- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
جدرية أبو حنظل تغيظ إبليس.. فيغوي .. دابته…..!!!
حجم النص
بقلم :حسن كاظم الفتال
قبل أن ابدأ بسرد قصة ( أبو حنظل ) و ( جدريته ) أود أن أدون مقولة أحد الكتاب حين يقول : ( أكثر الناس تزدهيهم الأماني ، ويعبث بعقولهم الإغراء ، فإذا هم صرعى الغرور ) .
لا أدري ما الذي أوصل أبا حنظل إلى ما وصل إليه رغم تواضع تحصيله الدراسي وعدم حيازته أي شهادة أكاديمية وافتقاره لأي مؤهل يعينه على قيادة أفراد مهما قل عددهم .
ربما قد حمل أبو حنظل مؤهلات معينة لكنها ليست كالمؤهلات التي يحملها الآخرون ممن حق لهم أن يتقدموا رتل مسيرة نحو التقدم والتطور فإن مؤهلاته من نوع آخر إذ هو تدرع بالمكر وحصن نفسه بالدهاء .
لم يتوقف عند محطة معينة ولا يتردد أو يتحاشى حتى ولو نسبت إليه صفات لا يرضى الآخرون أن يوصفوا بها إنما هو يتبجح ويفخر بذلك ولا يمل من التكرار بالتبجح والتشدق بل يعد ما يصنعه مورد ثقة بالنفس وكان بذلك التبرير يستحوذ على عقول البسطاء والضعفاء والمغفلين .
إذ أن أمثال أبي حنظل من أولئك الذين اكتسبوا خبرة وافية بأمور الدنيا والتعامل مع مغرياتها ولا يغيب عن أذهانهم في أن لا يخطو أحد منهم خطوة دون أن يحسبوا لها حسابا دقيقا لما يتبعها من خطوات .
لا يمكن أن تفلت منه أي فرصة دون أن يغتنمها اغتنام متلهف متعطش ولا يتردد عن استثمار أي ظرف وأي شيء يمكنه استثماره ولا يتحرج أبدا عن استجداء عطف الآخرين بالمكر والدهاء . وهذا ما سهل له عملية استقطاب عدد كبير من البلهاء والمساكين الذين لم يظفروا بصاحب (يلفيهم ) لذا تراهم لا يجدون أنفسهم إلا وسط الهرج والمرج والمعمعة وعند ذاك لا يروق لهم صفاء الأجواء ونقاؤها .
التف حول أبا حنظل عدد لا باس به من أمثال هؤلاء ليكونوا أعوانا يأتمرون بأمره ملبين له رغباته ، مما دفعه ذلك لأن يزداد عُجُبا بنفسه ومن ثم يزداد تماديا حتى أعانه ذلك على أن يتمرس بفن خداع الآخرين ولم يكتف بذلك بل تجرأ في تماديه ليخدع إبليس نفسه . وسنعرف كيف . !
التزام الصمت من قبل الآخرين وسكوتهم التام على الممارسات الخاطئة التي يمارسها أبو حنظل ومجاملاتهم بل ملقهم بالتغاضي عن تجاوزاته وبمساومات واضحة من ناحية واكتسابه للخبرة من خلال استخدامه للأساليب الملتوية دون ردع من احد من ناحية أخرى ومعاشرته للماكرين والمخادعين كل ذلك سهل له التوفر على مهارات متعددة . لتصبح عوامل محفزة تعينه على أن يكون صيادا ماهرا .
ذات يوم قرر أبو حنظل الخروج سرا إلى البادية في رحلة صيد خاصة دون أن يطلع أحدا على صيغ وأساليب تصيده وصيده .. لذا فقد ذهب إلى سوق النخاسة الذي هو سوق تباع به الدواب وطلب من نخاس مخضرم من تجار الدواب أن يجهز له دابة صبورة ،كتومة ،مطيعة هادئة لا ( تعنفص عليه ) مهما بلغ الأمر .
