تخبرنا الأوضاع في العراق يوماً بعد أخر إن ثمة خلل اجتماعي خطير ما زال يؤثر في البيئة العراقية ، فينتج كل هذا التعارض وهذا التناحر وهذه الفوضى |\" اللاخلاقة \" ، المشكلة الاجتماعية في العراق عويصة لا يمكن إن يسكت عنها لأنها ستظل تنخر هذا الجسد من الداخل الى إن تهوي بهِ الى واد سحق ...إن لم تك فعلت ذلك حقاً .!
أمس ظهرت لنا إحصائيات هيئة النزاهة ممثلة وعلى لسان السيد القاضي رحيم العكيلي بتصريحين مهمين الأول قال من خلاله ِ إن أكثر المؤسسات فساداً في العراق هي المؤسسات الأمنية ! ( يقصد الدفاع والداخلية و ..) ، والتصريح الأخر لنفس الهيئة هو المسح الشهري الذي أصرت النجف العاصمة الدينية إن تحتل المرتبة الأولى في الفساد تلتها بابل وغيرها من المحافظات الأخرى ، فيما بقيت المستشفيات العراقية تحتل مرتبة متقدمة أيضا .
دعونا ألان نناقش بروية وهدوء تصريح السيد القاضي يكشف لنا إننا ( العراقيون ) \"مَسلمين لحانا\" بيد وزارات ومؤسسات فيها عناصر وقيادات فاسدة ! وهذه طامة كبرى فنحن نعرف إن الفساد ليس فقط سرقة أموال الدولة فحسب واختلاس التخصيصات المالية ، بل الفساد هو قلب الحقائق وتزييف الوقائع يعني جعل المجرم بريئاً والبريء مجرماً وكذلك الابتزاز والتغاضي والسكوت عن محاسبة المقصر ومتابعة المجرمين ووو...وهذه الممارسات تلبس ثوب الدولة الرسمي طبعاً ! ولهذا فان المثل سينطبق على هذه المؤسسات (حاميها حراميها ) إن لم يكن ( حاميها إرهابيها ) ، الفساد يخترق المؤسسة التي يفترض إن تكون الدرع الأول لحماية المال العام ومصالح الدولة وتلاحق المتلاعبين والفاسدين والمفسدين ،فكيف إذا انقلبت الآية ! وللأمانة فان وزارة الداخلية العراقية فيها رجال أمناء ووطنيون يعملون ليل نهار في محاربة الجريمة والإرهاب والفساد بكل ظواهره ، ولعل السادة الوكلاء والوزير ذاته أكثر صراحة وجرأة في فضح بعض الممارسات الفاسدة ، ولكن ينبغي تكثيف الجهود وإدامة زخم العملية الرقابية وعدم الخضوع الى الابتزاز السياسي الذي تمارسه بعض الجهات لحماية بعض عناصرها المتورطين بهذه الآفة الخطرة .
طبعاً الفساد المالي أصبح اليوم ظاهرة غنية عن التعريف ، وواضحة للعيان فالقاصي والداني يعرف إن الفساد بلغ مبلغه ، ولكني أتسأل هل لهولاء الفاسدين من عوائل ( أسرهم ، زوجات ، ابناء ، امهات ، اباء ، عمام ، خوال ..) كيف ينظر كل هولاء الى هذا المسؤول الفاسد ، هل يمقتون فعله ، ويشجبون ما يقوم به ، ويستنكرون عليه ، أم يباركون له ويبررون فعلته ولسان حالهم يقول ( خله ..اخذ حكه بذراعه ..!) وإذا كان كل هولاء المحيطون بالمسؤول الفاسد (المفترض طبعاً ) هم يشجعونه ، فبمعنى إنهم أيضا فاسدين بالضرورة ولو كان احدهم مكانه لفعل الشيء ذاته !
وهذا يظهر الأمر لنا وكأنه ثقافة اجتماعية وبيئة تشجع وتبارك وتحضن الفاسد وتبرر لفساده ، لذا نراه يتمادى أكثر في غيه ، ويستمر في النهب والسلب المبرمج .
أعود للمسح الذي أعده إنا وغيري خطوة جريئة وفي اتجاه الحل الذي تجريه هيئة النزاهة العراقية فا أقول إذا كانت العاصمة الدينية للعراق هي من تقف في طليعة المحافظات في نسب الفساد ، فهذا مؤشر أخر خطير يدلل على ضعف الدور الديني والاجتماعي الذي يمكن إن يردع مثل هذه الممارسات ويكون وازعاً يوقف هذه الممارسة اللا أخلاقية واللا دينية ،ففي محافظة مثل النجف يفترض إن تكون هي من أكثر المحافظات انضباطا والتزاماً بالقوانين ومراعاة للأنظمة لان التأثير الديني سيكون أكثر من غيره وهذا يدفع المسؤول والموظف الى يتجنب هذه المظاهر ، فكيف والآية تنقلب مرة أخرى ! في النجف !
الشيء الذي يمكن تأكيده هو إن الفساد والتجاوز على المال العام ومصالح الدولة المواطن تجاوز كونه مظهر للانفلات والضعف الإداري والرقابي الذي أصاب أجهزة الدولة.
بل هي ثقافة اجتماعية متأصلة بفعل تراكمات طويلة ، ينبغي التعرف على أسبابها ولعل أولى أسبابها هو الجانب السياسي بكل تأكيد .
أقرأ ايضاً
- وللإبطال مقابرٌ ايضا..!- طقسٌ كُروي
- حوادث السير في العراق.. إحصائيات مخيفة تفوق ضحايا الإرهاب
- تفاؤل بداخلنا.. أن نعيش بسلام..!؟