وهي ليست بجديدة على الساحة العراقية ،إذ دخلت الوزارات والدوائر والمؤسسات العراقية منذ سنين طوال ولكنها تتاطر في كل مرحلة زمنية والنظام الحاكم وسياساته المتبعة ، ففي زمن النظام السابق وسياسة الاستبداد المتبعة كان اغلب المسؤولين والمدراء العامين والوزراء من أبناء عشيرة الرئيس أو إخوته او ضمن الحزب الحاكم بمعنى انهم وزراء سياسيين وليسو تكنو قراط ،وكان اغلب هؤلاء ان لم نقل أكثرهم يمتلكون حصانة حكومية ضد ابناء الشعب ووسائل الاعلام الذي هو بالتالي اعلام الرئيس وحزبه الحاكم لذلك كان من الصعب بمكان ان يُنتقد أي مسؤول او يُحاجج الا من خلال الدرجات الاعلى خاصة وان البرلمان حينها كان عبارة عن صورة ورقية أمام العالم يصفق لاي قرار يتخذه الرئيس الذي تنتهي عنده كل الصلاحيات الاخرى مما ولد فوبيا لدى عامة الناس بالمصير المحتوم في السجون والمعتقلات في حالة التفوه بكلمة ،مما جعل ثروات الشعب عرضة للاختلاس والنهب لأهواء الرئيس وزبانيته المقربين تباعا إلا نزرا يسيرا من تلك الثروة الطائلة يذهب ببركات القائد إلى الشعب ويعد حينها مكرمة يجب التمجيد بها من قبل الجميع ...
وازدادت هذه الهوة بين المسؤول والمواطن لتصل الى اعلى درجاتها في فترة التسعينيات من القرن الماضي ودخول العراق في غياهب الحصار الاقتصادي المشؤوم واعطاء صلاحيات أوسع للمسؤول ليس الهدف منها كسر البيروقراطية التي تتعامل بها الدوائر الحكومية ومازالت ،بل لزيادة الروتين المتبع حتى تتعطل المصالح وتكثر الرشوة شريطة ان لا تنتبه إليك العيون المنتشرة وحسب التسلسلات الوظيفية وصولا الى أعلاها والمنتهية بالحاكم الديموغاجي ..
وبعد إن ولت تلك الحقبة (وتصور العراقيون أنهم تخلصوا من براثنها وهمومها الطويلة المرهقة من أعمارهم بقدرة قادر ناسين وراءهم أنها أصبحت إلى حد ما سايكلوجية وانطباعا يجب التثقيف على التخلص منه لان رأس النظام حينها كان يعد أجيالا وأجيال لهذه الأيام ،ناسين ايضا كلام الله عز وجل [انَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ] ) تطورت هذه السياسة كثيرا وبما يتلاءم وضرورات المرحلة بما يتناغم وعصر الانتخابات والديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي بالطرق والوسائل كافة من المظاهرات الى الكتابة والنقد عبر وسائل الاعلام المختلفة من صحف ومجلات وفضائيات ومواقع الانترنت التي ازدادت أعدادها مع الوعود الكثيرة والأمنيات وتنوع الاحزاب خاصة مع توفر الأرضية الخصبة والملائمة لانمائها فما ان فكر وزير ما بمشروع حتى صرح لوسائل الإعلام او اتخذ المدير العام في تلك المؤسسة خطوة ما الا واعلنها عبر وسائل الاعلام التي جميعها تتحدث وللغرابة عن معاناة المواطنين من سوء الخدمات المقدمة ورداءة البنية التحتية التي لاعتقد ان أي عراقي يتمنى في الوقت الراهن تحقيق أكثر منها ،والتي يسمعها الوزير او المسؤول المعني والبعض الكثير يوليها الإذن الطرشاء باعتبار عدة أشياء أولها غياب الرقابة الحكومية وان وجدت فستجابه بعدة عراقيل ،والأدوات المطبقة للقانون الذي هو بدوره أصبح الان يُصيّر بحسب المصالح الحزبية والفئوية وهناك عشرات القوانين مثال في هذا الباب وكذلك علاقات الحزب الواحد من جهة والأحزاب الأخرى من جهة أخرى التي بدورها تحد من مواجهة أي مسؤول متهم بقضية فساد لان كل جهة لديها على الجهات الاخرى عدة قضايا فاذا اثيرت واحدة ستثار قضايا اخرى الامر الذي يحبط بدوره أي عملية استجواب داخل قبة البرلمان الذي من المفروض ان يكون دوره رقابيا ويفشلها (وشاهد الحديث انتهاء قضية وزير التجارة بقبول استقالته وحفظ كافة حقوقه وفق القانون الموضوع لهذا الغرض واحباط وعرقلة عملية استجواب الوزراء من خلال لجنة مشتركة بين الحكومة والبرلمان التي ستقرر في حالة النية باستجواب أي وزير من هذه الجهة او تلك )وفق المحاصصة التي اسست ورسمت من خلالها العملية السياسية الحالية والمستقبلية كون ان قانون الانتخابات المقبل سيصير باعتقادي للحفاظ على المكتسبات المتحققة ولكل الجهات الموجودة ألان على الساحة كي تبقى في مكانها مع تغيير بسيط في صورة الشيء وليس في جوهره ..
تحضرني مقولة تفيد ان المال السائب يعلم السرقة،وبما ان أي مسؤول حكومي بكافة درجاته هو بالتالي يعمل في خدمة الشعب فان السكوت على أي حالة فساد إداري ومالي في أي مؤسسة أو وزارة مع غياب الدور الرقابي سيؤدي الى استشراء تلك الآفة وذلك السرطان في جسد الشعب واي شعب ذلك الذي يسكن في الظل ويراقب من بعيد ويستنكر بصوت منخفض وينتظر هبات سماوية لتغيير واقعه الفعلي..
آخر تجربة تستحق التأمل هي الثورة المخملية في إيران والمظاهرات التي جابت شوارعها بمشاركة النساء للمطالبة بأصواتهم التي أحسوا أنها ألغيت رغم علمهم المسبق بعاقبة الامور من استخدام الهراوات والزج في السجون مقارنة بما هو موجود الان على الساحة العراقية وتوفر الفسحة الديمقراطية للتعبير عن الرأي والمطالبة بحقوق الشعب بطرق حضارية سلمية بعيدة عن لغة التعصب وحمل السلاح والذي تهدر فيه الحقوق ولا تصان الكرامات،فإلى أي مدى يطول السكوت على هذه الامور !!! لانعلم ..