تستعد دول العالم هذه اللحظة لاطلاق سفن المساعدات الانسانية الى غزة ضمن حملة الحرية 2، وذلك ردا على الاعتداءات الاسرائيلية التي تعرضت لها سفن المساعدات التي كانت تنوي كسر الحصار الاقتصادي المفروض على غزة.
وانا أقلب القنوات الفضائية ونشرات الاخبار وقراءة السبتايتلات عن المواقف العالمية حول الموضوع، وفي لحظة ما، رجع بي الزمن وتذكرت ان مصطلح \"كسر الحصار الاقتصادي\" كان واحدا من المصطلحات التي جرى تداولها على السنتنا في العراق وذلك في فترة الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق اوائل التسعينيات..
كان الحصار الاقتصادي خلال تلك الحقبة يشمل حظرا على استيراد وتصدير معظم السلع، ودخل البلد في حالة ترد واضح لاوضاعه الاقتصادية والاجتماعية حيث انتشار الفقر وارتفاع الاسعار وانتشار الجريمة والجهل والتخلف. لتأتي بعد ذلك ما عرفت بمذكرة التفاهم او مذكرة النفط مقابل الدواء والغذاء لتخفف عن كاهل العائلة العراقية بعضا من همومها.
سياسة كسر الحصار هذه تمت من خلال وسائل متعدة، فقد تم مثلا اتباع اسلوب مقايضة كوبونات النفط مقابل توفير مجموعة من السلع التي تحتاجها الدولة، وهكذا وبسبب عدم توفر موارد من العملات الاجنبية، منحت الدولة هذه الكوبونات الى مجهزين محليين من القطاع الخاص ليقوم هؤلاء ببيع تلك الكوبونات وشراء سلع اخرى محلها، وبذلك استطاعت الدولة التحايل على قرارات الحصار الاقتصادي الصادرة من قبل الامم المتحدة... هذا الاسلوب معروف في علوم الاقتصاد ويعرف بأسلوب الممارسة او التراضي كواحدة من الطرق التي تلجأ لها الدولة للحصول على مشترياتها وذلك بان تلجأ الى مُورّد محلي يكون ذا سيرة حسنة لدى الدولة، ويستخدم هذا الاسلوب في حالات معينة مثل عدم رغبة الدولة الافصاح عن ماهية مشترياتها او بسبب عدم مقدرة الدولة على القيام بشراء تلك السلع بسبب وجود موانع قانونية.
كان يسمى الحصار الاقتصادي \"شاملاً\"، وترديد عبارة \"الحصار الاقتصادي الشامل\" كانت شائعة حينها، لكن الامر لم يكن شاملا تماما، فقد بقيت السلطة العليا في البلاد بمنأى عن هذا الحصار وتمتعت بكافة امتيازاتها ولم تكن تشعر باي جوع او وجع، كالذي كان يعانيه الشعب العراقي. اذكر ان صدام حسين نفسه اراد ان يبين هذه الفكرة ذات مرة، فدعا مجموعة من القادة الكبار الى وليمة كبيرة احتوت على ما لذ وطاب من المأكل والمشرب، وذلك في اوج معارك كسر الحصار، وقد بثت اجزاء من تلك الوليمة من على شاشات التلفزيون. لقد اراد صدام ان يوصل رسالة واضحة الى العالم؛ هي ان الحصار الاقتصادي يؤثر على المحكومين لا على الحكام.
تمارس اليوم ضد الشعب الفلسطيني في غزة نفس اساليب الظلم والتجويع والحرمان؛ حصار خانق لا يرحم، حصار موجه الى الاطفال والنساء والشيوخ والابرياء، لا الى القادة والحكام. جربنا نفس الجرح ونشعر بعمقه.