- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الحسين عليه السلام يلجم فم الناصبي ابن الازرق (3)
ملاحظة مهمة أود التنويه إليها إن ما اذكره من روايات عن الإمام الحسين عليه السلام هي موثّقة لدى السنة والشيعة ومصدر رواياتي يكون من كتب السنة أكثر مما هو من الشيعة ولا اذكر سند الرواية اختصارا للكلام حتى أركّز على القصد الذي اريد توضيحه من هذه الروايات .
رواية هذا المقال من كتاب تاريخ دمشق تقول الرواية :
عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : دخل نافع بن الأزرق المسجد الحرام ، والحسين بن علي مع عبد الله بن عباس جالسان في الحجر ، فجلس إليهما ثم قال : يا ابن عباس ! صف لي إلهك الذي تعبده ! فأطرق ابن عباس طويلا مستبطئا بقوله ، فقال له الحسين : إلي ، يا ابن الأزرق ! المتورط في الضلالة ، المرتكن في الجهالة ، أجيبك عما سألت عنه .
فقال : ما إياك سألت ، فتجيبني .
فقال له ابن عباس : مه عن ابن رسول الله فإنه من أهل بيت النبوة ، ومعه من [ معدن ] الحكمة ! فقال له : صف لي .
فقال له : أصفه بما وصف به نفسه ، وأعرفه بما عرف به نفسه ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ؛ قريب غير ملتزق ، وبعيد غير منتقص ، يوحد ولا يتبعض ، لا إله إلا هو الكبير المتعال . فبكى ابن الأزرق بكاء شديدا .
فقال له الحسين : ما يبكيك ؟ قال : بكيت من حسن وصفك .
قال : يا ابن الأزرق ! إني أُخبرت أنك تُكفّر أبي وأخي وتُكفّرني ؟ ! قال له نافع : لئن قلت ذاك لقد كنتم الحكام ، ومعالم الإسلام ، فلما بدلتم استبدلنا بكم .
فقال له الحسين : يا ابن الأزرق ! أسئلك عن مسألة ؟ فأجبني عن قول الله لا إله إلا هو : ( وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما ) إلى قوله : ( كنزهما ) من حفظ فيهما ؟ [ قال : أبوهما ] ، قال : فأيهما أفضل ، أبويهما ، أم رسول الله وفاطمة ؟ قال : لا ، بل رسول الله وفاطمة بنت رسول الله .
ثم قال ابن الازرق : قد نبأنا الله عنكم معشر قريش أنتم قوم خصمون .
الابعاد والتوضيح
مما لاشك فيه هنالك امور واضحة للقاريء الكريم من خلال قرائته هذه الرواية منها بلاغة الامام الحسين عليه السلام في وصف الله عز وجل مع الايجاز والتي هزت قلب الناصبي ابن الازرق فابكاه والمعلوم عن الحسين هو الوحيد الذي ابكى كل مخلوقات الله في يوم استشهاده اما بقية المداليل للرواية فهي :
اولا : بالرغم من كبر سنه وعلمية ابن عباس (رض ) الا انه اقر بما يحمل الحسين عليه السلام من علم عن ابيه وجده عن الله عز وجل، ونَهَرَ ابن الازرق الذي رفض ابتداءا ان يكون المجيب الحسين عليه السلام
ثانيا : الائمة ( ع) معروفون في روائعهم الوصفية لله عز وجل لهذا سوف لا اعقب على مقطوعة الحسين الرائعة في وصف الله عز و جل .
