- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
منابر حسينية أم دكاكين فضائية ؟! ( الحسين لعق على ألسنتهم )
المنبر الحسيني الشريف يعد من أهم العلامات الفارقة التي يتميز بها التشيع دون سواه من بقية المذاهب والاتجاهات الإسلامية ولا يخفى عن احد إن المنبر الحسيني ،تحديدا، هو منظومة موسوعية متكاملة من المعارف والأخلاق والآداب والعلوم والعقائد وهو منصة معرفية ودينية وفقهية وشرعية ينطلق منها كل ما وصل إلينا من تراث أهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، ومن هذا المنبر تتوجه الأجندة التي تدور في فلك التشيع العلوي والابستومولوجيا الجعفرية وتتموضع الخطوط العامة للبنى التحتية والفوقية للخطوط العريضة لهذا المذهب .
وبهذا يكون المنبر الحسيني الشريف الوارث الطبيعي والحقيقي للمنبر النبوي الذي كان النبي (ص) حين يرتقي \"أعواده\" موجها الأمة الإسلامية في أطوار تشكيلتها الأولى وفي أحلك واخطر ظروف نشأتها ومؤديا رسالته التي أنيط بها من قبل السماء، وحين تأسس المنبر الحسيني لم يخرج عن نطاق غاياته التي أضيفت اليها (بعد الغاية المعرفية) غاية أخرى لا تقل أهمية عنها ألا وهي تناول النهضة الحسينية التي ما زالت تتفاعل مع وجدان الأمة الى هذه الساعة فامتزج العلم بالمصيبة (وليس المقصود هنا بالبكائيات فقط بل بتناول مصيبة الحسين من جوانبها المعرفية كافة) ولكونه ـ أي المنبر ـ قد تأسس أصلا على قضية عاشوراء بجميع أنساقها وكيفياتها وسياقاتها ومضامينها وأحوالها وأسرارها ومعطياتها وفلسفاتها وروحانياتها وحقائقها وأبعادها التاريخية وسرمدية تشيؤاتها وأبدية ديمومتها ولان الحسين ليس تاريخا أو فكرة او مسالة او عزاءً فحسب ولان عاشوراء ليست حدثا تاريخيا يستذكر كل عام بالدموع وبالحزن بحبس النفوس..
المنبر الحسيني كان وما يزال منبرا نخبويا وجماهيريا وهو مدرسة للجميع؛ مدرسة عقائدية وروحانية فلم يحفظ لنا التاريخ إن هذا المنبر قد تحول عن مساراته التي تأسس بموجبها أو عن أهدافه التي يتوخاها أو عن غاياته المرسومة له لكننا نجد وفي بعض الأحيان إن تلك الأهداف والمسارات والغايات قد جعلت المنبر الحسيني بعد أن دخل مضمار الفضائيات (الدينية)، بعيدا كل البعد عن ما مرسوم ومتوخى ومطلوب له وبعد أن دخل عصر الأثير فصار منبرا فضائيا أثيريا حداثويا وعصريا ومشاهَدا في جميع أصقاع العالم وليؤدي دورا عولميا مفتوحا على الآفاق والثقافات والحضارات بعد أن كان خطابه مقتصرا على المساجد والحسينيات والساحات والشوارع والبيوت وعلى فئات محددة من الناس حتى بعد انتشار الكاسيت المسموع وشيوع الإذاعات وبرامج التلفاز .. وعلى هذا المنوال نسجت اغلب الفضائيات التي توصف بالشيعية أو التي تبث كل ما يخص أهل البيت عليهم السلام وكما هو معلوم من توجهاتها العامة وبدرجات متفاوتة من المهنية والكفاءة والموضوعية تدور كلها في الفلك الحسيني من دون أن تستحيل الى دكاكين سياسية او تجيَّر لإغراض شخصية فالمنبر الحسيني الذي يبث عبر الفضائية سواء أكان بصورة مباشرة او غير مباشرة يجب ان يتصف بجميع المعاني التي يحملها المنبر وبالمواصفات التي تتحلى بها الفضائية الشيعية التي يراد لها ان تكون \"داعية\" لخدمة المذهب كما يجب بأن لا يتحول المنبر \"الفضائي\" الى خندق تتمترس وراءه أجندات إيديولوجية منحرفة او مشبوهة أو أفكار ضالة هي اقرب للتوظيف السياسي المغرض منها الى التوظيف العقائدي والأخلاقي والأهداف الحسينية التي كانت البذرة الأولى في تأسيس هذا المنبر او يكون هذا المنبر واجهة لبث ونشر الأساطير والخرافات التي تسيء الى التشيع والحسين بصورة خاصة وزرعها في عقول البسطاء والسذج باعتبارها هي الدين والمذهب والحسين ، منها الخرافات والقصص الصفوية والإسرائيليات ومدسوسات الإعلام الأموي ، التي غزت العراق في القرون الثلاثة الأخيرة ولو اقتصر الأمر على هذا القدر لهان الأمر ولكن بعض الخطباء او الروزخونيين من الذين يعتاشون على مصيبة الحسين ويسترزقون من دمه الشريف الطاهر من اجل معائشهم ودنياهم وشهرتهم وصيتهم لم يكتفوا بذلك بل حاولوا أن تكون الفضائية الفلانية او العلانية أشبه بالدكان وعبر المنبر الذي يعرضون فيه بضاعتهم وكما يحلو لهم وان احرقوا العراق أو حشدوا الناس البسطاء وجيشوا الجيوش وذلك في حال عدم السماح ببث \"محاضراتهم\" على الهواء مباشرة وذلك لتنقيح ما يرد فيها من عبارات أو أقوال صارخة قد تثير حساسيات معينة أو لنشر الفوضى وزعزعة الصف الوطني وشرذمة التشيع (المتشرذم اصلا ) والذي تشطر أميبيا منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي ولحد الآن أو تكون خطبة \"ظاهرها\" الحسين وباطنها شيء آخر غير الحسين..
