- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
لمحات من السيرة العطرة لفاطمة الزهراء(ع) / الجزء الحادي عشر
حجم النص
بقلم : عبود مزهر الكرخي
والآن لندخل مرحلة مهمة من التاريخ الإسلامي وهي مابعد وفاة الرسول الأعظم محمد(ص)والتي تعتبر أحدى المفاصل الرئيسية والتي فيها تفرق الإسلام وأصبح حالنا على ماهو عليه إذ نجد أن هذه الفترة وكما ذكرت سابقاً قد اعتراها الكثير من الغموض والتحريف بسبب عدم التدوين وعدم وجود المصادر التي تتحدث عن هذه الحقبة والتي حرم فيها ذكر الحديث والتدوين وعدم نقل الأحاديث النبوية الشريفة وبأمر من الخليفة الأول أبو بكر والثاني عمر في محاولة لطمس السنة النبوية وإلى معاقبة كل من ينقل الأحاديث والسيرة النبوية وهذا ماحدث مع الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري(رض) والصحابية أم أيمن حيث نفوا من المدينة والكثير منهم من أمثال عمار بن ياسر وأبن مسعود وغيرهم الكثير وفي تحدي واضح لأوامر الرسول وحتى القرآن لأن هذا مخالف لما أمر به الله سبحانه وتعالى عندما قال في محكم كتابه {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.(1)
كما أنه مخالفة صريحة لأوامر الرسول(ص) حيث أكد على تدوين السيرة وما يفعله ويقوله ولنأتي وبالمصادر حول هذه القضية:
الرواية الأولى : قال عبد الله بن عمرو بن العاص ، وأبوه من أركان دولة الخلافة ( كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله ، أريد حفظه ، فنهتني قريش ! ! وقالوا : تكتب كل شئ سمعته من رسول الله ، ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا ؟ فأمسكت عن الكتابة ، فذكرت ذلك لرسول الله ، فأومأ الرسول إلى فمه وقال : أكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق ). (2)
وهذه الرواية الصحيحة تكشف لنا بوضوح أسباب إنكارهم بأن الرسول قد أمر بكتابة السنة ، وأسباب منعهم لكتابة ورواية سنة الرسول ، ومن هم الذين كانوا يقفون وراء ذلك ، فالسنة النبوية ، كشفت أعداء الله ورسوله ووصفتهم وصفا دقيقا لا يخفى على عاقل ورتبت نظام الحكم لعصر ما بعد النبوة ترتيبا دقيقا ،.وبينت من هم الأئمة الذين سيقودون الأمة من بعد وفاة النبي ، هذه الأمور التي بينتها السنة النبوية لم تعجب زعامة بطون قريش التي كانت تطمع بالاستيلاء على ملك النبوة ، لذلك كانت تشكك بالرسول وبكل ما يصدر عن الرسول ، وتشيع بأن كافة ما ورد في السنة من أمور الدنيا ، مجرد اجتهادات شخصية من الرسول كبشر ، أملاها عليه غضبه من قوم ، أو رضاه على آخرين !! لذلك كانت تقاوم كتابة سنة الرسول وتدوينها، وتنشر الشائعات الكاذبة ضد الرسول وسنته والرسول على قيد الحياة! !.(3)
كما نلاحظ من خلال النص المقتبس وكتعليق على ذلك كما تبين عن نظرة قريش إلى النبي وهي نفس النظرة الوهابية والتي تعتبر الرسول الأعظم بشر وليس نبي معصوم مرسل من قبل الله سبحانه وتعالى برسالة عظيمة وهاهو التاريخ يعيد حيث نلاحظ أن الوهابية أحفاد أولئك الذين يدعون أنهم صحابة رسول الله ولايجوز المس بهم وتكفير كل من يتعرض إليهم وهاهو التاريخ يعيد نفسه ونلاحظ أن الوهابية والقاعدة اليوم هم أحفاد أولئك وأجدادهم هم ذلكم الذين يحملون نفس تفكير وهابية اليوم.
