- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
زوارنا بين الهندام والالتزام !!!
تزخر كتب الأدعية والزيارات والتي توفرت بكثرة كبيرة ,خاصة بعد سقوط الصنم عام 2003 على العديد من الأحاديث والروايات والأخبار والتي تؤكد على أهمية زيارة المراقد الشريفة والمقدسة وضرورة تواصل تلك الزيارات وتعظيمها وبالتالي رفع شأنها لتكون طقساً عبادياً يتقرب من خلاله الزائر إلى الله جلّت قدرته طامعاً في رحمته راجياً مغفرته متشوقاً ً لرضوانه ,ولذلك شرعت الملايين من جموع الزائرين وفي كل مناسبة بتأدية مراسيم تلك الزيارات والتي أصبحت أكثر مما هي مجرد تقاليد ومراسيم ,فقد ارتبطت تلك الزيارات بالعقائد وأصبحت تمثل مظهراً من مظاهر تلك العقائد .واليوم ونحن نعيش في بحبوحة الحرية التي أنعم الله بها علينا بعد زوال كابوس الظلم والبطش والقتل بسقوط اعتى دكتاتوريه عرفها العصر الحديث , وبعد أن تعززت زياراتنا لمراقدنا الشريفة وأصبحت اليوم محط أنظار العالم ,خاصة بعد أن بات العالم يشاهد هذه الزيارات من خلال البث الفضائي المباشر حيث أدرك العالم الآخر أهمية عمق هذه الزيارات ومدى تأثيرها على طبيعة المجتمع العراقي .
مما جعل الشعب العراقي اليوم يقف في طليعة الشعوب والمجتمعات الإسلامية التي جسدت هويتها الإسلامية وكذلك جسدت هويتها الثقافية أيضا ,ومن هنا علينا اليوم أن ننظر لهذه الزيارات بمنظار جديد ,منظار يؤكد على هذه الهوية ويسعى إلى المحافظة على نظارتها وحيويتها وأصالتها بين شعوب العالم .
فقد أمسى شعبنا العراقي اليوم رغم قساوة الظروف التي يعيشها يمثل عنواناً متألقاً ومتجدداً للإسلام المحمدي الأصيل ,الإسلام الذي أرسى دعائمه الرسول الأكرم (ص) وصانه سيف علي (ع) وثبته دم الحسين (ع) في ارض كربلاء ,هذا هو الإسلام الحقيقي والذي أرادته السماء , ومن هنا تبرز أهمية زيارة هذه المراقد الشريفة والتي تتوزع في عموم ارض عراقنا الحبيب ,حيث يحاول الزائرون الكرام تجسيد هذه المبادئ والقيم من خلال الإصرار على أداء هذه الزيارات المليونية .
ولكن دعونا أن نتأمل بموضوعية اليوم ونسأل أنفسنا ....هل نحن حقاً نقيم هذه الزيارات بمستوى ما يريده أئمتنا الأطهار وشارعنا المقدس ؟؟؟ ....هل نحن حقاً نلتزم بكل الوصايا التي حفلت بها كتب الأدعية والزيارات والتي أصبحت بمتناول الجميع ؟؟؟.... هل نحن حقاً نلتزم بتوصيات آداب الزيارة والتي تؤكد عليها كتب الأدعية والزيارات ؟؟؟!!!. هذه الأسئلة وغيرها نحن اليوم بأمس الحاجة للإجابة عليها ,وان نقيم حوراً موضوعياً مع ذواتنا ولنرى ما نحن فاعلون !!! .
لقد رسمت كتب الأدعية والزيارات لنا طريقاً واضح المعالم لأداء الزيارة إلى المراقد الشريفة ,حيث حرصت هذه المؤلفات على توجيه الزائر الكريم بكيفية أداء الزيارة بشكل يعطي لهذه الزيارة قدسيتها المطلوبة وبالتالي حصول الزائر الكريم على ثوابها الجزيل .
إن ما نشاهده اليوم خلال زياراتنا المليونية الضخمة أو خلال الزيارات الاعتيادية من ممارسات من البعض (ونؤكد هنا من البعض) سواء كانت هذه الممارسات أو السلوكيات عفوية أو غير ذلك ,تجعلنا نقف ألف مرة أمامها ونسأل لماذا نشاهد هذه السلوكيات والممارسات في مراقدنا الشريفة؟؟؟!.
ففي الوقت الذي تؤكد فيه كتب الأدعية والزيارات على الاستحباب المؤكد على أن يغتسل الزائر ويتطيب ويلبس أجمل واطهر ثيابه وهو يتوجه لزيارة المراقد الشريفة .وكلنا يعرف قصة الصحابي الجليل (جابر بن عبد الله الأنصاري) باعتباره أول زائر لقبر الحسين عليه السلام ,وكيف طلب من رفيق دربه (عطية) بأن يغتسل ويتطيب ويلبس اطهر ثيابه قبل أن يبادر لزيارة قبر الحسين عليه السلام , هذه المواقف وغيرها هي دروس عملية لطريقة أداء الزيارة علينا أن نتعلمها ... لكننا رغم كل ذلك البعض يدخل هذه المراقد المقدسة وهو يرتدي (التراكسوت) ويضع المنشفة (الخاولي) حول رقبته , وأحيانا يضع قبعة على رأسه !!!!
