حجم النص
بقلم رائد العتابي. منذ ايام الطفولة كانت تمر على دارنا امرأة كبيرة طاعنة في السن فقيرة تذهب عادة الى المستوصف الذي يقع بالقرب من بيتنا وكان لها وقت محدد الى ذلك كان قبل اذان الظهر او بعده بقليل في هذا الوقت كنت اسمع صياحا وبكاء شديدا ينطلق من هذه العجوز فاسرع الى باب المنزل لأجدها جالسة في وسط الطريق تحت حرارة الشمس المحرقة وهي تبكي وتصيح وتندب حظها وتقول لماذا تفعلون بي هكذا (ما عدكم امهات ابهات... ربي شلون بيه ربي) وكنت ابكي لهذا المنظر الرهيب لا تمر هذه المراة العجوز من شارعنا الا ان تاخذ قسطها من الحجارة وصيحات الاستهزاء والسخرية من الكبار والصغار. بعد رجوعي الى الوطن وبعد غياب طويللا زالت هذه الصور الى جنب عشرات الصور في بالي لم تفارقني وقلت في نفسي لعل الوضع تغير وذلك الجيل ولّى واتت وجوه وذهبت اخرى. ذات يوم كنت امشي في احدى الطرق الرئيسية فاذا بصيحات تتعالى (هيه.. اوه.. هيه..)امعنت النظر فاذا بامراةوعبائتها التي تبدو قديمةعليها آثار التراب تمشي في السوق تتكلم مع نفسها (انعل ابوكم لا بو ابوكم) التفتُ الى مصدر الاصوات فاذا بهم اصحاب الدكاكين وبعض المارة يستهزؤن بها (وينصبون) عليها من اجل ان يضحك ملئ شدقيه وتهتز بطنه العالية قل لي بربك اي ثقافة يملك هذا الذي يفعل هذه الاعمال واي جهل يعيش فيه هذا الذي يستهزء (وينصب) على الناس واي كشف عن نفس ما تلقت الحد الادنى من التربية البيتية. اصبت باحباط شديد وقلت في نفسي لماذا نؤذي هؤلاء ونزيد حالتهم سوء بدل ان نخفف عنهم نزيد في عذابهم ولسنا كبقية دول العالم تجمع هؤلاء وتقدم لهم كل ما يخفف عنهم المعاناة ويتفهمون حاجاتهم وحالاتهم.انهم ليسوا بغرباء بل من ابناء الوطن ليت شعري هليرى شعبي كيف يتعامل (الكفار) مع المجانين والمصابين بحالات نفسية بكل لطف وشعور بالمسؤلية ان هذه الشرذمة لا ترحم ابناء جلدتها والضعفاء منهم فبدل ان تمد لهم العون تلقي لهم مزيدا من الهم والغم لعلها ساهمت في جنون الكثيرين، وياليت السلطات المحلية تلتفت الى ذلك وقبل هذا ياليت ضمائر هؤلاء تصحو. وكما قال الشاعر: (لا تنتهي الانفس عن غيها * ما لم يكن منها لها زاجر) اننا لا نحب النظام ولا الترتيب ونعدة مسخرة وهذا الواقع يتكلم عن ذلك فلو كنا نملك ظاهرة واحدة وهي نظام الصف والطابور وقوف الناس واحدا خلف الاخر امام الدكان او المؤسسة وهي ظاهرة على بساطتها لكنها تحوي الكثير من المعاني تعكس حب الناس للنظام والترتيب والصبر والعدالة وحفظ حقوق الاخرين ونبذ الظلم واحترام حق الباقين وحب الوطن وكما قالوا اذا وجدتم خلة جميلة في احدكم ففتشوا عن مثيلاتها. اننا لا نعمل باخلاص ولا بمسؤلية ان الذي يقوم بواجبه بامانة وعلى اكمل وجه من العمال والموظفين يسمونه (لوكي) وتشتغل (عليه الزلم بالنصب) والهمز واللمز والنظر اليه من طرف خفي بل يعتبر ضعيف الشخصية (وقشمر) فلذلك وكما حدثني احدهم انا لا احب ان اكون مضحكة بين اصدقاء العمل لذلك اعمل بما يناسب الجو العام اننا قوم لا نعشق العمل ولا نعطيه حقه لذلك لا نبدع فيه ويكون ناقصا متعبا.ان ديننا وكتابنا و نبينا يرفضون ذلك وينهون عنه اشد النهي لتاثيره البالغ على الانسان وازدياد حالته سوءً، وديننا دين الرحمة والمودة والعطف واللطف والاخلاص والاخوة والمساعدة للباقين. انها ظواهر يجب ان تزول لانها غير حضارية ولا انسانية ولا تليق بشعب عمر حضارته الاف السنين وهو الذي علم الانسانية الكتابة بالقلم وفي القلب المزيد من الآهات والحسرات. ان للتربية الاثر البالغ في ذلك فهل ينتبه الوالدان الى ان المستقبل في البيت ومن البيت وعلى ايديهم وفي ايديهم مستقبل الامم على يد الاسرة الواعية التي تصنع المستقبل ان هذا الهبوط في المستوى الدراسي واخره هذا المستوى المخيف في الرسوب في الدراسة المتوسطة حتى ان المرجعية نبهت على ذلك ولعمري ان هذه النتيجة من صيحات التوبيخ والاستهزاء وجعل اطفالنا (نصبة) وامثال هذه الاعمال التي تنطلق عن قصد او من غير قصد من الابوين والمجتمع وهناك حقيقة يجب ان نعرفها جميعا ان باكتساب المعالي يُكبت العدو وان مصنع المعالي هو البيت والاسرة قبل كل شئ.