الرواية الثانية: روى الترمذي : ( أن رجلا من الأنصار كان يجلس إلى النبي فيسمع من الحديث فيعجبه ولا يحفظه فشكا ذلك إلى النبي فقال له الرسول : استعن بيمينك وأومأ بيده أي خط ).(4)
الرواية الثالثة : عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : ( قلت يا رسول الله : أكتب كل ما أسمع منك ؟ قال الرسول : نعم ، قال : قلت : في الرضا والغضب ؟ قال الرسول : نعم ، فإني لا أقول في ذلك كله إلا حقا ) ، وفي رواية أخرى ( إني أسمع منك أشياء أفأكتبها ؟ قال الرسول نعم ).(5)
الرواية الرابعة: قال عبد الله بن عمرو قال رسول الله : ( قيدوا العلم ، قلت وما تقييده ؟ قال الكتابة ) قال أنس : قيدوا العلم بالكتابة رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح وقال أنس : ( شكا رجل إلى النبي سوء الحفظ فقال النبي استعن بيمينك ، وروى أبو هريرة مثل ذلك ).(6)
الرواية الخامسة: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : ( قلت يا رسول الله إنا نسمع منك أحديثا لا نحفظها أفلا نكتبها ؟ قال : بلى فاكتبوها ).(7)
الرواية السادسة: إن الخليفة أبا بكر نفسه كتب بيده خمسمائة حديث أثناء حياة الرسول ، وانتقل الرسول إلى جوار ربه وهذه الأحاديث مكتوبة عنده.(8)
ومن هذه الروايات نعرف أنهم خالفوا أوامر الله وسنة رسوله بعدم كتابة الأحاديث والسنة والتي كانت لغاية مقصودة في منعها في سبيل تركيز دعائم الحكم لهم وإقصاء الأمام أمير المؤمنين من حقه الشرعي في الخلافة وانه وصي رسول رب العالمين والذين ابتدعوا هذا الأمر والذي لم ياتي به احدٌ من الأولين ولا الآخرين وهم الذين يرددون حديث رسول الله(ص) ((كل بدعة ضلالة وكل ضلالة إلى النار)) ونسال ونقول ك اليست هذه بدعة ؟ وكل من عملها هو في النار وحسب قولهم!!! ننتظر ذلك من العدل الآلهي فيمن يحكم وهنالك يخسر المبطلون.
بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) :
وتوفى النبي(ص) وغيب الثرى جسده الشريف وبدأت المصائب والأحزان تتوالى على أهل بيت النبوة.
تقول فضة(خادمة الزهراء عليها السلام): جلست سبعة أيام لا يهدأ لها أنين ولا يسكن منها الحنين كل يوم كان بكاؤها أكثر من اليوم الأول فلما كان اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن فلم تطق صبراً إذ خرجت وصرخت،فكأنها من فم رسول الله(ص)تنطق،فتبادرت النساء إليها وضج الناس بالبكاء والعويل.
وثم أقبلت تعثر في أذيالها وهي لا تبصر من عبرتها ومن تواتر دمعتها وجاءت من بعد ذلك على قبره وشمت ترابه ودام نحيبها وبكائها إلى أن أغمي عليها وأنشدت هذه الأبيات التالية بعد أن أخذت حفنة من ترابه وشمته :
ماذا على المشتم تربةُ أحمد****أن لا يشتم مدى الزمان غواليا
قل للمغيب تحت أطباق الثرى****أن كنت تسمع صرختي وندائيا
صبت عليَّ مصائب لو أنها****صبت على الأيام صرن لياليا
قد كنت ذات حمىً بظل محمدٍ****لا أخشى من ضيمِ وكان حمىً ليا
فاليوم أخضع للذليل وأَتقي****ضيمي وأدفع ظالمي بردائيا
فإذا بكت قمريةٌ في ليليها****شجناً على غصنِ بكيت صباحيا
فلأجعلنَّ الحزن بعدكَ مؤنسي****ولأجعلنَّ الدمع فيك وشاحيا
وصدقت بضعة نبينا المختار(ص) فيما أنشدته من الشعر وتتوالى الأحداث متسارعة وفيها من العجب والعجاب والذي سوف نرويه لكم.
ـ حيث جاءت(الردة)والتي شملت غالبية المسلمين وبصرف الخلافة عن صاحبها الشرعي والذي أكد الرسول(ص)على خلافته ووصايته له وولايته..ذلك هو علي بن أبي طالب.
ـ ومنازعة فاطمة في حقها في (فدك).
