والاثنين الماضي، نفّذ مئات من أطباء الأسنان غير المعيّنين وقفة احتجاجبة أمام مبنى وزارة المالية العراقية في العاصمة بغداد، مطالبين بتعيينهم ووضع جدول زمني واضح لتعيين الدفعات اللاحقة.
وتشير معطيات أكاديمية الى أنّ سبب الأزمة يعود بدرجة كبيرة إلى التوسّع غير المنضبط بقبول الطلاب في الكليات الأهلية، ولا سيّما مع انخفاض النسب المطلوبة للقبول إلى حدود 79%، في مقابل اشتراط الجامعات الحكومية نسباً مرتفعة تصل إلى 99% للتخصّص نفسه. و في السنوات الأخيرة، أدّى هذا التفاوت، بحسب مختصّين، إلى تخريج آلاف أطباء الأسنان سنوياً، الأمر الذي تخطّى قدرة المؤسسات الحكومية على استيعابهم، بعد أن كان الخريجون يعيَّنون سابقاً مباشرة.
في هذا الإطار، حذّر نقيب أطباء الأسنان في العراق أركان العزاوي، من استمرار "التناقض الصارخ في التخطيط"، وأكد أنّ "القبولات ما زالت مستمرة في الكليات الحكومية والأهلية، في حين لدينا اليوم 23 ألف طبيب أسنان بلا تعيين منذ عام 2023". وأشار إلى أنّ نقابته "نظّمت تحرّكات للمطالبة بحلّ للأزمة ووضع جدول زمني واضح لتعيين الدفعات اللاحقة". وشدّد العزاوي، في بيان، على "ضرورة رفع معدّل القبول في الكليات الأهلية إلى 95% لتخصّص طب الأسنان، بهدف الحدّ من القبول العشوائي وضمان جودة التعليم، ولتفادي تفاقم أزمة البطالة بين الخرّيجين مستقبلاً".
وكانت نقابة أطباء الأسنان في العراق قد حذّرت في وقت سابق من الارتفاع الحاد في أعداد المقبولين، إذ قفز عدد الطلاب المقبولين في العام الجامعي 2023-2024 من نحو 1.600 طالب إلى أكثر من 6.500 طالب، وهو رقم يفوق الحاجة الفعلية لسوق العمل. وبحسب بيانات النقابة، يبلغ عدد أطباء الأسنان المسجّلين في العراق حالياً نحو 29 ألف طبيب، أي أكثر من ثلاثة أضعاف النسبة المعيارية العالمية؛ طبيب أسنان واحد لكلّ 700 مواطن، الأمر الذي ينعكس سلباً على جودة التدريب والتعليم السريري.
ويؤكد أكاديميون في كليات طب الأسنان في العراق، من بينهم أساتذة من جامعات حكومية، أنّ الطاقة الاستيعابية للمستشفيات التعليمية لا تتناسب مع الأعداد المتزايدة من الطلاب.
وفي هذا السياق، يحذّر الأستاذ المحاضر الطبيب ماجد العبيدي من أنّ "عشوائية القبول في الكليات الأهلية والبحث عن الأرباح أضعفا الخبرة العملية للخرّيجين وأثّرا على مستوى الخدمات الصحية". ويوضح أنّ "جودة التعليم صارت من أدنى اهتمامات الجامعات الأهلية"، مؤكداً أنّه "من الخطر استمرار الوضع على ما هو عليه من تراجع النسب المطلوبة للقبول، بدعم من وزارة التعليم (العالي والبحث العلمي) وجهات متنفّذة منتفعة من الكليات الأهلية. فذلك أنتج لنا آلاف الخرّيجين العاطلين من العمل". ويشدّد العبيدي بالتالي على ضرورة "وضع محدّدات لتلك الجامعات".
من جهتهم، يشكو أطباء أسنان عاطلون من العمل، من بينهم خرّيجو كليات حكومية، من تعطّل سنوات الخدمة الإلزامية التي ينصّ عليها القانون العراقي لمدّة ثلاثة أعوام في مؤسسات الدولة قبل السماح بالعمل في القطاع الخاص. وهذا ما يؤكده الطبيب علي خالد: "نحن ضحية مخرجات الكليات الأهلية. صرنا عاطلين عن العمل بسبب سوء التخطيط والإدارة".
وتشير تقديرات وزارة التخطيط إلى أنّ العراق يحتاج سنوياً إلى نحو 700 طبيب أسنان فقط، وهو رقم بعيد جداً عن أعداد الخرّيجين الفعلية، الأمر الذي يثير مخاوف جدية من "تخمة في سوق العمل الخاص" ومن ارتفاع معدلات البطالة بين الشبّان من خرّيجي التخصّصات الطبية.
ووسط هذه المعطيات، تتصاعد الدعوات التي يطلقها مختصون وأكاديميون لإجراء مراجعة شاملة لسياسات القبول، وربطها بالحاجة الفعلية للسوق والقدرات الاستيعابية للكليات، بما يضمن رصانة التعليم ويحمي مستقبل مهنة طب الأسنان في العراق ويجنّب البلاد كلفة اجتماعية كما اقتصادية متزايدتَين نتيجة سوء التخطيط، في وقت تتجنّب فيه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الردّ على تلك المطالب.
التعليقات
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!