رغم الأوضاع الأمنية التي عاشها العراقيون خلال الأعوام السابقة كان للطبيعة حضور غير مسبوق من خلال العواصف الترابية التي أدت بحسب المعنيين الذين التقى بهم موقع نون إلى حدوث أضرار صحية توفي على أثرها عدد من المواطنين وكذلك بيئية تجلت بتدمير عدد من المزارع والبيوت .
وقد بدأت حملة العواصف الترابية انطلاقتها بشكل كثيف منذ شهر شباط 2003 واستمرت بشكل ملفت للنظر خصوصا في فصل الصيف وبكميات ثقيلة...
مواطنون التقى بهم موقع نون طالبوا الجهات المعنية بإيجاد الحلول المناسبة للتقليل من آثار وخاطر العواصف الترابية التي دمرت الزرع والضرع وكذلك ناشدوا الحكومة العمل بجد واخذ الموضوع بعين الأهمية.
المواطن عبد الحسن علي يقول لم يجد المواطن العراقي بديلا من الغبار ليستنشقه كل يوم ، اثناء خروجه من منزله وذهابه الى عمله، حيث أصبحت العواصف الرملية طقسا يوميا معتادا عليها موضحا ان هذه العواصف لايقتصر تأثيرها على مزاجيات المواطن ونفسيته فقد بل يتعدى ليشكل تهديدا كبيرا على صحة المجتمع اضافة الى المضاعفات التي قد تودي بحياة العديد من مرضى الربو والحساسية المزمنة.
الشاب ليث علي شأنه شأن اغلبية الشباب يرى ان بإمكانه تحمّل الغبار والاتربة لكنه يفيد\" الجو المغبِر اصبح يؤثر على نفسية الناس فلا يمكنك أن تشعر بحال طبيعية فيما ترى الابنية والمحلات والمدارس والشوارع وحتى البيوت وهي مكسوّة بطبقة من الغبار لاينفع معها الغسل او الازالة\"
ويقول المواطن محمد ابراهيم (صاحب بسطة): انه في ايام العواصف الترابية لا يخرج للعمل لانه مريض بالربو، والغبار يؤثر عليه ولذلك ينقطع رزقه طوال مدة العواصف الرملية وانه خلال هذه الفترة يعتاش على ما ادخره.
فيما يقول سلام عبد الحسين (صاحب مطعم):ان اغلب زبائني يفضلون الجلوس في حديقة المطعم، خصوصا اذا انقطع التيار الكهربائي، وفي ايام العواصف الترابية لا يأتي هؤلاء الزبائن لان المكان يصبح غير ملائم لتناول وجبة طعام.
اما احمد زويد (صاحب محل ملابس) فيقول:ان اغلب الملابس المعروضة في المحل تتسخ من الغبار الذي تسببه الاتربة التي ترافق العواصف، وقد تكبدت الكثير من الخسائر نتيجة عدم اقبال المواطنين على شراء الملابس المتسخة، او عزوفهم عن التسوق في ظل استمرار العواصف.
[img]pictures/2009/10_09/more1255424388_1.jpg[/img][br]
وبعد الاطلاع على آثار تلك العواصف على الناس وعلى الطبيعة، كان لا بد كم معرفة آثارها على عمل بعض الدوائر الرسمية التي شهدت انخفاضا ملحوظا في اطر عملها وخدماتها المقدمة إلى المجتمع، وقد كانت ضمن أولويات صحيفتنا معرفة أسباب كثرة تلك العواصف في الفترة الأخيرة، فكان اللقاء الأول بالسيد وكيل وزارة البيئة العراقية الأستاذ أحمد عبد الزهرة السوداني اثناء تواجده في مدينة كربلاء المقدسة للتحدث بخصوص تردّي الواقع البيئي في العراق وما تركه النظام السابق فقال: إن هذا الأمر دعا وزارة البيئة التي تأسست في عام 2003 من أجل العمل على معالجة الواقع البيئي باعتباره عصب الحياة، ونتمنى تطويره ومعرفة العواقب التي تقف أمام تحقيقه، وهذا يتأتى من خلال فعالية المسؤولين وزيادة وعي المواطن العراقي في كل المجالات ومفاصل البيئة.
