- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الاعلام العربي واشكالية المشهد العر اقي
انه ليس سقوطا اعلاميا على المستوى المهني بقدر ماهو سقوط قيمي اخلاقي وحضاري وكتحليل لوجهة نظر الاعلام والرأي العام العراقيين فان الإعلام العربي ومعه الرأي العام العربي قد عكس اتجاهين متقاربين ، مايخص الخطاب السياسي العام والنخب السلطوية المتنفذة والمتصدرة سياسيا واعلاميا من جهة والثاني عكس وجهة النظر الشعبوية وامتداداتها الشوارعية على طول التضاريس الديموغرافية العربية في ما يسمى في الاصطلاح العروبي القومجي ب\"الامة\" العربية المؤلفة لمنظومة البلدان الناطقة باللغة العربية..
وهذان الاتجاهان تأرجحا مابين السلبية المفرطة كرد فعل عكسي تجاه الاحداث العراقية وبصيغ استفزازية ونمطية دوغمائية مؤدلجة ومبيتة ومابين الاستغفال المتعمد تجاه مآلات تلك الاحداث وكنتيجة متوقعة لها ولذلك كان رد الفعل العراقي على المستويين الشعبي والرسمي ( يضاف اليه النخبوي) كان لا يخلو من الدهشة الممتعضة والالم الممض وبدرجة عالية من الاحباط المصاحب لاكثر من علامة استفهام مازالت لحد الان تبحث عن اكثر من جواب وتوضيح يبرر الموقف الاعلامي العربي السلبي الجارح للوجدان العراقي المرتبط بميكانيكية عضوية وهوية متجذرة مع محيطه العربي والاقليمي وقد غدا هذا الترابط ألان كما يبدو اكثر رخاوة وهشاشة وانسلاخا من المتوقع يستشف ذلك من النتائج المترتبة عن التعاطي غير المسؤول تجاه القضايا المطروحة على الساحة العراقية وكنموذج حي مازال يستهلم المؤسسات الاعلامية العربية فضلا عن الرأي العام العربي مسألة اعدام صدام حسين وما رافقها من اشكاليات متعددة اثارت حفيظة الانسان العراقي ودهشته ناهيك عن جميع تفاصيل المشهد العراقي الساخنة والمؤلمة ...
وكمستوى حضاري ومعرفي لم يكن الاعلام العربي في مستوى الوعي القومي المطلوب الذي يؤهله لتفهم الواقع العراقي وحيثياته ولم يكن كذلك بالمستوى الاخلاقي والانساني القيمي المطلوب والذي يؤهله للتفاعل مع الاحداث العراقية من منظور مهني وانساني وباعتبار ترابطية المشهد العراقي مع الواقع العربي وتاثيره وتاثره فيه ومعه سلبا وايجابا وهو ايضا جزء من سلسلة مترابطات مكونة للمناخ العام الجيوسياسي لمنطقة الشرق الاوسط ولا يجوز بأي شكل من الاشكال فصل او إقصاء الشأن العراقي عن بيئته العربية والاقليمية من خلال التفاعل معه بهذه السلبية الموغلة في التوحش او تفسيره تفسيرا مبتسرا او مشوها ولأغراض سياسية وطائفية شتى ..