إذ أن مجرى ما تقدم من وصف لأبي حنظل أكسبه خبرة كبيرة بمعرفة أحوال الدواب والتعامل معها حين يستخدمها في قطع الأشواط المهمة والأسفار الخاصة لذا تعين عليه أن يتمحص ويتفحص الدابة التي يستخدمها في رحلاته السرية . فكم من دابة سارت بصاحبها إلى الهاوية .
وبما أن التاجر كان ممن يتقن عمله إتقانا تاما ويكمله بجهد كبير إذعانا وامتثالا لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله إذ يقول: ( رحم الله امرءا عمل عملا صالحا فأتقنه ) فقد اختار له دابة بالمواصفات المطلوبة أعجب بها غاية الإعجاب ثم أسرع بالذهاب إلى السوق للتزود بما يشتهي من متاع لرحلته ،
ومن أجل أن يفاجئ الآخرين بقدح زند ذكائه وإعلانا منه بنبوءته فقد اقتنى (جدرية ) ، وهي عبارة عن قدر مصنوع من الفافون يستخدم للطبخ يسميه العامة (جدرية )
ومثلما أن بعض الدهاة مع شدة مكرهم يفوتهم الكثير من الفرص أو تخونهم الذاكرات في إحكام قبضة المكر والدهاء على كل شيء فإن أبا حنظل هو الآخر فاته أمر معين إذ نسي أن يحمل متاعا لراحلته ذات المواصفات الجيدة ، فهو كثيرا ما يكون منشغلا بنفسه فحسب ولا يفكر إلا بمصلحته الخاصة .
وبدأ رحلته وما أن توسط الصحراء حتى بدأ المطر بالهطول بغزارة ، وليستعين بدهائه ما كان منه إلا أن يفكر بحيلة يحمي نفسه وثيابه الجديدة من البلل .
حتى توقف المطر وإذا به يصادف إبليس وثيابه قد ) نـﮔـعها )المطر . فنظر إبليس إليه ثم قال : ويحك يا أبا حنظل ألم تكن قبل قليل تسير تحت المطر ؟ فأجابه : نعم ! قال إبليس : إذن ما لي لا أرى لماء المطر أي أثر عليك ؟ فراح مباغتا ومراوغا بإخراج ( الجدرية ) .! قائلا : هنا يكمن سر عدم بللي .
وبما أن الطقس كانت علاماته تنبئ بهطول مطر غزير مرتقب بعد قليل حاول إبليس إقناع أبي حنظل وشراء الجدرية منه . وما أن إفترقا حتى عاود المطر بالنـزول وقرر إبليس أن يستخدم الجدرية لكنه توقف فجأة ليأسف على غبائه ويتساءل كيف فاته أن يسأل أبا حنظل عن كيفية إستخدامها ؟ .فبينما هو يفكر أيضا (نـﮔـعه) المطر فراح تارة يمسكها بيده وأخرى يضعها على رأسه ولم تجدِ محاولاته نفعا . فعاد مسرعا إلى أبي حنظل وصرخ به غاضبا : أتخدعني يا أبا حنظل ؟ فقال أبو حنظل إنك لم تطلب مني لأخبرك عن كيفية استخدامها .فأنني ساعة شعوري بهطول المطر خلعت ملابسي ووضعتها داخل الجدرية وغطيتها وبقيت عاريا حتى توقف المطر ثم ارتديتها ثانية .
فقال له إبليس : سألقنك درسا لن تنساه أبدا. ! فقال أبو حنظل وكيف ذلك ؟ فقال إبليس هكذا واقترب من دابته وقد أنهكها الجوع والعطش وأزعجتها ألاعيب ومكر أبي حنظل ، فهمس في أذنها موسوسا وإذا بالدابة تقفز قفزة لم يستطع أبو حنظل أن يستقر على ظهرها فأسقطته على الأرض وراحت ترفس في بطنه (لتطلع القضة والمضة ) وهو يصرخ ويستغيث وما من مغيث ،ويصيح التوبة ..التوبة .
فمضت الدابة برفقة إبليس وتركا أبا حنظل يرافس وهما يناديانه …باي باي … أبو حنظل