حجم النص
بقلم: نزار حيدر ليس من عادة المرجعية الدينية توظيف الفتوى في كل الامور، فهي للحالات الاضطراريّة فقط على قاعدة (آخر الدواء الكي) خاصة في القضايا السياسية والشؤون العامة، لانها تؤمن إيمانا مطلقا بدور الحوار والجدال السياسي المؤطر بالأخلاقيات والسياقات واللياقات المطلوبة لمثل ذلك، كما انها تعتقد بأهمية دور المجتمع في بلورة واختيار الاتجاهات العامة بكامل الحرية والقناعة، ليتحمل مسؤولياته الوطنية على احسن ما يرام. انها دقيقة جدا في التعامل مع الفتوى، فهي تتحرج كثيرا وتفكر مليا قبل ان تفتي في الشأن العام، خاصة اذا ترتّبت على الفتوى دماء وأعراض وأنفس محترمة. هي لا تطلب سلطة بالفتوى ابدا، ولا تفكر بتحقيق مصالح ضيقة بالمطلق، إنما هدفها تحقيق الصالح العام للمجتمع، بما يحقق الأمن والاستقرار والحرية والكرامة والعدل والإنصاف، ولذلك رأيناها اليوم تؤكد على العراقيين، بعد فتوى الجهاد، الابتعاد عن كل ما يؤثر بالسلب على وحدة النسيج الاجتماعي، لان ذلك، برأيها، سيعقّد المشكلة ولا يقربنا او ياخذ بأيدينا الى الهدف الأسمى الذي نصبو اليه جميعا، واقصد به الأمن والاستقرار والبناء والتعايش بسلام. والمتتبع لفتاوى المرجعية، يرى انها لم تصدر الا في الظروف القاهرة، فالمرّة الاولى في تاريخ العراق الحديث كانت عندما واجه العراق غزوا واحتلالا عسكريا بريطانيا في العام ١٩١٤ الامر الذي اضطر المرجعية للجوء الى الفتوى لتحشيد الشارع العراقي من اجل المقاومة ومواجهة الغزو. المرة الثانية كانت عندما شعرت المرجعية بان بريطانيا العظمى بدأت تماطل في القبول والانصياع وتحقيق مطالب الشعب العراقي، خاصة عندما تجاهل الرئيس الاميركي وقتها أندرو ويسلن، صاحب المبادئ العشرة المعروفة بشان حق الشعوب في تقرير مصيرها، تجاهل رسالة المرجع الديني الأعلى وقتها وقائد ثورة العشرين الاسلامية الوطنية التحررية، الشيخ محمد تقي الشيرازي، والتي طالبه فيها بالتدخل لدى بريطانيا والضغط عليها للاستجابة لمطالب العراقيين المشروعة، فما كان منه الا ان يلجأ الى الفتوى، لمنح العراقيين الحق باستخدام القوة لتحقيق مطاليبهم في إقامة حكومة وطنية تعتمد صندوق الاقتراع. ولقد جاءت الفتوى بعد صبر أبدته المرجعية وسعة صدر استنفدت فيه كل الوسائل السلمية لتحقيق المطالب العادلة، استمر قرابة ٦ أعوام. المرة الثالثة كانت عندما اجتاحت العراق موجة الفكر التضليلي المنحرف الذي مثله وقاده اليسار والذي استغل ظروف الحرية ليفرض أجنداته على العراقيين بشكل متعسف، وأحيانا بالقوة. واليوم اذ تلجأ المرجعية للفتوى بسبب: اولا: خطورة الموقف الذي يتعرض له العراق، والذي يحاول اعادة عقارب الزمن الى الوراء، وهو يهدد العملية السياسية برمتها للخطر. ثانيا: فشل السياسيين والمسؤولين، خاصة السيد رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، والذي يُمسك بالملف الأمني والمنظومة الأمنية بوزاراتها وتشكيلاتها ومؤسساتها وإعلامها بلا منازع، فشله الذريع في حماية العراقيين من القتل والذبح وخطر الإرهاب المحدق بالعراق، على الرغم من صرف مبلغ اكثر من (٢٤) مليار دولار على القوات المسلحة فقط. ثالثا: احساس المرجعية بعظم المؤامرة الخطيرة التي يتعرض لها العراق اليوم، والتي يُشم منها دورٌ للولايات المتحدة الأميركية فيها، ان لم يكن بالفعل فبالقوة. رابعا: الإسراع للوقوف بوجه احتمالات الانهيار والهزيمة النفسية التي قد يتعرض لها العراقيون جراء هول الصدمة والمفاجأة، خاصة في ظل حرب نفسية واسعة يقودها نظام القبيلة الفاسد الحاكم في منطقة الخليج وخاصة في الجزيرة العربية وقطر. خامسا. انها بعثت بعدة رسائل الى من يهمه الامر من دول الجوار والإقليم والمجتمع الدولي، مفادها انها موجودة ولن تدع لاحد ان يغيّر المعادلة بالضد من مصلحة الشعب العراقي، وهي على استعداد الى ان تذهب الى آخر المطاف اذا تطلّب الامر على ان ترى العراق وقد عاد الى المربع الاول تحكمه الديكتاتورية والطائفية والأقلّية التي همّشت الآخرين، مهما كان الثمن. لقد نجحت المرجعية، وبامتياز، في وقف الانهيار والحفاظ على المعنويات وتحشيد الشارع بما نضمن فيه النصر المؤزر باذن الله تعالى. انها غيّرت المعادلة وقلبت الموازين لصالح الوطن والمواطن، ولذلك فإذا كان للعراقيين ان يفتخروا فبالمرجعية وموقفها الصلب والشجاع، ولا يحق لاحد ابدا ان يركب الموجة ويتبجح بنصر او فتح. انها المرجعية، فحسب، التي تصدت للموقف الخطير، والمواطن الشهم الذي استجاب لها فغيّر المعادلة، ولو بقيت الامور بيد (طرزان) لانهار العراق وخسرنا كل شيء، لا سامح الله. ١٧ حزيران ٢٠١٤ للتواصل: E-mail: nhaidar@hotmail. com