RSS
2025-12-26 18:12:40

ابحث في الموقع

العراق.. أزمة نفايات تخنق الأحياء وتفاقم المخاطر الصحية

العراق.. أزمة نفايات تخنق الأحياء وتفاقم المخاطر الصحية
في أحياء واسعة من العراق، لم تعد النفايات مجرّد قضية خدمية عالقة، بل تحوّلت إلى أزمة يومية خانقة تثقل كاهل السكان وتهدد صحتهم وسلامة بيئتهم. ومع الغياب المتكرر لخدمات جمع النفايات في مناطق عديدة، وجد آلاف العراقيين أنفسهم مضطرين إلى إحراق مخلفاتهم المنزلية قرب منازلهم، في مشاهد باتت مألوفة من أطراف بغداد إلى بلدات وقرى في محافظات أخرى.

وتُظهر بيانات حديثة صادرة عن دائرة الإحصاءات البيئية، أن نسبة السكان المشمولين بخدمة جمع النفايات في العراق بلغت نحو 69% خلال عام 2024، ما يعني أن قرابة ثلث السكان ما زالوا خارج نطاق هذه الخدمة الأساسية، في مؤشر يعكس تفاقم التحديات البيئية والخدمية في البلاد.

حرق النفايات المنزلية

تقول جنة الزهيري (32 عاماً)، وهي من سكان حي يقع على أطراف بغداد الجنوبية، إن مسألة التخلّص من النفايات تحوّلت إلى عبء يومي مرهق يثقل كاهل الأسرة ويفرض نفسه على تفاصيل حياتها اليومية. وتضيف: "لا توجد أي سيارة لجمع النفايات هنا. ننتظر أياماً وأحياناً أسابيع، لكن لا أحد يأتي. في النهاية، نضطر أنا أو زوجي أو أحد أولادي إلى جمع النفايات وحرقها قرب المنزل".

وتوضح الزهيري أن هذا السلوك لا يقتصر على أسرتها وحدها، بل أضحى ممارسة جماعية: "كل سكان الزقاق يفعلون الشيء نفسه، بل الحي بأكمله. لا أحد يحب حرق النفايات، لكن تركها تتكدس أسوأ". وتصف آثار ذلك بقلق واضح: "الدخان يدخل البيوت، والرائحة خانقة، خاصة في الصيف. أطفالي يسعلون كثيراً، وأحياناً نشعر بحرقة في العيون وضيق في التنفس. نعرف أن هذا خطر، لكن لا يوجد بديل".

في محافظة بابل، يروي حسين العقابي، وهو موظف متقاعد، كيف تحوّلت النفايات إلى مشكلة يومية تؤثر في حياة الحي الذي يسكنه. يقول إن "السيارات الخاصة بجمع النفايات لا تصل إلى منطقته ولا خيار أمامهم سوى الحرق. اتفقت وجاري على وضع برميل قرب منازلنا، نحرق النفايات معاً لتقليل عدد مرات الحرق". ويضيف العقابي: "نعرف أن الدخان مؤذٍ، لكن النفايات المتراكمة تجلب الحشرات والقوارض. الرائحة لا تُطاق، لا سيما في الأيام الحارة صيفاً. دائماً ما نعاني من صداع وضيق في التنفس بشكل متكرر جراء عملية الحرق".

مبادرات فردية في العراق

ويعتمد السكان في كثير من المناطق على مبادرات فردية لجمع النفايات، وفق ماهر إسماعيل (29 عاماً) موضحاً أن "هناك شباب يجمعون النفايات بعربات ستوتة (دراجة حوضية) مقابل مبالغ مالية ندفعها لهم مقابل استمرارهم في هذا العمل". ويتابع: "لكن أحياناً يتعذر عليهم الأمر بسبب أحوال الطقس، خاصة أن مناطقنا غير معبدة ما يعوق دخولهم لا سيما في فصل الشتاء، وعند هبوب العواصف الترابية، ما يضطرنا إلى حرق النفايات التي تكدست ليومين أو أكثر".

