حجم النص
بقلم : باقر العراقي
سمعنا ليلة البارحة من احد قضاة النزاهة السابقين في لقاء تلفزيوني ، قضايا فساد متنوعة ومتعددة ، وذكر بأن للفساد (مافيات) كبيرة ،لا أحد يتجرأ بالبوح بها أمام المحاكم فظلا عن الاعلام ، وهذا الكلام يأخذنا بعيدا ليدخلنا في أمرين أحدهما الحق والثاني نقيضه ، فالجرأة على الحق تعتريها مخاوف من الله سبحانه صاحب الحق جل شأنه ومن يسير بهذا الطريق ، أما الباطل فالجرأة عليه مختلفة تماما ، يتضمنها خوف من الظالم صاحب الباطل نفسه ، وما سيتوالى على الجريء من مصائب ، جراء جرأته على قول الحق في وجه الباطل المتسلط ..
وللأسف لازال الكثيرون يستشهدون بالقول المأثور (( أفضل الجهاد عند الله كلمة حق عند سلطان جائر)) وهذا يدل على الظلم ..الجور والحاكم المتسلط ، بالرغم من الفترة الطويلة نسبيا التي تفصلنا عن زمن الديكتاتور ، والتفرد بالحكم ..تكميم الافواه ..سلب الحريات ..تجيير الاعلام ..تأجير الأقلام ..وغياب الرأي الاخر تماما ، ونحن على بعد 10 سنوات وعدة تجارب انتخابية ، الا أن الدولة العراقية لازالت تعاني ووفق النظام الديكتاتوري لا الديمقراطي ، لأن الديمقراطية تجعل الجميع يعيش في نفس البلد ، معارضين ومؤيدين للحكومة ، أما الآن فلا نرى ذلك على ارض الواقع ، فصورة الحكم المستبد والمعارض المظلوم هي الاقرب ( وفق ما يصرح به الكثير من السياسيين والموظفين الهاربين كبارا وصغارا ) ، لكن الغريب في الامر ان الكثير منهم هم من الحزب الحاكم ، بعد أن ادينوا بقضايا فساد مالي واداري ، لكن من انقذهم نفوذهم في الدولة وجنسياتهم المزدوجة ..
هناك نموذج آخر من الهاربين يدعون بأنهم لُبِسوا بقضايا وهمية ، ومنهم الكثير من القضاة الذين عملوا في هيئة النزاهة وكشفوا ملفات فساد مهولة وكبيرة ، (منها تهريب النفط وسرقته ، ابتداءا من ثقب الانابيب وقضية تغذية أفراد الجيش وأشباح الجيش ، وصفقة السلاح وكشف المتفجرات ..عقود وزارة الكهرباء الوهمية وتورط مسؤولين في هرم الدولة فيها .. عقود وزارة الصحة وقضية المفتش العام ،ووزارة التجارة ووزيرها المهرب وغيرها ) ، والكثير من هؤلاء بدلا من حمايتهم لأنهم دافعوا عن اموال الشعب وصرخوا بوجه الباطل ،اضطروا لمغادرة البلد خوفا على حياتهم ، أو خوفا من التهم الكيدية التي حيكت ضدهم بليل ، وتم تفصيلها عليهم كل حسب مقاسه .
اذن قضايا الفساد في الدولة العراقية مرتبطة بشكل أو بآخر بأشخاص متنفذين بالحكومة ، ولا يجرؤ أحد على توجيه التهم لهم مادامت الحكومة سالمة ، لأن مصيره سيكون ملف فساد وهمي متكامل ، وسرعان ما ينفذ القاء القبض عليه ، وعادة ما ينسى في غياهب السجون لا ناصر ولامعين ، فمن يتجرأ على نصرة الحق وزهق الباطل أذا كانت الدولة تعامل ابناءها بطريقة المافيات ؟، من يتجرأ على نصرة المظلوم ؟ من يتجرأ على قول الحق ؟ والأكيد أن المواطن هو من يستطيع ولا غيره أحد ، إن كان بطريقة مباشرة بالنزول الى الشارع كما فعلها المصريون ، أو بالطرق القانونية والشرعية كما في الانتخابات لاختيار الأفضل وإسقاط المفسد المتسلط ...