في غمار التجاذبات والتحاورات والتفاهمات ضمن الديالكتيك المتصاعد بين الكتل السياسية لتشكيل خارطة البرلمان العراقي القادم (الدورة التشريعية2010 ـ2015 )الذي ستنبثق عنه الحكومة العراقية المقبلة تتردد في بعض الأوساط التي ترشحت لخوض الانتخابات البرلمانية الأخيرة ما يشكل أهم معرقلات ديناميكية العملية السياسية الجارية الآن واستمراريتها بمقارباتها وآلياتها الديمقراطية وتطورها المؤمل في الدورة المقبلة نحو الأفضل سياسيا واقتصاديا وامنيا وخدماتيا .. ومن هذه المعرقلات سلاح الفيتو المقابل او المتقابل الذي فرضته سياقات المحاصصة التوافقية المبنية على اسس التمثيل الحصصي القسري ضمن كل كتلة او حزب او جهة بحسب مرجعياتها المذهبية او القومية او العرقية والاثنية الداخلية منها او الاقليمية. وقد خرج هذا الفيتو (وهو تعبير لاتيني معناه أنا أمنع ويستعمل بمعنى حق الاعتراض) من أنساقه الديمقراطية الطبيعية والمشروعة والمستساغة ـ باعتبار ان العملية السياسية في العراق هي عملية ديمقراطية وذات ريادة على مستوى الشرق الاوسط ـ الى فضاءات أخرى ربما تكون غير مقبولة وكسلاح سياسي كيدي ومتبادل بل يكون في بعض الأحيان سلاحا \"استباقيا\" مشخصنا وبعيدا عن المصلحة الوطنية العليا وعن إبداء المرونة الكافية لسبل إنجاح العملية السياسية كونها الهم المشترك بين الفاعلين السياسيين والهدف المتوخى من الفعاليات السياسية وفي ظروف شديدة الخطورة والحساسية تجعل الجميع على مفترق طرق ومصير الوطن في غياهب المجهول ،لاسمح الله ...
ان الانتقال من الممارسات الديمقراطية الى المناكفات السياسية بوضع فيتوات ورسم خطوط حمر أمام هذا الشخص او هذه الجهة (وبعضها وضع قبل الانتخابات!!!) لا يشكل قصورا في الفكر او الأداء او التصور او الرؤى فحسب بل يتشيأ كعاهة مستديمة تضعضع ثقة المواطن بمجمل العملية السياسية فضلا عن جدوى الانتخابات كما إنها تكرس دوغمائيا ميكانيكية التحاصص التي تشكل بدورها خللا بنيويا يعكس في أهم تمظهراته نوعا من اللاتوافق السياسي والتناشز الاجتماعي والتغافل عن المسؤولية الجماعية تجاه الظرف الراهن ..
الشروط التعجيزية والاشتراطات المسبقة فضلا عن الخطوط الحمر المتقابلة والتي بعضها من غير الممكن القفز عليها او التناور حولها بين المشتركين في الترشيح لمجلس النواب القادم والمتشاركين فيه مستقبلا تجعل هؤلاء لا يتحملون فقط مسؤولية عبور الحد الادنى من التوافقات السياسية التي تستعجل مهمة الاتفاقات بحسب الاستحقاق الانتخابي او مبدأ المصالح لتشكيل الحكومة المقبلة بكافة مؤسساتها الدستورية لما لذلك من تأثير مباشر على سايكلوجية المواطن العراقي وطمأنة الرأي العام وإنعاش الحركة الاقتصادية لتوفير المال العام وتقديم الخدمات والأمن (وهذه أقصى سقف المطالب الشعبية لحياة كريمة) ، وانما يتحملون أوزار استمرار التصارع والتناحر والتخندقات بكافة أنواعها واستمرار التدخلات الإقليمية في الشأن العراقي وتسرطن الفساد المالي والإداري ليغدو داء عضالا لاشفاء له وتكرار اخطاء الماضي وبعض كوارثه التي كادت ان تعيد العراق الى المربع الاول وذلك بتبادل الفيتوات للتحالف او عدم التحالف مع هذا الشخص او تلك الجهة لوجود حساسيات او عداوات او عقد او احترابات حزبية او طائفية او شخصية حتى وان كانت تتنافى مع مصلحة وسلامة واستقرار البلاد في وقت مازال العراقيون يتطلعون الى خروج بلدهم من طائلة البند السابع الذي مازال العراق يعاني من تداعيات ملفاته واسقاطاته المدمرة وكذلك الى تنفيذ الاتفاقية الإطارية بين الولايات المتحدة والعراق كخطوة نحو الامام للخروج من مشكلة الاحتلال وهذه وغيرها ملفات استراتيجية تقع ضمن سقف المطالب الشعبية كاستحقاقات وحقوق على المتصدين للعملية السياسية في طورها المقبل، ناهيك عن الملف الأمني غير المستقر وضرورة معالجته بمهنية وجدية .
إن من يضع الفيتو كمصدات أمام غيره (بذات الاستحقاق الانتخابي) او يرسم أمامه خطا احمر عليه ان لا ينسى ان الفيتو هو احتكار لاستحقاق انتخابي ومصادرة لأصوات قطاعات واسعة من الشعب أدلت برأيها وقناعتها بمن رأته مؤهلا لتمثيلها، فالمطلوب الكثير من الواقعية السياسية والابتعاد عن التشنجات والمواقف المرتجلة وغير المحسوبة التي تجعل من العملية السياسية مجرد سيناريو لتبادل الأدوار وإعادة إنتاج الخرائط الحزبوية واقتناص الفرص وتوزيع المغانم ووضع الألغام أمام الآخرين لدواع ٍ شخصية او مزاجية بحتة او لتوجهات بعضها عابر لتخوم الوطن او لمستويات في التعاطي السياسي مازال أمامها الطريق واسعا لتخرج من طور المراهقة السياسية.
اعلامي وكاتب عراقي [email protected]
أقرأ ايضاً
- عندما يصبح الإعلامي سياسياً !!
- متوحدون رياضيا .. مختلفون سياسيا
- هل أمسى التوافق الوطني إنتحاراًسياسياً.. !؟