ـ ونقُص لكم قيادة علي(ع)بعمامته إلى الجامع ليبايع أبا بكر.
ـ ونتحدث عن أضرام النار على دار فاطمة.
وكل هذه الأحداث وأنت مذهول من كل ما يجري وهل أنت في حلم أم حقيقة.
ألم يسمعوا قول رسول الله(ص) : ((فاطمة بضعة منّي،من أذاها فقد إذاني،ومن إذاني فقد آذى الله))،وقوله ((إن الله يرضى لرضى فاطمة ويغضب لغضبها؟!))ونزلت فيها وفي بعلها وولديها أية التطهير والمباهلة إلى آيات الأبرار،إلى آية المودة في القربى؟1فهل بعد هذه الكثرة من النصوص والآيات التي أوردنا في فضل فاطمة وبعلها وبنوها أن يحق لهم الاجتهاد،وما هي إلا أيام حتى بدأ غصب حقها وحق أهل بيتها وهي التي رفعت لواء المعارضة وكانت معارضتها ليست اندفاعا وراء العاطفة وإنما كانت تشهد بالحق وترى الحق يسحق بالأقدام ولكن بذلت كل جهدها لمناصرة الحق وإعلانه على الملأ.
فهذا عباس محمود العقاد يقول في الزهراء(ع) حيث يذكر:
تكونت شخصيتها من خيوط نيرة لنبينا الأكرم محمد(ص)،وعلياء خديجة لحمتها..وحيك شرف عليّ(ع)الخيوط وأكسبها رونقاً بهاءً فجاءت زاهية وعظيمة.
ومن مثل فاطمة من شرف وموئل وحسب كلها اجتمعت في أبيها العظيم وأمها الزاكية وزوجها الطاهر وأبنائها الميامين والتي لم تجتمع لأي من البشر أجمعين وحسبها أبيها رسول الله الأكرم(ص) بأن ليس سيدة العالمين فحسب بل سيدة نساء أهل الجنة .
عند ذلك القلم يجف!..واللسان يكل!.. والعين تبهر!..وكل الرؤوس تخضع أجلالاً!..(9)
ونصب أبو بكر للخلافة وبقولهم بإجماع المسلمين وهذا غير صحيح إذ أن الخلافة يجب أن تكون امتداد للنبوة وتكون بنص من الله سبحانه وتعالى إذ لا مجال لاختيار الأمة في تعيين الخليفة بل من الله سبحانه وتعالى كما في موسى وهارون وحتى موسى لن يختاره بل طلب من الله والله أختاره،وأن مسألة الإجماع في المسلمين حيث خالف الأنصار وبنو هاشم وعمار وسلمان والمقداد وأبو ذر وكثير من الصحابة.ومهما يكن فإن أمر الخلافة قد حسم وتسنم المنصب أبو بكر وتم تنحية صاحب الحق الشرعي أمير المؤمنين(ع) عنها بالرغم أن عامة المهاجرين وجل الأنصار كانوا لا يشكون أنه صاحب الأمر بعد رسول الله(ص).
وهذا ما كان في بيعة الغدير وتبليغ الرسول محمد(ص) لأمر الله سبحانه بتنصيب الوصي علي أمير للمؤمنين والذي كان مخالفة صريحة لله تبارك وتعالى ورسوله جملة وتفصيلا.
ولعل أهم الأسباب التي دفعت المسلمين إلى هذا الأمر الشنيع هو :
1 ـ كراهة اجتماع النبوة والإمامة في بني هاشم فيبجحون قومهم بجحاً بجحاً،وهذا ما نوهنا عنه في مقالات سابقة والذي قاله عمر إلى أبن عباس لهو أكبر دليل على ذلك.
2 – صغر الإمام علي(ع).
3 ـ حسد العرب عامة وقريش خاصة إياه،وتمالئهم عليه أي كرههم له لقتله ساداتهم وفرسانهم في سبيل الإسلام فبقيت نعرة الجاهلية الأولى لديهم ولم يخلصهم منها.
4 ـ أن علياً سيحملهم إذا ولي الأمر على المحجة البيضاء وأن كرهوا ـ والحق مر في الأذواق ـ وهذا ما صرح به عمر نفسه.