ثالثا : وهذا هو المهم نلاحظ انه حال اجابة الحسين عليه السلام على سؤال ابن الازرق اعقبه بجملة خبرية رائعة تدل على الاستفهام والاستنكار يبغي منها الدفاع عن حقه وحق ابيه واخيه وفي نفس الوقت يقحمه بالحجة البالغة لاستبيان منزلتهم وكذلك تكون معلومة لمن جهل حق اهل الكساء ، وكان ذلك عندما اخبرالامام الحسين (ع) ابن الازرق عن علمه بتكفيره له ولاخيه وابيه
رابعا : بعد ان رد ابن الازرق على قول الامام الحسين (ع) فكان رده وضيع وركيك ولا حجة له فيما ادعى، نلاحظ بُعد نظر الامام الحسين عليه السلام في الرد على رده هذا بانه ما طلب منه الدليل على تكفيره حتى لا يتغير منحى الحديث وسيطول الكلام طالما يعلم الامام ان الذي امامه معاند بدليل نهاية الرواية بل ساله سؤال اقحمه وسد عليه كل منافذ العناد الذي يتوقعه منه الامام فكان السؤال من القران الذي لا خلاف فيه بينهم حتى لا يدعي ان كلامه من عنده وكذلك روعة استدلال الامام بان الاية محكمة وليست متشابهة حتى تقبل التاويل والاروع من هذا وذاك طلب الامام من ابن الازرق تفسير الاية حتى يستدل من كلامه على رده ،
خامسا :دقة اختيار الاية في الحوار من قبل الامام الحسين عليه السلام وجعل كلمة غلامين مطابقة للحسن والحسين عليهما السلام هذا من جانب ومن جانب اخر ربط رسول الله (ص) وابنته فاطمة (ع) بابوي الغلامين وجعل ابن الازرق هو الذي يقارن ويقر بافضلية الرسول وابنته فكان الابوين هما الحجة وليس سيرة الغلامين حتى لا تكون للمخالف منفذ للمقارنة بين الغلامين والحسن والحسين وايهما الافضل فعلى اعتبار ابن الازرق انه لو فرض الحسن والحسين عليهما السلام كما ادعى ابن الازرق من انهما انحرفا فلماذا لا تبروهم اكراما لرسول الله كما في الاية الكريمة .
سادسا : وهي الاهم فبعد اجابة الامام الحسين عليه السلام على سؤال ابن الازرق ووصفه الله عز وجل غير مجرى الحديث لكي يُعرّف ابن الازرق مكانة اهل بيت النبوة وحال لسانه يقول ان كنت لا تعرف محمد واهل بيت محمد فمعرفة الله عز وجل لا تنفعك في الاخرة وللحسين عليه السلام رواية اخرى في هذا الصدد حيث يقول الراوي (خرج الحسين بن علي على أصحابه ، فقال : أيها الناس ! إن الله جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه .
فقال له رجل : يا ابن رسول الله ! بأبي أنت وأمي ، فما معرفة الله ؟ قال : معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته ( معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته ـ دليل صارخ وقول واضح يثبت وجود الامام المهدي ـ عج ـ )
ويقول الامام الصادق عليه السلام عن رسول الله (ص) (فوالذي نفسي بيده لو أن رجلا صفن بين الركن والمقام صائما وراكعا وساجدا ثم لقي الله عزوجل غير محب لاهل بيتي لم ينفعه ذلك . ...) ، فيا ايها الازرق ويا كل من ينحو منحاه ان كنت وكنتم لا تعرفون اهل بيت النبوة فمعرفة الله عز وجل لا تنفع مهما عملتم لان معرفة الله عز و جل تكون من خلال معرفة نبيه واهل بيته .
سابعا : انظروا الى وصف الامام الحسين (ع) لابن الازرق في بداية الرواية عندما قال له (المتورط في الضلالة ، المرتكن في الجهالة ) وهذا حكم من الحسين عليه السلام وتابعوا نهاية الرواية فقد نهض ابن الازرق وقال : قد نبأنا الله عنكم معشر قريش أنتم قوم خصمون ، وهذا دلالة واضحة على صدق وصف الحسين عليه السلام لابن الازرق بانه المرتكن في الجهالة .
ثامنا : علمنا الحسين عليه السلام كيف نحاور فاذا ما حاورنا احد مخالف علينا ان نتجنب الاجابة ذات الفروع العدة التي يستخدمها المحاور للمرواغة لهذا اذا ما حاورنا احد علينا اصابة الهدف في المقصود من غير تشعيب النقاش وللاسف هذا هو السائد في غالبية النقاشات الحوارية التي تجرى في شتى المجالات .
ولنا معكم عودة ان شاء ربي .
أقرأ ايضاً
- الرسول الاعظم(صل الله عليه وآله وسلم) ما بين الاستشهاد والولادة / 2
- الرسول الاعظم(صل الله عليه وآله وسلم) ما بين الاستشهاد والولادة
- البكاء على الحسين / الجزء الأخير