حجم النص
بقلم:هادي جلو مرعي تعودنا الموت، كأننا نشتهيه ونتوسل حضوره ونحتفل به مثل عروس تترقب ليلة زفافها الأولى وتتحضر. يشتكي الناس من الدماء التي تصبغ الشوارع، وتحيل الأرصفة الى لوحات دموية وليست زيتية، ولايعرف أحد أي بيكاسو أبدع تلك اللوحة على رصيف ذلك الشارع، ولاأي جواد سليم نحت تلك البناية الجميلة بإزميله، وتركها معروضة للمارة مستخدما السواد في الغالب فهو اللون الأكثر إدهاشا من بين الألوان التي إعتادها طوال سني تألقه في الساحة المشهورة بالتحرير وسط بغداد المسكونة بالقلق من الجديد.هو ليس مستقبلا، بل وقتا لتمثيل الموت في لعبة إشتهاء لاتنتهي تأخذ الى ساحتها كل المولعين والمتفننين بنسج حكايات العذاب ليتلوها في جموع لم تعد تدرك مايجري، ولاتفهمه، ولاتعرف عنه شيئا.هو صعقة تنزل بسرعة فتحيل كل شئ الى ركام لاحياة فيه. ولايصلح لشئ. إيقاد الشموع في دكانة عباس المسكين ليس فرحا، فالجدران مصطبغة بالسواد سوى بعض الطابوق العتيق الموغل في الصفرة كأنه مملوء خوفا ورعبا وهلعا، وقد سكنته الهواجس بفعل التفجير المروع، أم عباس إمرأة معوقة عن الحركة لاتجيد سوى النظر الى الباب بإنتظار عودته في المساء مع أربع بطون غرثى، ولاتتوسل شيئا سوى سلامته التي لاضمان بدوامها وهذا ماحصل بالفعل لتكتمل منسوجة المأساة، قتل عباس وبقيت معاقة بينما إنفتح مستقبل الصغار على ملايين الأبواب وكلها مشرعة على بلاء وخوف وقلق وحاجة قد لايضمن أحد تحققها على يد أي أحد، فالناس في سباق للكسب ولاوقت لديهم ليلتفتوا الى بعض الصبية الميتمين في بلد يتوحش يوما بعد آخر، سينسى الناس إما لإنشغالهم بعذابات جديدة ودمار قادم، أو لأنهم إعتادوا اليتم والمآس، أو لأنهم يركضون كالوحوش لتحصيل المكاسب الدنيوية ولاوقت لديهم للفقراء والأيتام والمساكين، فعيال الله صار ينبذهم الجميع ولايرغب أحد برؤيتهم، ولايشتهي معرفتهم، أو التقرب إليهم لأنهم في حاجة، وهو ليس مستعدا لتلبيتها على أية حال. صديقي الذي مر معي على محال مدمرة في بغداد، قال لي، إن أحد المارة قال له، لاحظ إن من الضحايا من يعيل أسرة فقيرة، أو إن لديه مجموعة صغار، أو إنه تزوج للتو، أو إن أمه معاقة كعباس تركها نهبا للحزن والحاجة، وأردف موغلا في الجزع، الفقير (كلب إبن كلب) سألته، ولماذا هو بهذا الوصف، وكلنا ربما عشنا الفقر، أو مازلنا نكتوي بناره وبمستويات متفاوتة؟ قال، الفقير يكرهه أبناؤه لأنه لايوفر لهم الكرامة، ولايستطيع أن يشتري لهم مايحتاجونه من لباس وطعام يغنيهم عن النظر بحسرة لسواهم من أبناء الناس الموسرين، عشيرته تكرهه وأقرباؤه يأنفونه لأنه لايملك شيئا، وهو ليس من أهل الجاه، ولايستطيع المشاركة في الولائم الفاخرة، ولاالتباه بمايملك ولايغري بأن يتعرف عليه ذوي الجاه، ولايتمكن من إنجاز مسألة والكل ينفره.. تطاول صديقي كثيرا دون أن أوقفه عند حده. قال،الفقير يكرهه الله، ثم إبتسم عندما سألته، ولماذا يكرهه الله؟ قال،لأنه لايمل من رفع يديه الى السماء طالبا المعونة، بينما الأغنياء لايحتاجون الدعاء. فكرة خاطئة، ولكن الخطيئة، أن ندع المعذبين يصلون الى هذه الحال. [email protected]
أقرأ ايضاً
- لو بعث هشام بن الكلبي ماذا سيكتب عن مثالب العلمانية؟
- إبن العلقمي وأستقلال كردستان
- لماذا يعتبر محمد علاوي مناقشة أفكار إبن تيمية إنقاذ لبلدنا من الطائفية المدمرة للعراق ؟