بدوره، يقول المواطن صلاح العماري إن الأحياء السكنية الجديدة التي شُيّدت خلال السنوات القليلة الماضية غالباً ما تُترك دون خدمات مكتملة". ويضيف: "هذه المناطق تنمو بسرعة، لكن الخدمات لا تواكبها. لذلك فإن حرق النفايات أصبح أمراً شائعاً، والروائح الكريهة تنتشر في الجو، والجميع يشكو من تأثيرها بالصحة".

مخاطر صحية وتبعات نفسية

يتفق جميع من تحدّثوا على أن مخاطر صحية متزايدة باتت تلازم سكان مناطقهم نتيجة حرق النفايات، مؤكدين أن كثيرين منهم، أو أحد أفراد عائلاتهم، يعانون آثاراً مباشرة تشمل السعال المتكرر، والصداع، وضيق التنفس، إلى جانب قلق دائم من تبعات صحية أشد خطورة على المدى القريب والبعيد.

في هذا السياق، يقول الطبيب النفسي حسن الشمري، إن العيش في بيئة ملوثة على هذا النحو يخلّف آثاراً عميقة لا تظهر بالضرورة بشكل فوري، مشيراً إلى أنه اطّلع على حالات مرضية كان تلوّث الجو سبباً غير مباشر في تفاقم أوضاعها الصحية والنفسية.

ويضيف: "إن التعرض اليومي للروائح الكريهة والدخان يولد حالة من الضغط النفسي المزمن. ويتأثر الأطفال بشكل خاص بهذه البيئة الملوثة، إذ تنمو لديهم مشاعر القلق وانعدام الأمان، لذلك نلاحظ أن كثيراً من الأطفال في العراق يتولد لديهم شعور سلبي تجاه الطقس والأجواء، لأنهم حين يعانون من السعال أو حالات الاختناق، ولا سيما المصابين بالربو، يدركون أن السبب هو تلوث الهواء، وهو ما يرسخ في دواخلهم حالة من القلق".

ويعتبر أن "تكرار الأمراض الناتجة عن التلوث يفاقم الأثر النفسي، إذ يتشكل لدى الأطفال والمراهقين والشباب شعور بالعجز والخوف، وقد ينعكس ذلك سلباً على سلوكهم وتحصيلهم الدراسي".

ويتابع: "الأمر ذاته ينطبق على الكبار، فالتوتر الناتج عن هذه الظروف قد يؤثر بالعلاقات داخل الأسرة، ويزيد من حدة العصبية والخلافات. وقد اطلعت على مشكلات وخلافات زوجية، وعند التعمق في أسبابها تبين أن التلوث كان أحد العوامل المساهمة في نشوبها". ويلفت إلى أن "الأحياء المهمشة خدمياً غالباً ما تشهد مستويات أعلى من الضغط النفسي، ما يجعل الأزمة البيئية ذات امتدادات اجتماعية ونفسية خطيرة".

من جهته، يحذر الخبير في الشأن البيئي، أسعد كاظم، من أن حرق النفايات المنزلية يمثل أحد أخطر مصادر التلوث غير المنظم. ويقول إن "هذه العملية تطلق ملوثات سامة، من بينها جسيمات دقيقة وغازات ضارة تؤثر مباشرة بالجهاز التنفسي ليس فقط للإنسان، بل للحيوانات والطيور، بالإضافة إلى أن الرماد المتبقي يلوث التربة، وقد يصل إلى المياه الجوفية".

ويؤكد كاظم أن "التلوث يصل إلى النباتات ما يؤثر في الزراعة. ويؤدي تلوث الهواء والماء إلى اختلال التوازن البيئي"، مبيناً أن استمرار هذه الممارسات يفاقم من تدهور البيئة الحضرية ويرفع كلفة المعالجة الصحية مستقبلاً.






المصدر: العربي الجديد
كرار الاسدي

كرار الاسدي

كاتب في وكالة نون الخبرية

التعليقات

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!