وعندما أستقر الأمر لأبي بكر فلا بد من أخذ البيعة من الجميع وهذا شيء طبيعي في أمر كل ثورة أو انقلاب.فماذا يصنعون وقد أمتنع علي(ع)عن البيعة !أيهددونه وهو ذلك البطل الشجاع الذي جندل صناديدهم وقتل شجعانهم؟!أم يراوغونه وهو ذلك البصير بكل الأمور.ولكن لا بد من أخذ البيعة منه لكي تستب الأمور إليهم وماذا سيكون موقف الزهراء (ع)إذا حاولوا حمله على البيعة قسراً؟!وبالصحيح ماذا سيكون موقفهم إذا دافعت الزهراء عن زوجها وأبن عمها؟!هل سيتغافلون عن كل ذلك،أم ماذا؟!
استعصى هذا الأمر على قادة الثورة وراحوا يفكرون فيه زمناً طويلاً..أما علي(ع) فقد ركن إلى زاوية من البيت يجمع القرآن من الرقاع واللخاف والعسب،ومما في صدره..وانقطع اتصاله بالعالم الخارجي،بعد أن عرف انصراف الناس عنه،وكما قال أبنه الحسين(ع) : ((الناس عبيد الدنيا ..)) ولكن طال الزمن..وفي حالة عدم أخذ البيعة سيكون هناك مجال للنقد ومتسع للاعتراض.
وهنا لابد من الوقوف عند هذه النقطة لكي نعرف كيف كانت تحاك المؤامرات من قبل أبي بكر وعمر والمتحالفين معه ولنأتي إلى هذه الحادثة التالية.
و الحديث مصدره من كتاب تفسير البرهان في سورة الروم + تفسير القمي ج2 لسورة الروم
فرجع أبو بكر إلى منزله وبعث إلى عمر فدعاه ثم قال: أما رأيت مجلس علي منا اليوم، والله لان قعد مقعدا مثله ليفسدن أمرنا فما الرأي؟ قال عمر الرأي أن تأمر بقتله، قال فمن يقتله؟ قال خالد بن الوليد فبعثا إلى خالد فأتاهما فقالا نريد أن نحملك على أمر عظيم، قال حملاني ما شئتما ولو قتل علي بن أبي طالب، قالا فهو ذاك، فقال خالد متى أقتله؟ قال أبو بكر إذا حضر المسجد فقم بجنبه في الصلاة فإذا أنا سلمت فقم إليه فاضرب عنقه، قال نعم فسمعت أسماء بنت عميس ذلك وكانت تحت أبي بكر فقالت لجاريتها اذهبي إلى منزل علي وفاطمة فاقرئيهما السلام وقولي لعلي إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج أني لك من الناصحين فجاءت الجارية إليهما فقالت لعلي عليه السلام ان أسماء بنت عميس تقرأ عليكما السلام وتقول ان الملا يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج أنى لك من الناصحين، فقال علي (ع) قولى لها إن الله يحيل بينهم وبين ما يريدون.
ثم قام وتهيأ للصلاة وحضر المسجد ووقف خلف أبى بكر وصلى لنفسه وخالد بن الوليد إلى جنبه ومعه السيف فلما جلس أبو بكر في التشهد ندم على ما قال وخاف الفتنة وشدة على وبأسه فلم يزل متفكرا لا يجسر إن يسلم حتى ظن الناس انه قد سها، ثم التفت إلى خالد فقال يا خالد لا تفعل ما أمرتك به السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا خالد ما الذي أمرك به؟ قال أمرني بضرب عنقك، قال وكنت تفعل؟ قال إي والله لولا انه قال لي لا تفعل لقتلتك بعد التسليم، قام فأخذه علي (ع) فضرب به الأرض واجتمع الناس عليه فقال عمر يقتله ورب الكعبة فقال الناس يا أبا الحسن الله الله بحق صاحب هذا القبر فخلى عنه، قال فالتفت إلى عمر وأخذ بتلابيبه وقال يابن الصهاك لولا عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وكتاب من الله سبق لعلمت أينا اضعف ناصرا واقل عددا ثم دخل منزله.
