لم تمر في العراق طيلة العهود السابقة حالة من الفساد المالي والاداري مثلما هي عليه الان حسبما وصفه الباحثون واصحاب الاختصاص ولاينكر ان الفساد الاداري
كان موجودا في جميع الانظمة السابقة لكنه لم يصل لدرجة الذروة مثلما اصبح عليه بعدعام 2003 .
حيث اتخذ الفساد المالي في الدولة انماطا متعددة كان في مقدمتها الاعتداء على المال العام ونهب ممتلكات الدولة وخزينها الاحتياطي من المواد المختلفة .. واتقان عملية النصب والاحتيال والتزوير .. وابداع الموظفين في التلاعب بالقوانين واستغلال البعض منهم لجهات مسؤولة وحزبية للتستر في خيمتها والاحتماء بظلها من محاسبة القانون .
وقد انتجت تلك الظواهر السلبية شريحة اجتماعية فاسدة سلكت طريق الفساد المالي والاداري واتخذت من العنف وسيلة لها من اجل تخريب الاسس التربوية الصالحة التي كان المفروض ان تبنى عليها الدولة الحديثة فالظاهر ان العناصر الفاسدة في العهد السابق قد استغلت غياب القانون بعد سقوط النظام عام 2003 فازداد نشاطها في التعامل بالرشوة علنا وامتدت يدها لاختلاس اموال الدولة وهذا ما شجع الاخرين لانتهاج ذلك السلوك الشائن بعد ان لمسوا انه ليس هناك من حساب او عقاب لردع المفسدين ونتيجة لتلك الحالة السلبية فقد نمت الرشوة وتسعت بين مجاميع كبيرة من الموظفين في دوائر مختلفة عمدت على استغلال المواطنين عند قضاء حاجاتهم ولا يتم ذلك الا بدفع مبالغ باهظة لقاء انجازالمعاملات في التعيين اوالاعادة للوظيفة او شطب الضرائب المستحقة.. اوالمساعدة على تهريب الاموال.. او تزوير الشهادات الدراسية.. وامور كثيرة اخرى يحتاجها المواطن في حياته ولا يستطيع تحقيقها الا بدفع الرشوة ..!
والمعروف ان الموظف الذي تمتد يده لطلب الرشوة من الاخرين دون حياء فلايعتمد في بناء دولة حضارية متطورة وكان باستطاعته ايضا مد يده لسرقة المال العام متى سنحت له الفرصة.
وفي فترة ضعف الحكومة بعد عام 2003 نرى ان جميع الايدي القذرة قد تعاونت على نهب اموال العراق في ظل حكم الاحتلال الذي كانت قواته تغض الطرف عن السراق والفاسدين عندما يفتحون مخازن الدولة ويسرقون موجوداتها امام الانظار..!
وقد شجعت تلك الحالة على نمو العصابات الاجرامية في السرقة والعنف.. وقد عانى الشعب العراقي منها الكثير وماا زالت ترسباتها عالقة في حياته حتى اليوم.
ان ظاهرة الفساد المالي التي انتشرت في العراق اخيراً تحتاج لدراسة نفسية ومعالجة اجتماعية لغرض القضاء عليها.. فليس في القوة وحدها نستطيع القضاء على الفساد بل يستوجب الاستعانة برأي اصحاب الاختصاص من التربويين في علم النفس.. والمصلحين من رجال القانون.. والواعين من رجال الدين.. وقيادات الاحزاب الوطنية وهيئات النزاهة.. ومنظمات المجتمع المدني.. ومكاتب الرقابة المالية.. ومجلس القضاء والمحاكم المختصة.. ففي تعاون هذه الكيانات الواعية يستطيع العراق القضاء على آفة الفساد الخطيرة التي عششت بمفاصل الدولة خلال تلك السنين التي اعقبت سقوط النظام السابق، كما ان للحكومة دوراً كبيراً ايضا في مكافحة الفساد والرشوة وذلك بتفعيل القوانين الرادعة وعدم ترك الحبل على الغارب لفترات طويلة مثلما يحدث الان في عدم متابعة المختلسين لاموال الدولة وتركهم يعيشون بامان واستقرار في دول الجوار وفي دول اخرى من العالم وقد نهبوا المليارات عندما كانوا في موقع المسؤولية، فاين دور الحكومة.. واين دور القضاء..؟ وما هو موقف الانتربول من اولئك اللصوص..؟
ومن عوامل التشجيع على فساد الموظفين ايضا موقف بعض الوزارات في حماية الموظف الذي يشار اليه بالفساد من قبل لجنة النزاهة، حيث يتمسك الوزير بالموظف المعني بالفساد محاولا تبرئته من التهمة المسندة اليه وعدم موافقته على احالته للقضاء. وقد شكت لجنة النزاهة اكثر من مرة في وسائل الاعلام من موقف بعض الوزراء الذين لا يتعاونون معها في حالات الفساد او القبض على الفاسدين وعزت ذلك لاسباب طائفية او حزبية او لحاجة في قلب يعقوب..!
ان مكافحة الفساد المالي لا تحتاج للتعامل بالعواطف الشفافة وانما تحتاج لتطبيق القانون بحزم بحق المفسدين جميعا مهما كانت وظائفهم وقومياتهم واحزابهم السياسية.. فالمال العالم ليس ملكا للوزير الفلاني وليس من حقه ان يهديه لمن يشاء بل هو ملك الشعب وان حمايته واجب وطني مفروض على الجميع.
أقرأ ايضاً
- الذكاء الاصطناعي الثورة القادمة في مكافحة الفساد
- مواجهة الخطر قبل وصوله
- كيف حارب السنغافوريون الفساد؟