ومن المضحك المبكي أن يُظهر خطيب \"حسيني\" مشهور نفسه على انه \"فولتير\" القضية الحسينية ويكون حسينيا أكثر من الحسين وكربلائيا أكثر من كربلاء (وهو الذي قضى ردحا طويلا من حياته في دول الجوار المرفهة وغيرها في وقت عاش فيه العراقيون وأهالي كربلاء أسوأ الظروف) ويريد أن يتحول الى محام ٍ عن ديمومة القضية الحسينية متهما كل من لم يتفق مع توجهاته بالبعثية والوهابية حتى الذين يتسابقون على خدمة الحسين ويتفانون في إخلاصهم له ويصفهم كما وصف الحسين الطاغية ابن زياد بالدعي ابن الدعي أي انه ابن زنا ؟؟؟!!وهو الذي خيـَّر الحسين بين السلة والذلة مشبها نفسه (أي الخطيب) بالحسين الذي اختار السلة على الذلة مع ثلة مؤمنة ليس لها شبيه في التاريخ من الذين وفقهم الله لنيل شرف الشهادة بين يدي الحسين ولم يحشد الحسين الآلاف المؤلفة او يؤلبهم بسبب شخصي ولم يتهم أحدا بل بكى عليهم كما يذكر لنا التاريخ .
ويذهب هذا \"الخطيب\" الى تحشيد الرأي العام المحلي والعالمي ومحاولة إظهار كربلاء (وأهالي كربلاء) كأنهم أعداء الحسين حاله حال من يتطاول لحد الآن على أهالي كربلاء واصفين إياهم بشتى الأوصاف البذيئة التي لا تليق بمن يدعي الإيمان وحب الحسين ..إن الكثير من الحالات والمسائل التي كانت تستدعي التوقف والنقد والتحليل لكنها لم تثر إطلاقا على لسان هذا الخطيب أو غيره ولكن أن لا يسمح بالبث المباشر لمحاضراته \"القيمة\" التي كثيرا ما يطلب فيها في أوهامه وأحلامه أن تنشأ في كربلاء أربعة عشر صحنا وهو لا يدري إن أهالي كربلاء ليس لديهم شارع (بيه خير) يمشون فيه ولم ير شيخنا الجليل ـ اجلَّه الله ـ بحار المجاري التي تطفح يوميا في ازقة وشوارع كربلاء التي تغص بالازبال والأنقاض، فهذا لا تقوم له السموات والارضون ويهتز له عرش الرحمن ويكون المنبر الحسيني الفضائي في خطر ..
ورب سؤال يطرح نفسه ما الضير على الخطيب الحسيني أن لا تبث \"خطبته\" العصماء بصورة مباشرة إن كان واثقا من نفسه ومن قدراته العلمية ولماذا الخوف والتحفظ إن لم يكن في المحاضرة ما يثير الريبة أو كانت ضد السياقات المعمول بها أم هي مسألة مزاجات وكيفيات أو إن المنبر قد تحول الى دكاكين مسيسة في عصر الفضاء تحت يافطة الحسين ؟؟ او تحول المنبر الى معسكر تعبوي لتحشيد الناس في وقت لا يعرف فيه اغلب الناس (كما هو الآن) الاصول ولا الفروع ولايميزون مابين الحلال والحرام ومازالت عقولهم \"محششة\" بمفاهيم مثل العصمة الصغرى وهم لم تتوضح عندهم بعد مفهوم العصمة الكبرى ؟؟!!! لتلتبس عندهم الأصول بالفروع والواجبات والمستحبات، علما إن هكذا محاضرات لو جلس الناس تحت منابرها قرونا لا يخرجون منها بشيء مفيد سوى البكائيات والقصص المستقاة اغلبها من \"بحار الأنوار\" في حين ما تزال محاضرات المرحوم الدكتور الوائلي تحظى باحترام الجميع (الشيعة والسنة) أما الشيعة فعلى اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم مازالت تنهل من نمير مدرسته الفريدة في الخطابة وهذا هو الفرق مابين المدرسة والدكان وما بين التوجه العلمي وبين التوجه المشخصن !!! وشتان مابين من يستثمر الحسين للتوجيه والتعليم وما بين من يكون الحسين لعقا على ألسنتهم يدورون معه ما درَّت عليهم معائشهم .
إعلامي وكاتب عراقي [email protected]
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!