لرعاية الأيتام آثار وضعية دنيوية، وللإساءة إليهم مثلها إذ كل شخص في هذه الحياة عرضة إلى الموت وأبناءه معرضون إلى اليتم في كل لحظة، فكل واحد منا مدعو لتقوى الله في الأيتام ليسخر الله تعالى غيره في أيتامه.
وليعلم الجميع إن رعايتهم والأخذ بأيديهم له الآثار الوضعية أيضاً فالله لا ينسى تلك الأيادي البيضاء على هؤلاء المقطوعين الذين لف كفيلهم رداء الموت.
وقد عرض القرآن الكريم نماذج من هذا النحو من الرعاية المتقابلة فقال تعالى: وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ.. [الكهف : 82].
لقد حفظ الله ورعى لأب هذين اليتيمين جزاء صلاحه فأكرم يتيميه، حيث قيظ لهما من بنى لهما الجدار الذي ذخر الكنز لهما تحته ريثما يبلغا أشدهما، ويستخرجا كنزهما كل ذلك رحمة من ربك، ومعاملة حسنة بالمقايضة والمقابلة.
عودا على بدء هناك بعض الإحصائيات تشير إلى وجود ثلاثة ملايين يتيم وأكثر من مليون أرملة في العراق، فإن قضية الأرامل واليتامى وما يتحتم علينا جميعا مساعدتهم والنهوض بواقعهم وعلى كافة الأصعدة، وهذا العمل يصب في صميم قضية الإصلاح وإسداء الخير والمعاشرة بالمعروف في المجتمع، قال عز وجل: ( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ) (البقرة: من الآية220)، لقد ولت حقب البؤس والحرمان الذي كان يلفهم بعد سقوط الديكتاتورية التي هي أس المشكلة، فعلى النظام الديمقراطي وهو أس الصلاح والإصلاح يقع قصب السبق في انتشالهم من واقعهم المتردي الذي يعيشون فيه.
رعاية الأرامل والأيتام مسؤولية وطنية وأخلاقية ملقاة على عاتق جميع المسؤولين وكل من له القدرة على رعاية هذا العدد الكبير من الأرامل والأيتام.. علما إن هناك أموالا طائلة تصرف كإعانات ورواتب لهؤلاء ولكنها بحاجة إلى شفافية وترشيد، كما إن نفس الحاجة المادية وقضاءها بالطريقة التي نشاهدها وما يصاحبها من استخفاف في الدوائر المعنية، قد يعرّض أحيانا الأرامل والأيتام إلى هدر الكرامة والاهانة والإذلال وهذا على خلاف المخالطة الأخوية التي أوصانا بها القرآن الكريم.
لذلك لابد من وضع آلية توفر لهؤلاء الحصول على المال ولو كان بسيطا يسد الحاجات الأساسية لهم بعزة وكرامة ومن ذلك إدخال الذين يتمتعون بمؤهلات جسمية وعقلية سليمة منهم في دورات لتعلم بعض المهن حتى يتمكنوا من العيش الكريم منها.
وكذلك بالنسبة للأيتام فمع فقدهم للرعاية الأبوية التي تحرمهم من الرعاية النفسية والعلمية والأخلاقية فلا بد من وضع آلية لرعايتهم فيها، ومن دون ذلك سيكونون عرضة للضياع والانحراف وفريسة للنفوس المريضة التي تحاول استغلالهم.
وهذه الظاهرة إذا لم توضع لها حلولا ناجعة حاضرا بالمساعدات العاجلة ومستقبلا بالمشاريع الاقتصادية والتربوية، ستشكل خطرا اجتماعيا في مستقبل العراق وتؤدي إلى تضييع طاقات الملايين من أبناء هذا البلد، بل ربما سيكون البعض منهم عامل تخريب وهدم في البناء الاجتماعي للمجتمع العراقي..
فنحن نتأرجح بين الرحمة الإلهية التي تتمثل برعاية الأيتام وبين السخط الإلهي الذي يتجلى بالإساءة إليهم، فأيهما نختار؟!