ولنناقش هذه النقطة في إن الرسول (ص) قد اخبر الأمام علي(ع) وابنته فاطمة(ع) بكل ما سوف ما يجري عليهم من أمور بعد وفاته من اغتصاب للخلافة وسلب حق فاطمة في فدك ومظلوميتها وكسر ضلعها وإنها أول اللاحقين بأبيها بدليل ما قاله أمير المؤمنين لعمر والتي أخبرها النبي(ص) للأمام علي(ع) والتي اخبره بها جبرائيل بما سيحدث لأهل بيته بعد وفاته والتي توجد الكثير من الكتب تؤكد ذلك والتي تصل إلى (125) وصية يوصي بها الرسول الأعظم وصيه وأخيه الأمام علي(ع) وكلما يقول الرسول(ص) وصية يقول الأمام (أصبر)لأنه وعده بالمنزلة العالية عند الله سبحانه وتعالى نتيجة صبره هنا القصد واضح بأنهم يريدون قتله و هذا مصدق لقوله عليه السلام مَا لَقِيَ أَهْلُ بَيْتِ نَبِيٍّ مِنْ أُمَّتِهِ مَا لَقِينَا بَعْدَ نَبِيِّنَا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه).(10)
من هنا نسنتج أذن هو الملك الذين كانوا يطمحون اليه وليس تثبيت اركان الدولة الإسلامية والتي بهذه الأمور التي تم ترتيبها وإقصاء أمير المؤمنين عن الخلافة أنما كان مطامع الكرسي والمطامع الدنيوية والتي كان يبذلان جهدهما في ذلك وهذا وماصرح به الأمام علي لعمر عندما قال له(أحلب حلبا لك شطره ، والله ما حرصك على إمارته اليوم إلا ليؤثرك غدا).(11)
وان مؤتمر السقيفة هو المؤتمر الانقلابي على كل قيم الإسلام وما أمر به الله ورسوله وهو يمثل حلقة مهمة من حلقات التخلف وعدم إطاعة أوامر الله ورسوله منذ التخلف عن جيش أسامة ورزية الخميس وماتلاها من حلقات وتآمر وغدر وحتى أن عمر قال مقولته الشهيرة (كانت بيعة أبي بكر فلتة وقي الله شرها) لكي تبين ماهية المؤامرة التي كانت تحاك والتي اخبر نبينا الأكرم محمد(ص) وصيه وأخيه الأمام علي(ع) بكل هذه الأمور لأن جبرائيل أخبره بكل ما تجري من أمور بعد وفاته وهو أمر رباني لكي ينال فيها الأمام وأهل بيته الدرجات العليا عند رب العالمين وان تكون لهم الدار الآخرة هي خير عقبى مصداقاً لقول الله تبارك وتعالى في محكم كتابه {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}.(12)
ولنأتي على حادثة مهمة من كتاب للسيد جعفر مرتضى العاملي تؤكد وتعطي الدليل القاطع على ماذهبنا إليه وهي :
رابع الخلفاء كيف؟ ولماذا؟!:
عن علي (عليه السلام) قال: بينما إنا أمشي مع النبي (صلى الله عليه وآله) في بعض طرقات المدينة، إذ لقينا شيخ طوال، كث اللحية، بعيد ما بين المنكبين، فسلم على النبي (صلى الله عليه وآله)، ورحب به. ثم التفت إلي، فقال: السلام عليك يا رابع الخلفاء ورحمة الله وبركاته: أليس كذلك هو يا رسول الله؟!
فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): بلى.
ثم مضى، فقلت: يا رسول الله، ما هذا الذي قال لي هذا الشيخ، وتصديقك له؟!
قال: أنت كذلك والحمد لله، إن الله عز وجل قال في كتابه: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}(13)، والخليفة المجعول فيها آدم (عليه السلام).
وقال: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ}(14)، فهو الثاني.
وقال عز وجل حكاية عن موسى حين قال لهارون (عليهما السلام): {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ}(15)، فهو هارون إذ استخلفه موسى (عليه السلام) في قومه، فهو الثالث.
وقال الله عز وجل: {وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الْأَكْبَرِ}(16)، فكنت أنت المبلغ عن الله وعن رسوله، وأنت وصيي، ووزيري، وقاضي ديني، والمؤدى عني، وأنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، فأنت رابع الخلفاء كما سلم عليك الشيخ، أولا تدري من هو؟!