وأشار السوداني إلى انه: كانت هنالك دعوة من وزيرة البيئة العراقية الدكتورة نرمين عثمان لوزارة البيئة الإيرانية، واستجابة للمذكرة التي وقعت بين البلدين في شهر كانون الثاني لسنة 2009 لدراسة الواقع البيئي المتردّي في العراق والمتمثل بشحة المياه والتصحّر، وما تملكه دولة إيران من الخبرات العلمية والتقنية في مجال البيئة بهدف المساهمة في حل هذه المشاكل.
وأضاف: وقد عمدت وزارة البيئة الحالية إلى إقامة فرق توعية ونشرها في كل محافظات القطر، لتشخيص الإصابات البيئية ومعالجتها وإرسال التقارير الخاصة بها إلى رئاسة الوزراء لاتخاذ ما يلزم في حالة تحديد أية إصابة، وقد أثنى على دور مديرية بيئة كربلاء المقدسة في ممارسة نشاطها في مجال التوعية البيئية ومتابعة الأنشطة الصناعية والصحية.
وعن أهم المشكلات التي ترافق عملهم قال السوداني: بالنسبة لتجهيزات الوزارة من البنى التحتية فقد خصصت وزارة المالية ميزانية خاصة وصلت إلى (17) مليار دينار وتطلب وجود وزارة علمية بحثية تضم الاختصاصات العلمية في مجال الفيزياء والكيمياء والأحياء وغيرها وتوفير المختبرات، ولكننا حقيقة في صدد مشكلة الدرجات الوظيفية التي تعيق جذب الكفاءات العلمية التي يتطلبها العمل ولا بد لوزارة المالية من حل هذه المشكلة في أسرع وقت.
واختتم السوداني حديثه، بأن الوزارة التفتت إلى ذلك وقامت بعقد اتفاقات دولية وإقليمية في مجال التنوّع الإحيائي ومعالجة مشكلة التصحّر والمجالات الأخرى للنهوض بالواقع البيئي في العراق.
[img]pictures/2009/10_09/more1255424388_2.jpg[/img][br]
وانتقلنا بعد ذلك إلى الأستاذ شاكر الخفاجي مدير الأنواء الجوية في كربلاء ليحدثنا عن هذه الظاهرة قائلا: إن العاصفة الترابية تنشأ نتيجة التقاء المنخفض الجوي القادم من البحر المتوسط والمرتفع الجوي القادم من شمال أفريقيا في غرب العراق، وهي أجواء تحدث سنويا وبالتحديد في الغرب من محافظة كربلاء المقدسة والأنبار والسماوة، وإن تلاقي هذه الكتل الجوية جراء التعرية الهوائية تتكون منها العاصفة الترابية، فتجعل من المنطقة جافة قليلة الأمطار؛ وذلك لعدم وجود أي غطاء نباتي، وقد بدأت العواصف نحو الازدياد بعد عام 2003-2004، وأصبحت موسمية وسوف تبدأ بالانحسار مع نهاية شهر تموز وبداية شهر آب لهذا العام حيث تقل وتنتهي والسبب نهاية التأثير الجوي، حيث إن العواصف ستنتقل إلى الأردن وفلسطين.
وتابع الخفاجي: إن سبب قلة العواصف الترابية في السنوات الماضية يرجع لوجود كميات من الأمطار ووجود غطاء نباتي (البساتين والمزارع).
وعن التوقعات الجوية للسنين القادمة وكمية العواصف وهل هي بازدياد أو نقصان قال الخفاجي: هنالك تنبؤات جوية لمدة (24) ساعة و( أسبوع) و ( شهر) وكلما طالت فترة التنبؤ كان التقدير العام للتنبؤات أقل وأضعف من المدة القصيرة، وتوجد بدائل ومقترحات ضرورية هي زيادة حجم الحزام الأخضر والغطاء النباتي وضرورة وجوده في كل مدينة قريبة من غرب العراق، ولذلك أطالب من خلال موقعكم السيد مدير زراعة كربلاء المقدسة وقسم الغابات في كربلاء بضرورة الإسراع بإكمال الحزام الأخضر من أجل التقليل من تأثيرات العواصف القادمة.
