- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
العلامة الفضلي: لا نص على حرمة حلق اللحية
حجم النص
سامي جواد كاظم
غيب الموت عنا عالم فذ جهبذ قضى سنوات عمره بين التعلم والتعليم ولعله من بين الرجال الذين يشار اليهم بالجمع بين الدراسة الحوزوية والاكاديمية وكان للشيخ محمد رضا المظفر قدس سره الاثر البالغ في تحديد منهجية وسيرة العلامة الفضلي ، ولا يخفى عليكم فان الشيخ الفضلي عاصر اساطين المرجعية وفطاحل العلماء وله مسيرة حافلة بالعطاء ولانني تعلمت منه من خلال دروسه في الجامعة العالمية للعلوم الاسلامية في الدراسة بالانتساب فانني ارى فيه فكر متجدد يميل الى استحداث الافكار السليمة للعصر الذي يعيشه وفق منهجية الاسلام اتباعا لمنهج السيد محمد باقر الصدر شهيد ال الصدر .
ومن بين الامور التي بحثها وطرحها على الساحة الفكرية هي مسالة حرمة حلق اللحية وبالرغم من انه توصل الى نتيجة تتيح له حلق لحيته الا انه لم يفعل وزيادة في المعلومات اعرض عليكم اهم ما جاء في بحثه الموسوم الراي الفقهي في حلق اللحية .
هنالك قولين الحرمة والجواز والاشهر الحرمة ومن يقول بالجواز على كراهية السيد مهدي بحر العلوم (ت 1212ه)، السيد محمد باقر الداماد (ت 1041ه) ، واما السيد ابو القاسم الخوئي (ت 1413ه)،له رايا، اما فتوى فافتى بالاحتياط الوجوبي ،واستاذنا السيد محمد باقر الصدر (ت 1400ه)، رايا لا فتوى، كما سمعته منه (قدس سره)
واستدل القائلون بالحرمة بالكتاب والسنة وسيرة المتشرعة.
فمن القرآن الكريم استدلوا بقوله تعالى: (ولامرنهم فليغيرن خلق اللّه) [النساء/119] فالمراد من «خلق اللّه»، في الاية الكريمة، هو اللحية، اما على نحو الخصوص، واما على نحو العموم الشامل للحية.ان المراد بالتغيير هنا الحلق (حلق اللحية) ، ان ما يامر به الشيطان بقصد اضلال الانسان يكون محرما.فتكون النتيجة: حلق اللحية حرام.
والمناقشة لهذا الاستدلال يقول :ان المعاني التي ذكرت ل «خلق اللّه»، في الاية الكريمة، هي دين اللّه، ذهبوا في ذلك الى الاحتجاج بقوله: (فطرة اللّه التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللّه) ايلدين اللّه، والتبديل يقع موقعه التغيير وان كان التغيير اعم منه، ولفظ (لا تبديل لخلق اللّه) خبرومعناه النهي.
وقيل: تغيير خلق اللّه هو ان كل ما يوجده اللّه لفضيلة فاستعان به في رذيلة فقد غير خلقه،وقد دخل في عمومه ما جعله اللّه تعالى للانسان من شهوة الجماع ليكون سببا للتناسل علىوجه مخصوص، فاستعان به في السفاح واللواط، فذلك تغيير خلق اللّه، وتؤكده، ايضا، الروايتان اللتان رواهما العياشي في تفسير لبيان معنى الاية الكريمة، وهما:
عن محمد بن يونس، عن بعض اصحابه، عن ابي عبداللّه (ع) وعن جابر، عن ابي جعفر (ع)في قول اللّه: (ولامرنهم فليغيرن خلق اللّه) قال: امر اللّه بما امر به.
عن جابر، عن ابي جعفر (ع) في قول اللّه: (ولامرنهم فليغيرن خلق اللّه) قال: دين اللّه.
