حجم النص
بقلم :عباس عبد الرزاق الصباغ
سمة تتكرر في الكثير من وسائلنا الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية فضلا عن المواقع الالكترونية وبكافة توجهاتها وأجندتها ورؤاها واستراتيجياتها (إن كانت ثمة إستراتيجيات) وتنوع خطابها .. تتكرر لتستحيل الى ظاهرة ملفتة للنظر وملازمة لأي حدث "نوعي" أو بارز يستحوذ على اهتمام شرائح واسعة من الرأي العام ومن قطاعات شعبوية متنوعة وليس بعيدا عنها الأحداث الأمنية المأساوية التي تحدث بين آونة وأخرى... وتتمثل هذه السمة في التعاطي مع الحدث بما لا يحصى عددا من المقالات والتحليلات (بحسب نوع الحدث) والتنظيرات والجدالات السفسطائية والاستنتاجات والتهويمات والمبالغات والافتراضات والتحشيدات وبما لا يحصى عددا أيضا من البرامج والتصريحات واللقاءات والحوارات والتقارير والاستبيانات والتحقيقات والندوات وأخذ الآراء ابتداءً من النخب السياسية والأكاديمية وانتهاءً برجل الشارع البسيط تدور كلها حول الحدث مستندة على أهميته الخبرية وعلى محاوره ومفاصله المستنبطة من تداعياته بتغطية تبدو في أكثر الأحيان اكبر من حجمه ومستواه وقيمته الخبرية وفائدته السوقية وجدواه الإعلامية وقد ترتفع الخطوط البيانية للاهتمام إلى درجة الاستنفار والتحشيد والتجييش والتخوين والتجيير المفتعل وتحميل الخبر أكثر مما يستحق وتحريفه عن وجهته الحقيقية الى مسارات أخرى ليغدو خطابا متشنجا هو اقرب الى كلمة حق يراد بها الباطل .. وتأتي المعارك الإعلامية وحمى التصريحات وحتى "المناوشات" بين بعض الفرقاء السياسيين لتعطي زخما مضاعفا يضاف الى ذلك .
ويمكن ان نلاحظ ان الكثير من الوسائل الإعلامية تجير الكثير من برامجها وموادها الى غايات بعيدة كل البعد عن الفحوى الإعلامي المتوخى منها كأن تتحولَ الى وسيلة للقدح بالعملية السياسية والجرح بالديمقراطية ومنبرا للتهريج والطعن بالآخرين او المخالفين لنهجها السياسي.
إن أسبابا كثيرة تقف وراء هذه الظاهرة التي قد تبدو غريبة نوعا ما على مواصفات السلطة الرابعة ومقارباتها المهنية، منها استسهال العمل الإعلامي ومنه الصحفي في الساحة الثقافية العراقية ودخول الميدان الإعلامي من قبل من غير اصحاب الاختصاص او ذوي الخبرة بعد أن صار المجال مفتوحا أمام الجميع من دون ضوابط تقنن العمل في هذا المضمار أو قوانين تنظم آليات وميكانيكيات الإعلام والعاملين في مجاله وتضبط حرية التعبير من الانفلات البعيد عن روح الحضارة والرسالة الإعلامية وقريبا من الإساءة إلى الرأي العام والتعرض الى الآخرين وتسقيطهم وعدم استغلال أجواء الديمقراطية لأغراض سياسية كيدية أو شخصية أو فئوية مبيتة والتحلي بشرفية المهنة باعتبار الإعلامي والصحافي عضوا فاعلا وناشطا في كينونة السلطة الرابعة الحاضنة للرأي العام .
إعلامي وكاتب مستقل
[email protected]
أقرأ ايضاً
- سلطة المشرع في إصدار النص القانوني المقضي بعدم دستوريته مجدداً
- أزمة منصب رئيس السلطة التشريعية في بوصلة المرجعية
- شيءٌ عن الشرعيَّة المستقبليَّة للسلطة السياسيَّة