ومن ناحية اخرى لم يكن الاعلام العراقي بدوره فاعلا في طرح وجهة نظر الشارع العراقي كحد ادنى من الطرح العملي وتوضيح مشروعية هذا الطرح بشكل مهني بعيد عن الارتجال والانفعال مما شكل اخفاقا \"واضحا\" في اقناع الرأي العام العربي بمظلومية الشعب العراقي الذي عانى اكثر من غيره من سطوة الاستبداد والتسلط الشمولي الذي دمر العراق وجودا وحضارة وبنى تحتية وانسانا ومرتكزات اجتماعية واخلاقية واوصل العراق الى حاله المازوم بكل افرازاته الخطيرة ، كما اخفق الإعلام العراقي في توضيح احقية الشعب العراقي في اختياراته عبر تمتعه بممارسة الديمقراطية واختيار مؤسساته السلطوية بملء ارادته ..ان اسباب القصور في الطرح الاعلامي العراقي كثيرة نذكر منها :
ان تاثير الاجهزة الاعلامية (الدعاية والنشر والتوجيه والتسويق الاعلامي وغيرها ) للنظام السابق كان كبيرا جدا في جذب التعاطف \"القومي\" بسبب مركزية وشمولية الماكنة الاعلامية الصدامية ذات الامتدادات الاخطبوطية ليس في الخطاب الاعلامي الموجه وانما في التمويل المبرمج وعقد الصفقات من وراء الكواليس وتوزيع الهبات والهدايا لجعل الانسان العربي مشدودا الى بغداد دائما انشدادا قطيعيا وبادلجة قومجية وطائفية ان اقتضت الضرورة في لحظتها الديكتاتورية وقد كان هذا التعاطف مصلحيا نفعيا متناغما في الوقت نفسه مع الطرح القومجي العروبي الطائفي المتأسس في مخيلة الشارع العربي وغير المنفك عنها اضافة الى تمكن ذلك النظام من طرح رؤاه وافكاره وتلميع صورته وتسويق ايدولوجيته وفرض نفسه بكل الوسائل حتى اللاأخلاقية منها والتي لا تبتعد عن اكثر الصور الميكافيلية سلبية ليخرج الرأي العام العربي ـ وكذلك العالمي ـ بتصور ايجابي عن النظام بغض النظر عن اي تصور معاكس ينبع من الشارع العراقي ..وايضا فان الاعلام العراقي لم يتجاوز في بعض مفاصله الحدود والحواجز الفئوية الضيقة والتي تجعل منه متقوقعا داخل دائرة ضيقة الافق فكان الخطاب الاعلامي في احسن احواله يعتمد على مبدأ الدفاع اكثر من اعتماده على التوجيه المباشر المقنع والذي يستمد قوته في الاقناع من قوة مبدئيته ووطنيته ومصداقيته لذا نجد وبعد عقود طويلة من الديكتاتورية المقيتة ان الغالبية العظمى من الشارع العربي مازال متعاطفا مع ذالك النظام وغير متقبل اطلاقا لاية فكرة اخرى مناقضة حتى وان كانت تصب في مصلحة العراق وشعبه، وهذا ما انعكس وتردد في قنوات الاعلام العربية وفي اشكالها كافة ويتجلى كل ذلك بوضوح اكثر بالتعاطف العربي الشامل مع ما يسمى ب\"المقاومة\" التي تذبح العراقيين باسم مناهضة المحتل و\"تحرير\" الوطن من الاحتلال ومن \"اذنابه\" او التعاطف مع الجهات التي وجدت نفسها بعد سقوط رمزها الطائفي وصنمها الذي تهاوى في مزابل التاريخ، أنها خارج المعادلة السياسية التي كانت تدير دفتها لعقود ..
كما ان السلفية الاصولية التكفيرية اصبح لها امتداد شعبوي اخر غير الامتداد العقائدي الذي يستند اليه طرحها الايدولوجي متمثلا في الزخم الاعلامي الموجه والتأييد المعلن (خاصة في القنوات الفضائية الموجهة) لكل ما يمس حياة العراقيين وكرامتهم ولنفس الاسباب آنفة الذكر..
ان الاعلام العربي ذاته الذي ورط نفسه وبشكل سلبي ضد الشعب العراقي بتكاتفه وتضامنه مع النظام السابق عندما كانت موازين القوى المحلية والاقليمية والدولية في صالحه وعندما كانت \"النوايا\" والمصالح متواشجة ضمن إستراتيجية الخطاب الاعلامي العربي او ضمن مبدئية الاعلام العربي المتناسق مع عموم الموقف العربي سلطة كان ام شارعا، فإن هذا الاعلام يعيد كرته في التورط السابق ومع الشأن العراقي ذاته وبالشكل السلبي نفسه يضاف اليه تكالب بعض الجهات الاعلامية المحلية المغرضة وانسياقها معه وفي نفس الخندق وان كانت هذه الجهات جزءا من منظومات سياسية تتفق او (تمول) مع اجندات محلية مشبوهة لذا يجب ان يكون الاعلام العراقي اكثر تناسقا وفاعلية من تلك الابواق الي اعتادت الارتزاق على فتات الموائد السلطانية والتي لا تحب ولم تحب يوما ان يعيش العراق بخير وياخذ دوره الطليعي في المنطقة والعالم .. كاتب واعلامي