حجم النص
عبدالزهرة الطالقاني منذ ان تأسست الدولة العراقية والعلم العراقي مثل كثير من اعلام الدول العربية يحمل في جزء منه اللون الأسود، إضافة الى ثلاثة ألوان أخرى هي الأبيض والأحمر والأخضر، وهذه الألوان حسب الرواية التأريخية جاءت استنباطا من ابيات الشاعر الكبير صفي الدين الحلي رحمه الله: بيض صنائعنا سـود وقائعنــا خضر مرابعنا حمر مواضينا ويبدو ان هناك مصداقية عالية لملائمة ألوان العلم وكل من حاضرنا وتأريخنا، وافعالنا ومعاركنا.. وحسب الظاهر ان الشعوب التي تتبنى هذه الالوان سبق ان خاضت معارك طاحنة، كانت فيها أما معتدية على شعوب أخرى، أو مدافعة عن نفسها نتيجة لعدوان واعتداء وقع عليها.. وحروب الدفاع دائما مقدسة، لانها دفاع عن الارض والوجود.. كما ان الصفحة البيضاء لصنائعنا تظهر الكثير من المصداقية، فهذه الصفحة بقيت بيضاء على مدى حقبة طويلة من التأريخ.. فنحن لم نصنع صاروخا ولا طيارة ولا مركبة فضاء ولاقمرا صناعيا.. ونحن العرب لم نصنع سيارة ولا ماكنة ولا دراجة هوائية ولا ابرة على وجه الاستقلال.. بل كل الذي نفعله نجمع الاجزاء في بعض البلاد العربية ومنها العراق، لنضع على السلع ماركة وطنية وعبارة (صنع في العراق). أما ذلك اللون القاني الذي يعبر عن مواضينا.. فهو الاخر اكثر الالوان قربا لمواضينا التي ملئت بالدماء.. فلا يمر يوم او شهر او عام او عقد أو قرن دون ان تسيل دماؤنا انهارا، حتى صار الاحمر اجمل الالوان في مجتمعاتنا وغدت النساء تتجمل به.. الربوع الخضراء لم تعد خضراء، وهي اساسا ليست من صنعنا.. بل ما حبانا به الله من خيرات واراض خصبة ومياه جارية.. ولأننا لا نستحقها، بدات الربوع الخضراء تتحول شيئا فشيئا الى صحراء. وعودة الى اللون المفضل لدينا، وهو لون وقائعنا والذي اصبح جزءا من علمنا.. حيث لم يعد الاسود رمز لتحويل النهار الى ليل بسبب ما يثار من غبار المعارك، بل انه صار رمزا لاحزاننا التاريخية.. فهذا الحزن ولد فينا، وتربى بيننا وترعرع في بيوتنا وحاراتنا حتى غدا جزءا منا، فوضعناه في اعلامنا.. فهو جزء من تاريخنا وتراثنا وكياننا وتكويننا لا نستطيع العيش بدونه.. انه لون وطني بامتياز، امتد الى اشعارنا وغزلنا فحتى عندما نتغزل بالنساء نقول: (لبس السواد سبيّ العباد) واي سبي هذا، وفي تاريخنا سبابا منذ ألف عام، وكم سُبينا، وكم هُجرنا، وكم غادرنا بيوتنا وقرانا ومناطقنا ومدننا فرار من السبيّ، والعدوان والقتل الذي ظل يلاحقنا مرة من الشرق، واخرى من الغرب، وثالثة من الداخل، حتى صرنا نصنع السبيّ والقتال والتهجير بانفسنا ونعطيه صفة الوطنية، فان لم يُهجرنا ويُسبينا ويُقاتلنا اجنبي، نقوم نحن بهذه المهمة، فنُسبي بعضنا، ونُهجر بعضنا، ونقتل بعضنا.. ثم نلبس السواد على قتلانا.. انه رداء احزاننا وزيُنا الوطني، وشاهد مشاعرنا، ورمز خذلاننا، تعلقنا به قبل ان نتعلق بلون السماء الزرقاء.. والروابي الخضراء.. وحقول الورد الملونة بالبنفسج والرازقي والياسمين والكاردينيا، بل ان اللون الاسود امتد الى وردنا، فصرنا نشم وردا اسود، وعطرا من ابار النفط الاسود.. نبيع نفطنا لنشتري اكفاناً لاطفالنا ونسائنا وشبابنا.. انه العراق ارض السواد.. هل نسيتم هذا الوطن.. فكيف لا نضع عراقنا في أعلامنا..؟؟ القاهرة
أقرأ ايضاً
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي
- تفاوت العقوبة بين من يمارس القمار ومن يتولى إدارة صالاته في التشريع العراقي