- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أميركا وتمويه المواقف في الحرب ضد "داعش"
حجم النص
بقلم: عباس البغدادي تأتي تصريحات مسؤولي قرار الحرب الأميركيين بالأقساط فيما يخص "الحرب على الإرهاب" التي تدور رحاها في منطقتنا المنكوبة، والتقسيط يشمل فقط تلك المعلومات والآراء التي لها مدلولات خطيرة وحساسة، أما ما سواها فلا تعدو أن تكون رغوة إعلامية تساعد على جعل المشهد حاضراً على مدار الساعة! ومن تلك التصريحات التي لا يمكن أن تُقرأ عابراً، ما أفصح عنه مؤخراً الجنرال الأمريكي جون آلن (منسق عمليات التحالف الدولي) قائلاً: "ان عملية (إستعادة) الموصل يمكن ان تستغرق حتى عام، العملية ستبدأ في موعد أقصاه عام"! ويشبه هذا التصريح طريقة الأطباء في تقسيط (الأخبار غير السارة او الكارثية) لمرضاهم، رحمة بهم حسب الظاهر، وبالطبع لا يحتاج النفاق الأميركي هنا الى أدلة إثبات، فلو كان هذا التصريح قد تفوه به أي مسؤول أميركي من الحلقة الضيقة لأصحاب القرار قبل تشكيل التحالف الدولي لكانت كل المقولات الأميركية بشأن (سرعة حسم الحرب) وعنتريات دحر الإرهاب قد شابها الشك والريبة؛ وأجهزت عليها علامات الاستفهام المدببة، ولكن -وحسب التمويه الأميركي- ينبغي (الإفراج) عن بعض الحقائق -وليس جميعها قطعاً- في توقيتات ملائمة، وهذه التوقيتات يقررها الأميركيون وحدهم، ولو راجعنا مقولة جون آلن الأخيرة، ينبغي أن نعطي عقولنا إجازة حتى نصدّق بأن الموصل التي سقطت في يومين بقبضة الدواعش الذي عُدّوا بالمئات حينها، يحتاج تحريرها الى 365 يوماً من التحالف الدولي الخمسيني بقيادة أميركا (القوة الأعظم في العالم)! وبمساندة القوات العراقية والحشد الشعبي الذين تجاوزوا العدّاد المليوني! ولسنا هنا نهوّن من حجم المهمة، بل نحتاج من أميركا الى تفسير عقلاني يبطل مفعول علامات الاستفهام المتوثبة، مثلما أجهدت نفسها قبل ذلك في إقناع العالم بأن تنظيم داعش يشكل تهديداً عالمياً، وبأنه لو فجّرت داعش سد الموصل، سيهدد ذلك الرعايا الأميركيين المقيمين في مناطق محصنة من بغداد بالغرق (على بُعد 465 كم فقط)! بالطبع، لم ولن ننتظر من آلن أن يفصح عن حزمة من الحقائق (غير السارة) دفعة واحدة، ومنها؛ ما هي الآجال المرصودة لتطهير كامل المناطق العراقية والسورية التي يسيطر عليها تنظيم داعش، تلك التي أعلنها التنظيم "دولة الخلافة" والتي تسعى تركيا لفتح (ممثلية دبلوماسية) لها على الأراضي التركية؟ لقد توضحت تدريجياً وعبر التصريحات الأميركية المدروسة والمتواترة بأن الحرب ضد داعش (طويلة) وليست كما تصورها البعض بأنها (خاطفة)، وزفّ الأميركيون البشرى بأنها تطول لسنوات عبر تصريحات هنا وهناك! ومن الضروري -وفق مسلسل التحضير النفسي- إيصال هذه المعلومة المُرة الى الضحايا والمتضررين أولاَ، والى كل من يهمه الأمر ثانياً، ولا ندري بالطبع هل تم إبلاغ قادة دول التحالف الخمسيني، ومنهم الدول العربية المشاركة، وعلى وجه الخصوص القيادة العراقية بهذه المعلومات، أم تم حجبها عنهم لضرورات أميركية بحتة؟ اذا كان الجواب ايجاباً، فلماذا لم نلمس عراقياً أية خطوات حقيقية تشي بأن معركتنا طويلة وممتدة لسنوات ضد الإرهاب الداعشي التكفيري؟! لا مجال وفق وقائع الأحداث لإساءة الفهم بأن أميركا ترى ان العجلة في (دحر الإرهاب) ليس في صالح مخططاتها وأجنداتها الخفية للمنطقة، ولحجب هذه الحقيقة تلجأ الى الاستعراض، تارة عبر الغارات الجوية مع حليفاتها التي سئمها المتابعون والتي تجاوزت المئات، وتارة أخرى عبر قرارات لمجلس الأمن، وتدابير دولية أمنية لمنع انتشار الإرهاب التكفيري خارج إطار البلدين المنكوبين، العراق وسوريا. وتحتاج أميركا لإطالة أمد الحرب في ملفات عديدة، فمثلاً تسعى بصورة حثيثة في المدى المنظور الى كسب الوقت