كما بيّن: إن المديرية تقوم بإبلاغ المواطنين بالعواصف الترابية القادمة الصادرة من الهيئة العامة للأنواء الجوية العراقية عبر الإذاعات والتلفاز، وإن هناك جهدا متواصلا لتبادل المعلومات مع جميع دول العالم للتعاون فيما بينها، مشيرا الى: انه عند حدوث العواصف الترابية تنخفض درجات الحرارة نتيجة عدم وجود مصدر طاقة جوي.
وكشف الخفاجي احتياجات الدائرة بقوله: إن دائرة الأنواء الجوية تفتقر إلى أبسط مقومات النجاح لتطوير عملها من حيث عدم توفر أجهزة حديثة ومتطورة كذلك سوء حال بناية دائرة الأنواء الجوية وحاجتها إلى الترميم، كما إن الدائرة بحاجة إلى دورات خارج القطر لتطوير مهارات موظفيها فضلا عن تطوير آليات عملها.
الحزام الأخضر.. هل هو المنقِذ؟
[img]pictures/2009/10_09/more1255424388_3.jpg[/img][br]
ومن البديهي عند حدوث مثل هذه الأمور من اللجوء إلى إيجاد الحلول في سبيل التقليل من مخاطرها على اقل تقدير ولأجل معرفة ذلك التقى موقع نون بمدير زراعة كربلاء المهندس رزاق الطائي والذي تحدث عن مشروع الحزام الأخضر وقال: أنه مفصل فعال ضمن جهود المحافظة الرامية لتحسين بيئة المدينة والتصدي لظاهرة التصحّر، وإن إحاطة الصحراء بمدينة كربلاء المقدسة من الجهتين الغربية والشرقية وطبيعة تربتها الهشّة والقابلة للتطاير قد جعلت منها هدفا سهلا لتراكم الرمال والغبار الذي يتطاير في أوقات متعددة من السنة، الأمر الذي كانت له سلبيات متعددة الاتجاهات طالت البنى التحتية بالضرر فضلا عن الأمراض الجلدية والتنفسية التي من الممكن أن تزيد مضاعفاتها في الأجواء المتربة المحملة بالغبار والبكتريا والأوساخ، ومن هنا كانت ضرورة العمل على إنشاء (حزام اخضر) للمدينة لغرض مكافحة التصحر وتحسين الأجواء وزيادة المساحات الخضراء التي من الممكن أن تعمل كمصدات للرياح والغبار والأتربة.
ووصف رزاق المشروع بأنه: الأول من نوعه في المحافظة، ويمتد بشكل هلالي حول مدينة كربلاء، بمسافة 27 كم طولاً و110 م عرضاً، ومن المؤمل أن يتوسع عرض المشروع ليصل إلى 1 كم، بعد النجاح الذي شهدته المرحلة الأولى منه، وقد تم اعتماد نوعيات الأشجار التي تتعايش مع الظروف البيئية القاسية وبأنها معمرة وتمد جذورها بعيدا في التربة، ومنها النخيل والزيتون واليوكالبتوز، بمجموع أشجار وصل إلى حوالي 86 ألف شجرة، تسقى من (55) بئر ارتوازي باستعمال تكنولوجيا الري بالتنقيط.
واختتم الطائي حديثه بأمله: أن يسهم الحزام الأخضر بتحسين جو المدينة وإنقاذها من أمواج الأتربة والغبار وتزويدها بكميات أوكسجين إضافية فضلا عن آمال استثمار اقتصادي في تشغيل أيدي عاملة لخدمة المشروع، والاستفادة الاقتصادية مما يمكن أن تطرحه عشرات آلاف الأشجار من الثمار المتوقعة.
جهود كبيرة ومشاريع مقترحة وعواصف رملية وترابية قادمة، فهل سيقل خطرها ام سيبقى الوضع على ما هو عليه؟ سؤال مطروح والإجابة سيقولها الزمن.
تحقيق /حسين النعمة