قلت: لا.
قال: ذاك أخوك الخضر (عليه السلام)، فاعلم.(17)
إن هذه الرواية تشير إلى العديد من الأمور, نذكر منها:
1 ـ إن الخضر (عليه السلام) وإن كان قد تحدث عن الأنبياء والخلفاء من السابقين. ولكنه فيما يبدو قد استخدم التورية، فأشار إلى ما يأتي. وأشار إلى ما سبق في آن واحد، ليدل على أنه يعلم أن علياً سيكون الخليفة الرابع في اللاحق، كما هو علي في السابق.
ولكن شتان بين أن آدم وداود وهارون، وعلي (عليه السلام) رابعهم. فإنهم أنبياء جعل الله الخلافة لله كما جعلها له.
وبين أبي بكر وعمر وعثمان، فإنهم قد تغلبوا (صلى الله عليه وآله)أخذوا ما ليس لهم بحق رغم كل هذه التأكيدات من الله ورسوله على أنه لا يحق لأحد سوى علي (عليه السلام) أن يتصدى لهذا الأمر.
2 ـ إن هذا الإلماح قد أريد به تعريف الناس: بأن الأمور سوف تجري على خلاف ما يرضي الله تبارك وتعالى, وأن ثمة من يسعى لنقض تدبير رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته.
3 ـ إن الخضر قد استشهد برسول الله على صحة ما يخبر به, ليفيد: أن النبي (صلى الله عليه وآله) حين يؤكد هذا الخبر, فإنه يدل على أن خلافة علي (عليه السلام) أمر إلهي، كخلافة آدم وداود وهارون، وليس لأحد أن يختار أو أن يرد على الله، ولأجل ذلك لا بد أن يستمر (صلى الله عليه وآله) في التأكيد على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعده, وأن يأخذ البيعة له من الناس في غدير خم. رضي الناس أم غضبوا، فإن الأمر لله يضعه حيث يشاء.. والنبي (صلى الله عليه وآله) لا يفعل المتناقضات, وليس غافلاً عما يدبر في الخفاء, ولكنه مكلف بأن يقيم الحجة على الناس.وأن يعرفهم: أنهم يخالفون أمر الله إن لم يرضوا بعلي (عليه السلام). وأنهم إن زعموا رضا الله ورسوله بسوى ذلك, فإنما يخدعون بذلك الناس, وأنفسهم.
4 ـ إن علياً (عليه السلام) بدوره لم يسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ذلك الشيخ من هو؟! بل سأل عن الذي قاله الشيخ له.لكي يصرح رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالتأكيد على قوله مرة أخرى.لأنه يعلم أن ما يقوله رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ وهو الصادق الأمين ـ في جواب ذلك الشيخ هو المطلوب من الناس أن يسمعوه وأن يعوه.وأن يعرفوه حتى لا يتلاعب به المتلاعبون وأصحاب الطموحات..
5 ـ إنه (صلى الله عليه وآله) قد أكد في جوابه لعلي (عليه السلام) من خلال استشهاده بأربع آيات قرآنية على أن علياً (عليه السلام) رابع الخلفاء، وأنه كأولئك الأنبياء، واغتصاب هذا الأمر منه لا ينقص من مقامه، ولا يبطل خلافته ولا يسقطها، وأن سعي أولئك الناس في إبطال خلافته (عليه السلام) لن يؤتي ثماره التي منه.. بل قد يستفاد منه الإشارة ولو بنحو من الخفاء إلى أن علياً سيصل إلى ذلك الأمر الذي يجهدون في طمسه، بعد أن يتولى الأمر ثلاثة منهم.
6 ـ ومن الواضح: أن تولي ثلاثة منهم الخلافة قبل علي (عليه السلام) سوف يجعل الناس يتيقنون بعدم وصوله (عليه السلام) إلى هذا الأمر, ولاسيما حين يتولى ثالثهم,الذي يقوم معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع, ومعهم سياساتهم الهادفة إلى إهمال ذكره (عليه السلام), والحيلولة بينه وبين الخلافة، فإن ذلك سيزيد من يقين من الناس باستحالة وصوله (عليه السلام) إلى هذا الأمر.