للتدريب والإعداد الجيدين لما تسميهم "المعارضة السورية المعتدلة" والتي تريد منهم أن يكونوا حصان طروادة في الملف السوري، ليشكلوا البديل لنظام دمشق الذي صمد طوال السنوات الماضية، في حالة تعدت عملية القضاء على داعش وأخواتها أهدافها المرسومة! فهدف إسقاط النظام السوري يشكل صداعاً للأميركيين قبل سقوط الموصل واستفحال أمر داعش، ومن البديهي أن يشكل أيضا جزءاً من الأجندة الخفية الموازية لأهداف التحالف الخمسيني، وهذا بالضبط ما يثير الريبة في مزاعم أميركا الظاهرية في موضوع (دحر الارهاب)! ويشير بالطبع الى وجود أهداف موازية كثيرة لا تفصح عنها أميركا مثلما عودتنا دوماً. ان التحشيد المتسارع والمحموم الذي شهدناه لتشكيل التحالف الخمسيني ضد داعش من قبل أميركا، مثّل غطاءً دولياً -كالعادة- تحتاجه الأخيرة لتمويل وتنفيذ مخططاتها، ولإشباع غريزة التزعم التي تتلبسها في عالم أحادي القطب، اضافة الى سعيها لفرض (الأمر الواقع) على الدول التي تحتضن مسرح العمليات، أي التي تستعر فيها حرائق الارهاب، والتي لم يُبرّأ الأميركيون منها يوماً، وهذا (الأمر الواقع) تمسك أميركا بخيوطه حتى النهاية، وتصوغه حسب مصالحها الضيقة، مثل الضغط لصياغة التحالفات الإقليمية، أو فرض إملاءات تمس المناخ السياسي الداخلي للدول المستهدفة، أو تكبيل ارداتها بأثقال القرار الأميركي مباشرة. * * * واهمٌ من يظن ان تطويل آجال حسم فصول الحرب ضد داعش وأخواتها لن تصب في صالح هؤلاء، حسبما أثبتت التجارب، حيث انهم قادرون على تطويع العامل الزمنى لصالحهم، وها هم يستغلونه في استيعاب المئات من الملتحقين بقطعانهم من الـ 70 بلداً التي تم حصرها لحد الآن! كما وظفوا العامل الزمني لترسيخ نفوذهم في المناطق التي سيطروا عليها، ويسعون الى إدارتها واستثمار مواردها..! لقد بات النفاق الأميركي بلا حدود في ملف الحرب على الإرهاب، فأميركا تتبنى مثلاً بشدة تدريب وتسليح (المعارضة السورية المعتدلة)، والتي أثبتت هشاشتها وانكسارها، وارتزاق عناصرها حينما يعرضون خدماتهم على التنظيمات التكفيرية كما أثبتت الأحداث، ورغم ذلك لا تتردد أميركا من نفخ الروح فيها وجعلها الورقة التي تقاتل بها داعش وأخواتها على الأرض (كقوات برية)! ولكن في ذات الوقت لا ترى أية أهمية أو ضرورة في تزويد القوات المسلحة العراقية وقوات الحشد الشعبي المليوني بالأسلحة المطلوبة، والتي تضمنتها صفقات سابقة مبرمة مع العراق، ومنها طائرات مقاتلة، ولا تشارك الجانب العراقي أية معلومات استخبارية ذات أهمية حول التنظيمات الارهابية، كما لا تزود العراق بأية إحداثيات توفرها الأقمار التجسسية الأميركية، ومع كل ذلك تقرّ أميركا بأن الضربات الجوية لا تحسم الحرب، وان الجهد البري هو الرقم الأصعب في المعادلة! ولكنها حينما يصل الأمر الى القوات البرية العراقية (بتنوع صنوفها ومعها الحشد الشعبي) توجه الدفة الى ضرورة البحث عن (بدائل) أخرى، ودائماً تتجه البوصلة الى التدخل البري الإقليمي والدولي، وهو مرفوض داخلياً، عراقياً وسورياً، ولذا، يبدو ان تطويل أمد الحرب يهدف من أحد جوانبه كمحاولة لتركيع الدولتين والقبول بخيار التدخل البري، الذي له فواتير باهظة جداً، سيادية ومادية، عاجلة وآجلة.. ان تتبّع مسار الأحداث السورية منذ مارس 2011، يكشف بأن أميركا خططت ببراعة لتفعيل الفصل الثاني من "الفوضى الخلاقة"، بعد فصل ما يسمى بـ"الربيع العربي"! اذ قد فعّلت الفصل الحالي بالتدخل المباشر -الذي كان غير ممكن بدون ظهور داعش- وهذه المرة مصممة على إعادة رسم المنطقة وفق خرائط جديدة وقوى مستحدثة؛ وتكريس نظام أحادي القطب يهيمن على المناخ الدولي، والذي لن تتخلى عنه سوى بهدم المعبد على رؤوس الجميع اذا استدعى الأمر، وهذه ضريبة ممارسة جنون العظمة، فهل نستوعب ما يحصل، وما سوف يحصل؟!