تتعرض اية دولة من دول العالم لحوادث مفجعة؛ قد تكون من صنع البشر او بسبب ظواهر طبيعية، الامر الذي يحتم على الجهات الحكومية المعنية في الدول المنكوبة تشكيل لجان تحقيق تتناسب مع مستوى الاحداث وحجمها وذلك للوقوف على ملابسات واسباب الكارثة.
وفي العادة تكشف تلك اللجان المعلومات التي تحصل عليها والنتائج التي تتوصل اليها امام الجهات الرسمية المعنية، كما يُصار الى كشفها لوسائل الاعلام والرأي العام لتوضيح الحقائق وملابساتها الى اكبر شريحة اجتماعية تهمها نتائج تلك التحقيقات، وكلما كبر الحدث كلما دعت الحاجة الى كشف ملابساته امام الرأي العام. لان الحوادث التي يتسبب بها البشر كثيرة، لذا كثرت في الآونة الاخيرة في العراق اللجان التحقيقية الى درجة لا يكاد يمر يوم الا وسمعنا بقافلة تتوجه الى منطقة ما لتحقق في حدث او تتابع معوقاً ما، لكن النتيجة الطبيعية لها ان يلفها النسيان او التعتيم الكامل بدون اية نتيجة معروفة عما توصلت اليه او توصياتها، لاسيما عندما تزهق فيه الارواح وتغتصب فيه الحقوق.
ولا نريد ان نذهب كثيرا، فلنعد الى الوراء قليلا لنستجلب من الذاكرة الحادثة الاليمة التي وقعت في جسر الائمة والاعداد الهائلة التي راحت فيها، وما تلتها من قتل الارواح وتدمير الممتلكات في حديثة وكربلاء والموصل، والى غير ذلك.
فما هي النتيجة، ومن هو المسؤول ؟ هل كانت القاعدة وراء كل ذلك؟ ولتكن كذلك وهذه قناعة الكثيرين ولكن بمساعدة من؟ ومن هو المستفيد؟ لقد كانت النتيجة في اكثر اللجان التي شكلت واحدة تقريبا وهي وجود اجندة خارجية وامتدادات داخلية بدون ان نفهم من هو الخارج ومن الداخل؟ هذا فيما لو تكلمت اللجان اصلا. اما الاسباب التي اودعت اكثر نتائج التحقيق في دهاليز مظلمة، تمثلت باشكال مختلفة كان من اهمها فقدان سلطة القانون وطبيعة تشكيل تلك اللجان والتي كان معظمها من الفرقاء السياسيين او غير المهنيين وخضوعهم الى آراء كتلهم او الضغوط السياسية المتقابلة. وقد تنساق اسباب اخرى من قلة الخبرة او عدم الكفاءة في قيادة اللجان والتلكؤ في الحصول على النتائج الدقيقة او عدم الكشف عنها.
ويرى البعض بان قضية تشكيل اللجان لا تتعدى متطلبات المرحلة المبنية على التوافق او التراضي بقاعدة (المقايضة) ولعلها وردت ضمن المفاهيم الجديدة التي صُدرت للبلاد مع الكثير من المفاهيم الاخرى، التي اقتبست دون العمل بمضمونها الحقيقي.
وعلى ذلك يمكن القول بان هذه اللجان بصيغها الحالية هي زيادة في المظلومية لاكثر من طرف: الاول هو الجهة المتضررة من الحادث الاصلي والذي سيفقد الامل بالحصول على حقوقه، والآخر هو الطرف الباذل للجهد في التحقيق والبحث عن الحقيقة حيث تذهب جهوده بعد ذلك ادراج الرياح نتيجة المصالح السياسية التي ما تركت واديا الا سلكته، وهي في حقيقة الامر ثقافة خطيرة وسلوك بشع فيما لو استمرت على هذا الديدن في التعامل مع باقي الاحداث المستقبلية.
ومن هنا نرى بان موضوع تشكيل اللجان التحقيقية ومتابعة اعمالها واعلان نتائجها هي من الموضوعات التي يمكن ان تثبت دولة القانون وترسخ مفهوم العدالة على الجميع.
ولمعالجة هذه المشكلة يمكن التوقف عند هذه الاقتراحات:
1. ايجاد اساس قانوني لتلك اللجان يكون ارتباطها بالجهات القضائية وبالتنسيق مع الاجهزة التنفيذية، وتتحرك وفق ضوابط قانونية وبرئاسة محققين اكفاء وحسب الاختصاص.
2. وضع نظام داخلي خاص لكل لجنة وكيفية رئاستها ووضع فترات زمنية لكل عمل وآلية اعلان النتائج.
3. اشراك اعضاء ومندوبين عن وزارة حقوق الانسان والجمعيات الانسانية الدولية في الحوادث المهمة والتي تكون فيها حساسية عالية في الوضع السياسي والامني.
4. اعلان نتائج التحقيق في مساحات اعلامية خاصة وعلى جميع الاصعدة الاعلامية المرئية والمسموعة، وبيان المقصر مهما كانت جهته.
5. التناوب في رئاسة اللجان في كل حادثة ورفع التقارير النهائية الى ثلاثة محاور القضائية والتشريعية والتنفيذية.
6. ابعاد اعضاء اللجان بصورة كاملة عن اية جهة حزبية او سياسية واستخدام العنصر المهني المستقل استقلالا كليا.
7. وضع حصانة خاصة لاعضاء اللجان وفق القانون خلال فترة عملهم لضمان حمايتهم واعطائهم مساحة اوسع للتحرك.