حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ لم يكن مفاجئا قرار الملك السعودي سلمان بتقليل مستوى مشاركة بلاده في مؤتمر قمة كامب ديفيد الذي كان من المؤمل ان يجتمع الرئيس اوباما مع حلفائه قادة دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسهم السعودية (الشقيقة الكبرى) فقد ألمحت تلك الدول في بياناتها الرسمية المقتضبة بذات الهدف الذي أعلنه العاهل السعودي بتقليل مستوى التمثيل الا ان الذي يختلف "قليلا" هو ان لقاء اوباما مع الملك سلمان كان هو الاول من نوعه منذ تولي الملك سلمان عرش المملكة السعودية وقد يشي هذا المستوى من التمثيل الرسمي خاصة السعودية عن توجيه رسالة امتعاض خليجي غير مباشرة الى الولايات المتحدة كرد فعل معلن تجاه الموقف الأمريكي الذي أثار حفيظة ومخاوف دول الخليج خلا عُمان (التي غاب سلطانها عن القمة) من التسوية غير المتوقعة للملف النووي الإيراني الذي كان يشكل كابوسا مفزعا لها لأكثر من عقد من الزمان وكانت تنظر الى الملف النووي الإيراني على انه اشبه بهراوة غليظة تلوح بها طهران في وجه جيرانها من دول الخليج العربية متى ما أرادت ذلك مايستدعي كبح جماح ايران النووي وتقليم أظافرها الإقليمية. ولكن من الواضح ان الولايات المتحدة لها افق ابعد من أفق حلفائها الخليجيين ولها منظار اخر فهؤلاء مازالوا ينظرون الى إيران نظرة عدو طائفي توسعي وله امتدادات إقليمية طائفية (شيعية) غير محدودة سواء في العراق او في سوريا او لبنان او اليمن وينظرون الى الملف النووي الإيراني بانه أشبه بصندوق أسرار يلفه الغموض بينما الولايات المتحدة تنظر الى إيران من منظار المصالح التي تخدم الأمن القومي الأمريكي باعتبار انه ليس لأمريكا أعداء او أصدقاء ثابتون ولذا أدركت أمريكا ان التعامل ببراغماتية مرنة مع دولة كانت الى عهد قريب تمثل احد أركان محور "الشر" بحسب التصنيف الأمريكي هو أفضل من التعامل مع تلك الدولة بحسب مقاييس الحرب الباردة التي قد تشعل فتيل حرب حقيقية في الخليج قد تطيح بالمصالح الأمريكية في هذا الجزء المهم من العالم وهي حرب لن تخدم اي طرف اذا ما اندلعت .. وان تخفيض التمثيل الرسمي لدول الخليج العربية فضلا عن السعودية لقمة كامب ديفيد هو رسالة امتعاض اخرى موجهة الى اوباما الذي عزا في تصريحه الأخير أسباب الإرهاب الرئيسية الى الوضع الداخلي لدول الخليج العربية(السعودية بالتحديد) وهو وضع أنتج لنا أجيالا من الإرهابيين المجرمين مازالت تتدفق على البؤر الساخنة في الشرق الأوسط كالعراق وسوريا وتهدد امن الكثير من الدول منها امريكا نفسها وذلك بسبب سياسات حكومات هذه الدول والوضع الاجتماعي والمعيشي فيها ومن الطبيعي ان توصيف اوباما (ان ايران ليست الخطر الاكبر على دول الخليج، وانما الخطر الداخلي المتمثل في استياء شعوبها من غياب الإصلاحات، وغياب فرص العمل، والمساواة) هذا لايروق لحكومات هذه الدول التي لم تعتد هكذا توصيفات من حليفتها الكبرى وهو مايشكل اول الوهن في العلاقات التاريخية بين الولايات المتحدة وشركائها الخليجيين المتخوفين من المفاجآت التي سينبئ عنها الموقف الأمريكي "الغامض " والمخادع حسب رؤيتهم وهم متخوفون اكثر من "الانفتاح" الذي قد يقود الى ولادة ربيع علاقات إيرانية ـ أمريكية متوازنة وإعادة تطبيع العلاقات المقطوعة بينهما منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979بقيادة آية الله الخميني وحادثة احتلال السفارة الإيرانية المعروفة، وهم متخوفون ايضا من ضمور دورهم كحلفاء وشركاء استراتيجيين لأمريكا التي قد تبحث عن شريك قوي واستراتيجي كإيران بعد ان تتحول الى دولة "ايجابية" من خلال "احتوائها" والسيطرة على تطلعاتها الجيوبولوتيكية ومراقبة تلك التطلعات بحسب الرؤية الأمريكية الأخيرة المستقاة من اتفاقية لوزان وهي الرسالة "التطمينية" التي يريد ان يوصلها اوباما الى حلفائه الخليجيين في كامب ديفيد وإقناعهم بان الملف النووي الإيراني سيبقى تحت "السيطرة" فلا داعي لأية مخاوف لاسيما وان الولايات المتحدة ماضية في التزاماتها الدفاعية لدول الخليج في كل الأحوال. الا ان الخليجيين مازالوا تحت تأثير "الصدمة" التي أحدثتها لوزان ولم يستوعبوا بعدُ ان اوباما البراغماتي وهو مايزال في ولايته الثانية ماسكا العصا من الوسط وملوحا بعدم التفريط بمنظومة الحلفاء التقليديين كونها تتعلق بالأولويات الجيوستراتيجية الأمريكية التي تصب في مصلحة الأمن القومي الأمريكي اولا وعدم التفريط بحزمة المصالح الأمريكية التاريخية ثانيا وقد تكون تسوية الملف النووي الإيراني على هذه الشاكلة جزءا من هذه الأولويات الإستراتيجية التي تتناسب مع مصالح الولايات المتحدة في المنطقة ولخلق مناخ يساعد على ذلك ولكن مخاوف دول الخليج من "غموض " الموقف الأمريكي حيال الملف النووي الإيراني او من المفاجآت غير المتوقعة التي ستسفر عنها ماتبقى من المحادثات المتبقية من لوزان التي قد تقلب كل الموازين والتوقعات وتأتي بتوازنات سياسية جديدة وإعادة رسم خارطة طريق لأولويات أمريكية جديدة وهو مايشي بظهور أول الوهن في العلاقات الأمريكية الخليجية ان لم يكن باكورة خريف لهذه العلاقات خصوصا اذا مارجع الزعماء الخليجيون من كامب ديفيد بخفي حنين. إعلامي وكاتب