حجم النص
بقلم: محمود الحسناوي جاءت عجلة الاسعاف مسرعة تدّوي بصفارة الأنذار إلى ساحة الانفجار التالي, لتنقذ بقايا الارواح التي لم تستشهد بعد, وتلملم اشلاء الموتى المنتشرة وسط الرماد بعد ان اخذ ملك الموت حصته لهذا اليوم من الارواح وعرج بها إلى السماء..ربما يعود مجدداً ليواصل عمله الذي اعتاد على ممارسته كل يوم في البلاد او ليحصد ارواح ما تبقى من الجرحى الذين لم تنلهم قبضته في المرة السابقة.. في هذه الاثناء صاح المعاون الطبي لسائق السيارة: قف!! لا تنطلق بنا إلى المستشفى, فهناك ساق لطفلة سمراء بقيت ملقاة على الرصيف المجاور للمدرسة مغطاة بالركام لم نصطحبها معنا, مرة دقائق معدودة اكمل الفريق الطبي عمله وعاد إلى المستشفى حاملاً جثامين الموتى وأنين الجرحى. وبعد ساعة ونصف من الحادث تقريباً أعلن مدير المستشفى الاحصائية الأولية لعدد الضحايا بأنها كالآتي: استشهاد الانسانية واصابة الكرامة بجرح بليغ في الرأس ربما تفارق الحياة على أثره او تعيش بحالة من اللاوعي الأبدي.. هكذا شخصها المختصون, لم تنتهِ الحصيلة بعد فأخلاق البشر ايضاً قد تهشمت نتيجة العصف الذي خلفه الانفجار والروابط الاجتماعية تعيش في حالة غيبوبة وهي تصارع الموت. اكتفى المدير بهذه الكلمات البسيطة وخرج مسرعاً من قاعة المؤتمر دون ان يجيب على الاسئلة التي وجهت له, ترك الجميع وسط اندهاش كبير, فلم يتطرق لحجم الخسائر البشرية ولا لعدد الضحايا, لماذا كان كلامه بهذه اللهجة الغريبة أذن!؟ كانت سيارات الاطفاء ايضاً قد توجهت لمكان وقوع الحادث لتخمد ألسنة اللهب وتمحو آثار الرماد عبر خراطيم المياه التي مزجت دماء الشهداء مع بقايا اجسادهم ودفعت بها نحو فوهات تصريف المياه, اصبح المكان اكثر نظارة وكأن شيئاً لم يكن لولا آثار الدمار التي بقيت على جدران مدرسة الطفلة الشهيدة بنين ذات السبعة اعوام التي تناثرت أشلائها على الرصيف. بقي الجميع في حالة من الهلع يبحثون عن حجم الخسائر المادية والبشرية وعن سبب الانفجار الذي اتضح فيما بعد وبحسب تصريح المسؤول الأمني بان المجموعة الارهابية التي نفذته كانت تسمى "طائفيــة" وقد تم القاء القبض على اثنين من عناصرها وهم الآن قيد التحقيق. كشفت النتائج بعد إذ بأن الطائفية كانت تخطط لاغتيال "الأمــــل" الذي يعيش الآن متلبداً بين هياكل اليأس, فهو الناجي الوحيد من الحادث ولكنه أُجبـرَ بأن يبقى مشرداً بين أزقةِ وطنٍ مجهول المصير. [email protected]