- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
البحث العلمي ضرورة للأمن الوطني..
استرسل الباحث – الذي حضرتُ مناقشة رسالة الماجستير التي أنجزها- في الكلام عن الصعوبات والمعوقات التي واجهته أثناء إعداده البحث ابتداء من المبالغ الباهظة التي تطالبه به هيئة التخطيط مقابل خريطة للمنطقة التي يعمل بها، إلى استعماله أدوات غير مخصصة للأعمال البحثية كـ (البلايس) إلى اضطراره لشراء بنزين للمولدة لتشغيل المجهر والمراوح إلى شرائه محاليل تصل سعر القنينة الواحدة إلى 200 دولار على حسابه الخاص وغير ذلك الكثير...
وهذا وغيره الكثير يدلل على مدى الإهمال الخطير الذي يعاني منه العمل البحثي في البلد، وعندما نصف هذا الأهمال بـ "الخطير" فنحن نعني ما نقول، فشتان ما بين أن يهمل الشخص صنبورا يقطر ماء، وبين أن يهمل سلكاً كهربائياً يمكن أن يقتل أحد.
تكمن الخطورة بإن البحث العلمي ما زال يُعدّ في بلداننا ترفا أو برستيجا اجتماعيا أو وسيلة لإجل التعيين الحكومي، في الوقت ذاته نجد البحث العلمي قد تطور في البلدان الغربية ليصبح ضرورة للـ "أمن قومي"!.
فالأمن القومي بصورة عامة مفهوم فضفاض وواسع له جوانب عديدة، كالأمن العسكري، الأمن الغذائي، الأمن المائي، الأمن المعلوماتي، الأمن الصحي، الأمن البيئي، الأمن البحثي..
ودائماً ما يحظى الأمن العسكري بأولوية الاهتمام في بلداننا، حيث يُعد تحقيقه الخطوة الأولى في القضاء على الإرهاب وتحقيق الأمن الوطني، ولكن ماذا عن بقية الجوانب الأمنية، مثلاً: ماذا لو طور الإرهابيون فيروس يسقط أجنة الحوامل، أو بكتريا معينة تهاجم الحنطة، ماذا لو أمتلكوا تكنولوجيا تحدث تغيرات مناخية محددة تزيد الحرارة في بلد ما؟.
هل يكفي أن نرصد في حينها موارد مادية، أو نجند العسكر ونزودهم بالرشاشات؟ هل سيجدي نفعاً أن نستورد الحلول، ونعتمد في حينها على التقدم التقني والعلمي الأجنبي، ونزيد في تبعيتنا للغرب؟ ونحن الذين نرفض الوجود العسكري للمحتل في بلادنا؟
لهذا كله، فإن الحديث عن تنمية البحث العلمي والتقني، ليس بترف إنما هو أولوية ملحة من صميم أمن أي بلد، ناهيك عن وصايا القرآن الكريم بالعلم والتعلم والتفكر بمخلوقات الله تعالى والنظر في أرضه وسماواته، وهو من ناحية ثالثة السبيل لرفع المستوى المعاشي والرفاهي للمجتمع.
إن الحديث عن تنمية القطاع البحثي والعلمي يبدأ من سياسات حكومية موجهة وناجحة، مثلاً: توفير فرص عمل لجميع الباحثين حتى ولو بغير القطاع الحكومي أو حتى تعين منح شهرية بشرط استمرارهم بالبحث والعطاء الجدي، وفق جدول محدد، ثانياً: توفير أشخاص مسؤولين يؤمنون فعلاً بأهمية البحث العلمي، وهم مسؤولين عن وضع خطط مرحلية لتنمية هذا القطاع، ثم التقيم والمحاسبة عن مدى الإنجاز، ثالثاً: عقد بروتوكولات تعاون مع جامعات أوربية أو معاهد علمية عريقة كمعهد ماشستوس ، ومعهد ماكس بلانك على فتح فروع لها في البلد وتقديم تسهيلات مادية ومعنوية لهذه المعاهد وللطلبة الذي سينضمون لها، والتركيز على الاستفادة من الخبرات المتراكمة لهذه المعاهد.
أقرأ ايضاً
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول
- الفساد العلمي بوابة تحول المعرفة إلى سلاح في يد الفاسدين
- ضرورة المصارحة.. لتحقيق مصالحة شاملة