انه منظر مقزز حقاً (لقد بات التراكسوت اليوم يمثل بجامة نوم) فهل يعقل أن يزور الإنسان إمامه بهذا الملبس ؟؟
إنها مفارقة مضحكة مبكية في نفس الوقت , لا اعرف لماذا لا يلتفت زائرنا الكريم إلى هذه الحالة ,علينا أن نعرف إن أئمتنا سلام الله عليهم هم أبواب الله ,فليس من الأخلاق والذوق الرفيع والإيمان أن يدخل الإنسان على إمامه وبالتالي يحاول أن يصل إلى ربه بهذا المظهر . ثم لنسأل أنفسنا والآخرين السؤال التالي .ماذا لو دعي هذا الشخص الذي يرتدي التراكسوت أثناء زيارته اليوم لمقابلة مسئول حكومي كأن يكون المحافظ مثلاً؟؟؟! هل سيذهب بالتراكسوت والخاولي ؟؟؟! أكيد كلا ,طيب لماذا نستهين بأنفسنا ومراقدنا ومقدساتنا هكذا سواء بوعي أو بدون وعي ؟؟؟! .
نحن اليوم تحت أنظار العالم ,الكل يراقب والكل يشاهد والبعض يتربص بنا الدوائر فلماذا نعطي لهذا البعض فرصة للتطاول علينا؟؟!
نحن ندرك اليوم جسامة المهمة التي يتحملها المنبر باعتباره وسيلة إعلامية ناجحة لقربها من روح ونفس المتلقي ولذلك فأننا نعتقد بأن بإمكان المنبر اليوم أن يقوم بدور المربي والموجه من خلال التأكيد على هذه المظاهر والسلوكيات الخاطئة جداً والتي أصبحت تشكل علامة فارقة على مظهر زياراتنا ومراقدنا ومقدساتنا ولذلك علينا أن نكون أكثر حدة وأكثر صرامة مع هذه الحالات الشائنة ,ليس عيباً أن نحاول أن نربي هذا البعض ونعلمه دروس آداب الزيارة إنها مهمة ليست بالعسيرة خاصة إذا ما تصدى لها منبر تربوي حقيقي ,فما المانع اليوم بأن يقوم مدرس أو معلم التربية الإسلامية في مدارسنا بمثل هذا الدور التربوي الخلاق ,نعم علينا أن نمتلك الجرأة الكاملة في معالجة هفواتنا طالما نحن نسعى إلى بناء مجتمع يحترم قيمه وعقائده ومقدساته .
ربما ينظر البعض لمثل هذه الأمور بمنظار التبسيط والتسطيح وبالتالي التقليل من أهميتها على اعتبار إنها مسائل تعالج بمرور الزمن ,إن هذه النظرة الضيقة تجعلنا نخسر الكثير من الزمن في الوقت الذي نحن اليوم بأمس الحاجة إلى تكريس قيم الفضيلة السلامية بأبهى صورها ,
ففي الوقت الذي نشاهد اليوم الجهد الجبار والخلاق والكبير والذي يبذله الإخوة القائمون على عتباتنا المقدسة جزاهم الله خيراً من خلال تقديم أرقى أنواع الخدمات للزائرين الكرام والسعي الدائم لتوفير كل سبل الراحة للزوار
نشاهد للأسف البعض (ونؤكد البعض) لم يرتقي في سلوكه وتفكيره إلى مستوى ما موجود ولذلك نراهم يتصرفون بلا أبالية كبيرة ويمارسون سلوكيات بعيدة كل البعد عن روح وقدسية الزيارة .إن هؤلاء اليوم بحاجة إلى إعادة تأهيل من خلال ما متوفر من وسائل إعلام تقوم بحملة توعية شاملة تؤكد من خلال أحاديث وصور ونشرات وغير ذلك على أهمية وقدسية المراقد المقدسة وكذلك قدسية وأهمية الزيارات لتلك المراقد الشريفة
فليس من المعقول اليوم أن تتحول هذه المراقد إلى مجرد أماكن للتجمع أو للراحة أو لغير ذلك .
إننا اليوم بأمس الحاجة إلى تكريس مفهوم قدسية مراقدنا والمحافظة عليها وعلى هيبتها لتبقى على الدوام تمثل مركز إشعاع كبير للإسلام المحمدي الأصيل .
تقبل الله من الجميع زياراتهم وأعمالهم وحشرنا وإياهم إلى جوار محمد (ص) وآل محمد (ص)
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين .
مدرس /إعدادية التحرير الصناعية – كربلاء