- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
وقفة مع الحديث " ان لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد ابدا "
محرم يستذكر فينا واقعة الطف اكثر من بقية شهور السنة والحديث عن واقعة الطف يحتاج لمجلدات كثيرة واذا ما اكتملت وجدت جديدا في الواقعة لم تطرق اليه حيث انها متجددة مغ الزمن ، وهذا التجديد هو المهم في الاعتبار من الواقعة ومن هنا نجد ان الاهتمام بالعَبرة اكثر من العِبرة.
الشعائر الحسينية هي احدى الدعامات التي ثبتت وخلدت واقعة الطف على مدى التاريخ وتحديدا عندما يحكمون الطغاة فكان شغلهم الشاغل هو القضاء على كل ما له علاقة بالحسين عليه السلام لان اسمه فقط يعني الثورة على الظالم .
عتدما يكون الحاكم ظالم فان الاصرار على احياء الشعائر الحسينية يعد بحد ذاته جهاد في سبيل الله وهذا لا يقدم عليه الا من امن ايمانا مطلقا بحركة الحسين عليه السلام ، ولكن هنا المهم ولكن عندما تكون هنالك حرية في اقامة هذه الشعائر فكيف يكون احيائها ؟
هنالك رواية استوقفتني كثيرا لما لها من ابعاد واستنتاجات عظيمة تخص واقعنا وتشير الى عقائدنا نص الرواية \"عن جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) ، قال : نظر النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى الحسين بن علي ( عليهما السلام ) وهو مقبل ، فأجلسه في حجره وقال : إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا\"ـ مستدرك الوسائل - ج 10 - ص 318 ـ للرواية تكملة ساشير اليها في محل الشاهد .
لاحظوا كلمة حرارة وقلوب ومؤمنين وابدا ، هذه الكلمات لها عمق فكري عظيم فالحرارة تاتي من الحركة اذا هنالك حركة يقوم بها الانسان فتولد الحرارة ، هذه الحرارة خصصت بالقلب ولم تخصص بالجسد اذن ليست هي الحرارة المعروفة عرفا هذا اولا وثانيا القلوب او القلب هذه العضلة الصنوبرية لها مهمتان المادية هو احياء الجسد والفكرية هي البصيرة فالبصيرة توجد في القلب ، عندما راى عبد الله بن الزبير ابن عباس في اخر ايامه حيث فقد بصره اقصد ابن عباس وفي جدل بينهما قال ابن الزبير الحمد لله الذي اذهب بصرك فقال ابن عباس والحمد لله الذي ابقى بصيرتي ، فالبصيرة في القلب وفي الاية الكريمة ( رب اشرح لي صدري ) فانشراح الصدر هو انشراح ما موجود في الصدر الا وهو القلب والشيء بالشيء يذكر فان كلمة مرض وردت بالقران تسع مرات وكلها مقرونة بالقلب ، اذن الحرار في القلب وثالثا المؤمنين هذه الصفة التي تخص شريحة معينة من الناس (وقالت الاعراب امنا قل لاتقولوا امنا بل قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم) فالايمان هي درجة رفيعة لا ينالها الا ذو حظ عظيم فالحرارة الموجودة في القلوب خصت بالمؤمنين وليس بقية الناس فان قصد من الحرارة اللوعة والحزن على الحسين عليها السلام فالمسلم يحزن والمواسي يحزن بل وحتى العاقل من غير الاسلام الذي ينظر الى واقعة الطف نظرة مادية يحزن ولكن كل هذه الشرائح لم يقصدها رسول الله (ص) ولم يقصد اللوعة في الحرارة ، ورابعا وهنا الابعد فلماذا قال رسول الله (ص) ابدا ؟ ان الحرارة تبقى حتى بعد ظهور الامام الحجة (عج) فان قصد اطفائها بالقصاص من القتلة فان المختار اقتص منهم اضافة الى البراهين الالهية التي اصابتهم ، وحتى في بعض الروايات ان القائم سيقتص منهم او من اتباعهم اذن لماذا لم تبرد الحرارة هنا ؟
هذا تاكيد على ان الحرارة هي المبادئ التي من اجلها استشهد الحسين وعياله وصحبه عليهم السلام فهذه تسكن القلب اي البصيرة التي من خلالها نحافظ على ديننا ولان حياةالحسين عليه السلام كان هو الثمن فماهو المثمن ؟
لتقريب المعنى عندما نشتري حاجة ما بالف دينار فهنالك من يرى ان قيمة الحاجة لا تساوي الف دينار فيبقى متالما ومتاسفا على الدينار وهنالك من يرى ان الحاجة تستحق اكثر من هذا المبلغ فانه يهتم بالحاجة وفي نفس الوقت يثني على الذي دفع الثمن وحصل عليها ، نحن نعلم ان دم الحسين هو الثمن والمثمن هو الدين الاسلامي فيجب الحفاظ عليه من خلال التمسك ببنوده من حلال وحرام و وجوب ، وهو الحرارة التي قصد منها بالحديث ولان الخطاب موجه ومخصص في المؤمنين فان الكسرة هي المقصودة بدلا من الفتحة في كلمة ( عبرة ) ، وكما اشرت ان للحديث تكملة وجاء محل الشاهد فالتكملة هي \" ثم قال ( عليه السلام ) بأبي قتيل كل عبرة ، قيل : وما قتيل كل عبرة يا بن رسول الله ؟ قال : لا يذكره مؤمن إلا بكى\" هنا لا يذكره مؤمن ولم يقل محب او مواسي فبالرغم من ان الكل لهم اجرهم على مقدار ايمانهم الا ان التخصيص بالمؤمن له دلالات اخرى وقتيل العبرة بالكسرة وليس بالفتحة لانه لا يصح ان يكون قتيل الدمعة او الحزن بل قتيل العبرة التي نعتبر بها الا وهي التضحية من اجل دين الله دين محمد ديننا الذي ارتضاه الله ورسوله لنا .
هنالك روايات اخرى تؤكد هذا ومنها \"قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : قال الحسين بن علي ( عليهما السلام ) : أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا استعبر. كامل الزيارات - ص 215 عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال :نظر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى الحسين فقال : يا عبرة كل مؤمن ، فقال : أنا يا أبتاه ، قال : نعم يا بني . كامل الزيارات- ص 214\"
فالمؤمن الذي يتذكر واقعة الطف لا يتذكر كيف قتل الحسين بل يتذكر لماذا قتل الحسين وعندما يعلم عمق صرخة الحسين (ع) هيهات منا الذلة سيعلم الى اي درجة عظمة الاسلام الذي ضحى من اجله الحسين وعياله واصحابه عليهم السلام فالعبرة هي الـ ( لماذا ) ومن بعدها الـ ( كيف ) وهنا سنتمسك اكثر بالمثمن ونبكي ونواسي اهل البيت لدفعهم الثمن فاذا اردنا ان نثبت لاهل البيت اننا سنحافظ على المثمن فيجب العمل به قبل وبعد كل شيء لا ان نهتم بجانب ونترك عدة جوانب .
وعند ظهور الحجة (عج) تبقى الحرارة في القلب فاذا كانت اللوعة فهل لها محل مع دولة الحجة التي اثنى وبشر بها كل الانبياء والائمة عليهم السلام؟ فالحرارة التي لا تبرد هو استمرارية الحركة في تطبيق التعاليم الاسلامية لانها ابدية ومن اجلها بقى وسيظهر الامام الحجة (عج) وتاكيد صحتها سيكون يوم القيامة فالابدية هو اقامة التعاليم الاسلامية