لقد عاش الشعب العراقي زمنا طويلا تحت الاستبداد المطلق وكانت كل القضايا حبيسة في الصدور عند أصحابها... وكعادة الشعوب التي ترزح تحت نير الطغاة فانها تتعلم النفاق السياسي لتحافظ وتدافع به عن نفسها...فهل تعلمنا بعد خبرة حياة طويلة مع المستبد أن نتقن فن النفاق السياسي فنصر ببراءة على قول مخالف لما نبطن ونريد؟.
بعد هروب الطغاة ومجيء الغرباء بجيوشهم ليقرروا عنا المستقبل، تعددت وجهات النظر داخل المجتمع العراقي ففقد بذلك الانسجام الاجتماعي داخله، وظهرت على السطح كراهيات منطقية وغير منطقية !.. غير المنطقية متمثلة بظهور القاعدة والسلفية، وكراهية منطقية ولكنها غير عادلة، سببها الذاكرة المجروحة والتراث المتسلط دوماعلى الحاضر الذي تحول وبتعاقب الأجيال الى وعي سياسي تحمله الناس، وأصبحت لهذه الذاكرة الجريحة مطالب أولها الاعتذار وآخرها السلطة.
ثم بدأنا نتساءل هل يعيش الشعب العراقي بالانكار فلا يعترف بمواجعه وجروحه الطائفية وتراثها الغاضب على بعضه البعض ؟.. وهل هذا الانكار هو لمواجهة الطائفية أم هو في الحقيقة محاولة للاستمرار بالممارسة الطائفية والخضوع لسطوة ذاكرتها ومواجعها وتراثها؟.. وهل عدم الانكار والاعتراف يعني بداية طريق التوبة من ذنوب الطائفية في لحظة لم تنته بعد من اتمام مامطلوب من استدعائها وحضورها وذلك بجعلها المحور الذي يدور حوله الرهان السياسي ؟.. وهل عدم الاعتراف سيشوه ويناقض الصورة التي يريدها كل مكون لنفسه والأهم الصورة التي يريد أن يعرضها للعالم ويصدقها العالم عنه؟.. وهل يشعر كل منهم بالعار من الممارسة الطائفية فيهرب من هذا العار بالانكار بداية على العالم ليصدقه، فيصدق نفسه؟.
ولو تجرأنا بمساءلة أنفسنا أكثر فنقول هل أصبحت رومانسية الوطنية العراقية غير جذابة بقدر جاذبية الطائفية ؟.. وهل أدمنا هذا لدرجة لم يعد باستطاعتنا الاستشفاء منها ؟.. وكيف ومتى أدمنا ومن سقانا هذه الكؤوس الزؤام؟.. وهل سنقبل الاستشفاء من ادماننا؟ ولماذا نتخلى عن متعة الادمان ولذته لنعيش يقظة الوطنية المحفوفة بالمخاطر وما الذي سيجبرنا على ذلك؟ ومن نحن لنتكلم معترضين عن قرون من الادمان ؟..
من الممكن أن يسوء بنا الحال لنصل في النهاية بتحديد الحدود بين مكونات الشعب العراقي اذا لم نصحوا من غيبوبتنا، وستكون حدودا للدم حيث لن تخطها الكلمات ولن نعيش بعدها الحل بل سنخوض بالمجهول وينتهي بالكل محروما من ذاته .
فنحن تجمعنا كلمة ((عراقيين)) كعنوان وأساس لهويتنا الوطنية... ولانمتلك الا هذه الهوية، فهل نستطيع من خلالها أن نحدد معنى الانتماء والمواطنة والهوية والثقافة بعد كل هذا الخلاف والعنف والتهجير وهذا الأنا المبعثر والمفكك والتائه ؟ وهل هدف الوصول الى وحدتنا الوطنية ممكنا ؟.. انه اختبار للارادة والشجاعة العراقية...
لذلك على جميع السياسيين أن يشتركوا بمحاولة تحقيق الاجماع لأن التنازل عن وحدة الوطن يعد خيانة من الناحية الوطنية وهزيمة من الناحية السياسية، ووحدة الوطن ليست صفقة ولا فرصة للربح أنها ببساطة واجب مقدس!..
أقرأ ايضاً
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب
- من هو المسؤول عن اثارة النعرات الطائفية في مرقد أبو حنيفة النعمان
- الطائفية في الوثائق العثمانية