وهذا يسلمنا الى النتيجة الاتية: ان العبارة في الاية الكريمة، ان أريد بها دين اللّه اي تشريعاته واحكامه فهي لا علاقة لها بمسالتنا لان اللحية ليست من التشريعات ولا الاحكام.
مضافا الى ما حكاه الفيض (قده) في «تفسير الصافي» عن «الجمع» من تفسير تغيير الخلقبتغيير الدين الاسلامي، لان كل مولود يولد على فطرة الاسلام التي فطر اللّه عليها الناس،وانما الابوان يهودانه وينصرانه، وبعده ننتهي الى ان الاية لا دلالة فيها على حرمة حلق اللحية.
واستدلوا على حرمة حلق اللحية من السنة الشريفة بالاحاديث الاتية:
1- ما رواه الشيخ الصدوق في كتاب «من لا يحضره الفقيه»: قال رسول اللّه (ص): حفواالشوارب واعفوا اللحى، ولا تشبهوا باليهود»
2- وما رواه «قدس سره» في كتاب «معاني الاخبار» باسناده الى علي بن غراب، قال:حدثني خير الجعافرة، جعفر بن محمد، عن ابيه عن جده: قال: قال رسول اللّه (ص): حفواالشوارب واعفوا اللحى ولا تشبهوا بالمجوس»
وتناقش هاتان الروايتان سندا ودلالة.
فمن حيث السند: فالاولى مرسلة، والثانية في سندها موسى بن عمران النخعي، وهومجهول الحال.
ومن حيث الدلالة: فالنهي منصب على التشبه بغير المسلمين، وليس على نحو التشريعوبيان الحكم، اي لم يصدر هذا النهي من النبي (ص) بوصفه مبلغا، وانما صدر عنه (ص)بوصفه حاكما ورئيس الدولة، وذلك بقرينة ما جاء في «نهج البلاغة» عن الامام اميرالمؤمنين (ع) عندما سئل (ع) عن قول رسول اللّه (ص): غيرواالشيب ولا تشبهوا باليهود»، فقال (ع): انما قال (ص) ذلك والدين قل، فاما الان وقد اتسعنطاقه وضرب بجرانه فامرؤ وما اختار
فالحديثان بالاضافة الى كونهما لم يردا في مقام التشريع وبيان الحكم لم ينظرا الى حكم حلق اللحية، لانهما منصبان وبدافع سياسي الى النهي عن التشبه بغير المسلمين، لئلا يتاثرالمسلمون، وهم قلة وجديدو عهد بالاسلام، بغيرهم.
فالاحاديث المروية من طرق اصحابنا من ان النهي فيها مسلط على التشبه، ولانظر فيها الى حكم حلق اللحية، لانها ليست في مقام التشريع، وانما صدرت عن النبي (ص)بوصفه حاكما، اقوله هنا.
واخيرا: استدل اصحابنا الامامية بسيرة المتشرعة المتصلة بعصر الائمة (ع) حيث ان «البناءالعملي من المتدينين قديما وحديثا (قائم) على عدم الحلق، وهو كاشف عن ارتكازالحرمة»((78)) في اذهانهم.
ولانه قد تحرر وتقرر في علم اصول الفقه: «ان السيرة عندما تكون حجة فاقصى ما تقتضيه ان تدل على مشروعية الفعل وعدم حرمته في صورة السيرة على الفعل، او تدل على مشروعية الترك وعدم وجوب الفعل في صورة السيرة على الترك، و «ان السيرة بما هي سيرة لا يستكشف منها وجوب الفعل ولا استحبابه في سيرة الفعل، ولايستكشف منها حرمة الفعل ولا كراهته في سيرة الترك»
فلا دلالة فيها على الحرمة.
وفي ضوء ما تقدم نخلص الى النتيجة الاتية، وهي: ان القول بجوازحلق اللحية متوجه، لعدمنهوض دليل من الادلة التي ذكرت باثبات الحرمة اما لقصور في السند واما لقصور فيالدلالة.