من غرائب المشهد العراقي التناقض الفادح بين ما يصدر عن النخب السياسية والثقافية من دعوات لبناء ”دولة عراقية حديثة تستند في مقوماتها على القانون والمؤسسات وقيم الحرية والديمقراطية والتعددية والحداثة “
وبين ما يتجلى عن ادائهم وممارساتهم من ثقافة لا تدل سوى كونهم لا ينتمون لثقافة الدولة الحديثة وقيمها، و انهم ما زالوا تحت مؤثرات الثقافة الشمولية وفلسفتها الرعوية.
لذلك نرى في الوقت الذي تمارس النخب السياسية فرض هيمنتها على جميع المستويات، ومن منطلق ثقافة ”الكارزما “ ببعديها السياسي والاجتماعي كونهم يمثلون ”الراعي “!!!، نرى استجابة غريبة!! لهذه التسويقات من قبل غير قليل من النخبة المثقفة التي غادرت مكانتها، وانضوت طواعية تحت مظلة مفهوم ”الرعية “!!، ناسين او متناسين ما يجب ان يكون عليه دورهم كفئة واعية من المجتمع، لا يمكن لاية دولة ان تنهض من دون مساهمتها الفاعلة.
ولعل في تعاطي بعض المثقفين مع ما تردد من اخبار حول رغبة الحكومة في منح مبالغ مالية للمثقفين بواسطة احد وزاراتها المعنية وعن طريق احد التجمعات الثقافية، ما يؤكد صحة كلامنا، حيث لم يعترض ومن منطلق ضرورة ”مأسسة الاجراء “ الا القليل، اما الاكثرية من المعترضين فكان موضع الاعتراض عندهم حصرياً في حجم المبالغ المقدمة كهبة ولا غير ذلك.
ان اجراء يتعلق بضمان حياة شريحة المثقفين لا بد له ان ينبثق وفق مضامين وقيم الثقافة الجديدة، والا يصار الى اعادة انتاج ثقافة النظام المباد بأردية جديدة، من خلال ترويج منظومته المفاهيمية من (مكرمة، هبة، التماس، رعاية، منحة.. الخ) من مفردات ذات دلالة تتفق وثنائية ”الراعي- والرعية “ والتي ربما يستلزم عنها فيما بعد ثنائية ”العصا- المزمار “ حيث يتم احتواء المثقف طواعية او جبرياً وفق مبدأ ”البعث الاثير “ الترغيب- والترهيب.
اننا في الوقت الذي نؤيد وندعم كل ما من شأنه ان يرفع المستوى المعيشي للمثقفين ويوفر لهم الحياة المناسبة، لكننا نرى ضرورة لأن يرسخ اي اجراء من هذا القبيل عبر صيغة قانونية- مؤسساتية تشريعاً وتنفيذاً لحفظ كرامة المثقف بعيداً عن ثقافة الانتماء والولاء وما يترتب عليهما من نتائج تهدد الطاقات وتنفي الابداع.. وكذلك يجب ان تكون الاجراءات خارج اطار ”الشخصنة “ وتأخذ بعداً ادارياً وقيمياً لا ترتبط ديمومته واستمراريته بهذا الطرف او ذاك.
كما يجب ان يحتوي اي تشريع على جميع الضمانات لمستقبل المثقف العراقي، وكأنه موظف في الدولة، حيث يحق له الحصول على الخدمات الصحية والسكن كما يكون لأسرته راتب تقاعدي.
واخيراً ولغرض ترسيخ مفهوم ”التعددية “ يجب ان تعتمد بيانات لجهات عديدة تحدد بموجبها اسماء المثقفين.لا تكون حصرياً لجهة ربما ليس بالضرورة تكون ممثلة لهم جميعاً.
أقرأ ايضاً
- الأحداث المتشردون.. ثنائية الضحايا والجنوح
- صمت الراعي يسكت الغربان أيمن حسين أنموذجاً
- معاهدة ثنائية بين طهران وواشنطن إنقاذاً للإتفاق النووي