7 ـ يلاحظ: أن الآيات الأربع عن آدم وداود وهارون، وعن إبلاغ علي (عليه السلام) يوم الحج الأكبر، قد تضمنت الحديث عن خصوص الخلافة الفعلية في الناس. والهيمنة على قرارهم، ولم تتحدث عن خصوص معنى الإمامة، بصورة تجريدية، وفكرية، وإيمانية بحتة..كما أن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): وأنت وصيي ووزيري إلخ.. قد أشار إلى هذه الخلافة العملية التي تتصرف في الشؤون، وتدير وتدبر الأمور بصورة فعلية أيضاً.
8 ـ إنه (صلى الله عليه وآله) أخبر علياً (عليه السلام) بأن الذي تكلم بذلك هو الخضر، فالكلام قد صدر من نبي، وليس من إنسان عادي، قد يخطئ أو يقصر في بيان مراميه. ولا يتكلم الأنبياء إلا بوحي من الله.. وذلك يعني: أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أمر الخضر (عليه السلام) بأن يأتي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ويقول ذلك. وعلى الناس أن يأخذوا ذلك بجدية تامة.. فإن الله تعالى لم يفعل ذلك عبثاً، ولا كان ذلك مجرد مداعبة من الخضر (عليه السلام).
9 ـ ثم إنه (صلى الله عليه وآله) لم يقل لعلي (عليه السلام) أنه الخضر، بل قال: إنه أخوك الخضر، وهذا معناه: أن أخوة علي للأنبياء لم تكن لدواع شخصية، وإنما هي أهلية اختص الله تعالى بها علياً (عليه السلام).
ولطول البحث نستكمل في جزئنا القادم أن شاء الله وان كان لنا في العمر بقية الأمور لكي نحيط بهذه الفترة المهمة لكي نحيط كل ماحاطها من غموض وتعتيم وملابسات والتي نأمل من الله إن نميط اللثام عن الكثير من هذه الأمور الغامضة.(18)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1 ـ [الحشر : 7].
2 ـ سنن أبي داود ج 2 ص 126 ، وسنن الدارمي ج 1 ص 125 ، ومسند أحمد ج 2 ص 162 و 207 و 216 ، ومستدرك الحاكم ج 1 ص 105 و 106 ، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج 1 ص 85 ، وكتابنا المواجهة ص 254 . ( * )
3 ـ أين سنة الرسول وماذا فعلوا بها ؟ المستبصر المحامي : أحمد حسين يعقوب ص 36
4 ـ سنن الترمذي كتاب العلم باب ما جاء في الرخصة ج 10 ص 134 .
5 ـ مسند أحمد ج 2 ص 207 .
6 ـ مجمع الزوائد ج 1 ص 150 باب كتابة العلم ، وراجع تدوين القرآن للشيخ علي الكوراني ص 378 .
7 ـ مسند أحمد ج 2 ص 215 . ( * )
8 ـ راجع تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 5 ، وكنز العمال للمتقي الهندي ج 10 ص 285.
ومن يريد الأطلاع فليراجع أين سنة الرسول وماذا فعلوا بها ؟ المستبصر المحامي : أحمد حسين يعقوب ص 35 ، 36 ، 37.
9 ـ فاطمة الزهراء والفاطميون عباس محمود العقاد.
10 ـ من كتاب الإحتجاج ج 1تأليف أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي من علماء القرن السادس
11 ـ البلاذري : 1/587 و شرح نهج البلاغة ، أبن أبي الحديد الشافعي : 6 / 11 ، مصر 1959 ه .
12 ـ [القصص: 5].
13- [البقرة: 30]..
14- [سورة ص:26].
15- [سورة الأعراف: 142].
16- [التوبة: 3].
17- عيون أخبار الرضا ج2 ص9 رقم الحديث 23 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج1 ص12 وبحار الأنوار ج36 ص417 ومدينة المعاجز ج2 ص419 ومسند الإمام الرضا للعطاردي ج1 ص127 وتفسير نور الثقلين ج1 ص48 وينابيع المودة ج3 ص402 و 403 وغاية المرام ج2 ص78 وج4 ص82 وعن العوالم ص309 .
18 ـ كتاب الصحيح من سيرة الأمام علي(ع) السيد جعفر مرتضى العاملي ص90 ـ ص
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول