر الى مَنْ قال، وانظر الى ما قال) امّا نَحْنُ فنقرأ الاسم قبل المقال، والمقصود من النّقد قبل مادّة النّقد، لنحلّل الخلفيّة قبل الموضوع والنوايا قبل المعلومة!. فاذا كان الناقدُ شيعياً والمقصود سنّياً، فهو طائفي، واذا كان الناقد سنّياً والمقصود شيعياً فهو من أيتام الطاغية الذليل صدام حسين، واذا كان الناقدُ مسلماً والمقصود مسيحياً فهو متدين متزمّت، واذا كان الناقدُ عربياً والمقصود كردياً فهو عنصري، واذا كان الناقدُ كردياً والمقصود تركمانياً فهو اقصائياً، اما اذا كان الناقدُ شيعياً والمقصود هو الاخر شيعي، فهوَ امّا حاقدٌ او حاسدٌ او له مشكلةٌ شخصيةٌ!. مشكلتُنا هي انّنا نفهم النّقد مشكلةٌ شخصيةٌ، والتقييم مشكلةٌ شخصيةٌ، والمساءلة مشكلةٌ شخصيةٌ، والنّصح مشكلةٌ شخصيةٌ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر مشكلةٌ شخصيةٌ! انّها ثقافة نتوارثها جيلاً عن جيل. فلقد اتّهم معاويةُ أَميرَ المؤمنين (ع) بانّ مشكلةً شخصيةً، بالاضافة الى الحسد، كانت وراءَ موقفهِ من الخلفاء الثّلاث!!!! وقد أشار الى ذلك الامام، مرّة، وحاججهُ به في كتاب له بقوله عليه السلام {وَزَعَمْتَ أَنِّي لِكُلِّ الْخُلَفَاءِ حَسَدْتُ، وَعَلَى كُلِّهِمْ بَغَيْتُ، فَإِنْ يَكُنْ ذلِكَ كَذلِكَ فَلَيْسَ الْجِنَايَةُ عَلَيْكَ، فَيَكُونَ الْعُذْرُ إِلَيْكَ}. مِنَ الطّبيعي انّك مُّتهم اذا كُنتَ من جماعة المجلس الاعلى وانتقدت احدٌ من حزب الدعوة، او كنت من حزب الدعوة وانتقدت احدٌ من جماعة التيار، او كُنتَ من التّغيير وانتقدتَ احدٌ من الديمقراطي، او كُنتَ من الاتحاد وانتقدت احدٌ من الجماعة الاسلامية، وهكذا وهكذا. امّا اذا كنت َمستقلاً فتلك هي الطّامُة الكبرى والمصيبةُ العظمى، فانت مُتَّهَمٌ بمجرد ان تنتقد اذ {لَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} وذلك لسببٍ بسيطٍ جداً وهو؛ انّ الارضَ مفروشةٌ بذيولهم، فأينَ ما وضعتَ قدمك دستَ على احدها! فأين المفرّ؟ فهذا قائدٌ تاريخيٌّ وذاك رمزٌ حزبيٌّ والثالث شخصيّةٌ فلتةٌ والرابع زعيمٌ اوحدٌ والخامس خالد وَالسَّادِس نادر، وهلمجرّا!. لقد كتب لي احدُهم مرّة كنتُ قد انتقدتُ صاحِبٓهُ، يقول: وما دخلُك انت، فكلاهما من حزبٍ واحد! لماذا تتدخّل في الموضوع؟ هل تظنُّ انَّ بإمكانكَ ان توظّف خلافهما لتحصل على مكسبٍ ما؟!. هذه العقليّة تفترض انّ العراق ضيعَةٌ للحزب! يختلفون ويجتمعون ويفترقون ويتشاجرون ويتبادلون المواقع، كلّ هذا شأنٌ داخلي، فما دخل المواطن بكل هذا؟!. في هذه الأجواء وبهذه العقليّات المريضة لم يعد يجرؤ احدٌ على نقدِ أحدٍ ابداً، الا اللّهم اذا كان عندنا مسؤولون مستقلّون، لوجدنا انّ النقد (بفلس) يصل الى حد التسقيط والاغتيال السياسي اذا لم يتجاوزهُ الى الاغتيال بالكاتم، ولكن؛ ماذا نفعل اذا كان كّل السياسييّن وكلّ المسؤولين حزبييّن؟!. ماذا يمكن فعلُه؟!. هل نترك النّقد والمراقبة والمساءلة خوف التشهير والتسقيط والطعن بالولاءات والخلفيات؟!. ذات مرّة سالتُ المرجع الاعلى هذا السؤال، فأجابني بالقول؛ القلمُ مسؤولية وطنيّة، ما تراه صحيحاً إثن عليه وأيّدهُ، مهما كان مصدرهُ، وما تراه خطأً نبّه عليه وحذّر منه، كذلك مهما كان مصدرهُ. انه اراد القول ان الشيء الصحيح يجب تأييده كمسؤولية وطنية بغضّ النّظر عن هوية الذي انجزه [دينه، مذهبه، اثنيّته، جنسه، حزبه، عشيرته، منطقته] وكذلك الشيء الخطأ، يجب التأشير اليه كمسؤولية وطنية بغضّ النّظر عن هويّة الذي ارتكبه. بهذه الطريقة فقط وبهذه العقلية الاستراتيجيّة يمكننا ان نبدأ الخطوة الاولى لتحقيق أمرين؛ الاول؛ هو ان نكرّس الحسّ الوطني عند التأييد او عند النقد. الثاني؛ سنتعلم كيف نقرأ بتجرّد وحياديّة ما نقرأه من نقدٍ او تأييدٍ. اذا كرّسنا الحسّ الوطني، فسنُساهم في خلق اجواء الحريّة التي تحرّض على الكتابة بشكلٍ سليمٍ بعيداً عن لغة التخوين والطعن والتشكيك التي يتعرض لها الناقد اذا عاش في اجواء الخوف والرعب. واذا تحقّق الامر الثاني، فسنصحّح طريقة القراءة، بالتركيز على المادة وليس على الخلفيات والنوايا، وبمناقشة المحتوى وليس اسم الكاتب او الناقد. كما انّ ذلك سيمنحُنا أَكثر فاكثر فرصة التفكير العقلاني الموزون عندما نقرأ نقداً. سيمنحُنا قدرةً اكبر على استيعاب المتغيّرات، ويقلّل تزمّتنا واندفاعنا في تبني نظرية (عبادة العجل) التي تنمو في داخلنا كلّما تعاملنا مع نقدِ (العجل) بالعواطف او الأثارات او حتى بعقدة (الهزيمة) التي أُصِبنا بها حال تحطّم العجل!. اذا لم نغيّر طريقة قراءتنا، خاصّة للنّصوص النقديّة، فنحن امام الخيارات التالية وكلّها سيّئة؛ ١/ فامّا ان نظلّ نتشنّج وننفعل ونثور وربما نخرج عن طورِنا وآدميّتنا وينفلت لساننا ليستخدم لغة الشارع الهابطة، وقد ننجنَّ او نُصابَ بسكتةٍ من نوعٍ ما، كلّما مرّ أمامنا نقدٌ لعجلٍ نعبدهُ!. ٢/ او ان نجد انفسنا يومياً في حروبٍ طاحنةٍ بسبب تعرّض هذا العجل او ذلك لنقدٍ ما! الامر الذي يكرس التمزّق والتفتّت، وبالتالي نفقد بسبب ذلك الكثير من الفرص الإيجابية وفرص الخير. ٣/ او ان نُشهر أسلحتنا المشروعة وغير المشروعة لتكميم الأفواه وقمع الأصوات الحرّة ومنع النقد او ما يسمّيه البعض الاساءة الى الرموز، وبذلك سنكون كمن يطحن في الهواء لانّ زمن هذه السياسية البوليسية والاستبداديّة قد ولّى من غير رجعة. ما العمل اذن؟!. افضل شيء ان لا نعبدَ عِجْلاً مهما غلتْ قيمة حليّه، فهو آس المشكلة {وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا}. في البلاد الديمقراطية وفي المجتمعات الحرّة والمتقدّمة لا تجد اثنين يتعاركان على (عِجْلٍ) ابداً، وانّما يختلف الناس على المنهج والخطط والانجازات والنتائج. اما في البلاد المتخلّفة والمجتمعات الجاهلة فترى انّ اكثر (العركات) على (العِجل) فلا احد يلتفت الى المنهج والخطة والانجاز والنتيجة ابداً، ولذلك ترى عَبَدة العِجْل يردّدون شعار (بالرّوح بالدّم) في كلّ الظروف، سواء جاءت الكهرباء ام غابت، تطوّر البلد ام تخلف، في العشوائياّت سكنَ ام في القصر، بوجود الماء الصالح للشرب ام بعدمه، فليس المهم النتيجة، انّما المهم ان يحيا العِجْل!. ٢٨ تموز ٢٠١٥ للتواصل؛ E-mail: nhaidar@hotmail. com