ابحث في الموقع

منافسة غير عادلة.. لماذا تفضل شركات النفط العمال الأجانب على أبناء الجنوب؟

منافسة غير عادلة.. لماذا تفضل شركات النفط العمال الأجانب على أبناء الجنوب؟
منافسة غير عادلة.. لماذا تفضل شركات النفط العمال الأجانب على أبناء الجنوب؟
تزايدت في السنوات الأخيرة أعداد العمال الأجانب في الحقول النفطية العراقية بشكل غير مسبوق، لتصل وفق الإحصاءات الرسمية إلى نحو 200 ألف عامل في جنوب البلاد وحده، ما أثار جدلاً واسعاً حول فرص العمل المهدورة للعراقيين، وفيما حذر خبراء من تداعيات اقتصادية وقانونية خطيرة ناجمة عن تسرب الأموال للخارج وتفاقم البطالة، طالبوا بضرورة فرض تشريعات واضحة تضمن تشغيل الكوادر الوطنية في المشاريع النفطية، وتحويل الخبرات العالمية إلى الداخل بدل الاعتماد المفرط على العمالة الوافدة.

ويقول مصدر في إحدى الشركات النفطية الجنوبية، إن “العقود التي تبرمها وزارة النفط أو الشركات الوطنية مع الشركات الأجنبية تختلف من حيث نسب العمالة المحلية والأجنبية، إذ تُحدد النسبة وفق طبيعة العقد ونوع العمليات النفطية المتفق عليها”.

ويضيف المصدر الذي اعتذر عن ذكر اسمه، أن “الشركات الأجنبية غالباً لا تفضل العامل المحلي بسبب محدودية خبرته في مجالات الاستخراج والتطوير النفطي، التي تتطلب مهارات فنية وتقنية عالية تمتلكها الكوادر الأجنبية بحكم تراكم الخبرة والتدريب”.

ويتابع أن “انخفاض أجور العمال الآسيويين مقارنة بنظرائهم المحليين يعد عاملاً آخر يدفع الشركات الأجنبية إلى تفضيلهم، فضلاً عن التزامهم العالي بقواعد السلامة والانضباط في العمل”، مشيراً إلى أن “معظم العقود الموقعة مع الشركات الأجنبية تتضمن شروطاً تضعها هذه الشركات لتحديد نسبة العمالة الوطنية، بحيث لا تتجاوز سقفاً معيناً من إجمالي العمال”.

وأظهرت إحصائية أوردها النائب حيدر المطيري، أن عدد العمال الأجانب العاملين في الحقول النفطية الجنوبية في محافظات البصرة وذي قار وميسان بلغ 197 ألف عامل، ويحملون 36 جنسية أجنبية، يتصدرهم العمال الصينيون بـ53 ألفاً و912 عاملاً، ثم باكستان بـ22 ألفاً 546 عاملا، والهند بـ21 ألفاً و765 عاملاً، ثم بريطانيا بـ21 ألفاً و675 عاملاً، وحلت الجنسية الروسية بالمرتبة الخامسة بـ13 ألفاً و384 عاملاً.

وتعقيبا على ذلك، يشير خبير النفط والطاقة كوفند شيرواني، إلى إن “الرقم الذي أشار إليه النائب حيدر المطيري، والبالغ نحو 197 ألف عامل من 36 جنسية، يعد رقماً كبيراً جداً، لأنه يشمل عمالاً مهرة وغير مهرة وكوادر إدارية وهندسية، وهو ما يثير تساؤلات حول فرص العمل الوطنية الضائعة”.

ويضيف شيرواني، أن “الحد الأدنى من هذه العمالة، كالحراس والعمال ومسؤولي التجهيزات وحتى بعض الوظائف الإدارية والهندسية، يمكن تغطيته بالكادر الوطني”، مشدداً على أن “هذا الأمر ينبغي أن يُنظم بتعليمات واضحة من قبل وزارة النفط أو الشركات الوطنية المتعاقدة مع الشركات الأجنبية لضمان تشغيل العراقيين”.

ويؤكد أن “أغلب الشركات الأجنبية تفضل العمالة الآسيوية لرخص أجورها وسهولة إدارتها، لكن هذا لا يبرر تجاهل حقوق العمال العراقيين في المحافظات الجنوبية، حيث تصل معدلات البطالة إلى أكثر من 25 بالمئة”، مؤكداً أن “وزارتي النفط والعمل مطالبتان بفرض نسب تشغيل للعمالة الوطنية في جميع المستويات، من العمالة البسيطة إلى الكوادر الهندسية المتخصصة، لأن الجامعات العراقية تخرج سنوياً مئات المهندسين في النفط والميكانيك والجيولوجيا ممن يحتاجون فقط إلى تدريب قصير قبل دخول سوق العمل”.

ويردف أن “تشغيل العراقيين جزء من التزامات الشركات تجاه المجتمعات المحلية، مثل إنشاء الطرق وتأهيل المدارس والمراكز الصحية، فالأولوية يجب أن تكون لتوفير فرص العمل لأبناء تلك المناطق، ما يجعل العلاقة بين الشركات والسكان أكثر استقراراً وقبولاً”.

ويبين الخبير النفطي، أن “وزارة العمل في حكومة إقليم كردستان مثلاً تفرض قانوناً يُلزم الشركات الأجنبية بتشغيل ما لا يقل عن 70 بالمئة من الكادر من سكان الإقليم، وتُراقب ذلك بصرامة من خلال تراخيص الإقامة والتفتيش الميداني”، مبيناً أن “من الضروري إصدار تشريع مماثل في المحافظات الجنوبية، يضمن تشغيل نسبة كبيرة من الكوادر الوطنية، خصوصاً وأن عقود الشركات الأجنبية هناك تقدر بمئات ملايين الدولارات، ومن غير المعقول أن لا يستفيد العراقيون من هذه العوائد والفرص داخل بلدهم”.

وكان عضو لجنة النفط والطاقة النائب السابق صادق السليطي، كشف أن عقود جولات التراخيص تضمنت فقرة “التعريق” التي تعني استبدال العمالة الأجنبية بالعمالة العراقية”، وتنمية قدرات الشباب في العراق، لكن على الرغم مما تشهده التراخيص من ارتفاع كلف التشغيل وصرف مبالغ مرتفعة، إلا أن هذه الفقرة لم تفعّل بالشكل المطلوب.

من جهته، يبين الخبير الاقتصادي نبيل جبار، أن “الشركات النفطية العاملة في العراق ما زالت تستقطب العمالة الأجنبية لأسباب متعددة، في مقدمتها الكفاءة المهنية العالية والانضباط والالتزام بالعمل”، مبيناً أن “رغم ارتفاع أجور الأجانب مقارنة بالمحليين، إلا أن الشركات الأجنبية تفضل توظيفهم على حساب العمال والمهندسين العراقيين”.

ويضيف جبار، أن “هذا التوجه لا يقتصر على الجوانب الفنية فحسب، بل يعكس ضعف السياسات الحكومية في فرض نسب تشغيل وطنية واضحة داخل العقود النفطية”، مشيراً إلى أن “نتيجة ذلك، يتكبد العراق خسائر اقتصادية مزدوجة، الأولى بتسرب جزء كبير من الأموال إلى الخارج عبر رواتب وتحويلات العمال الأجانب، والثانية بتعطيل طاقات الشباب العراقي وحرمانهم من فرص العمل داخل المشاريع الحيوية التي تُدار في بلدهم”.

ويؤكد أن “الحل يكمن في تبني وزارة النفط والحكومة الاتحادية سياسة تشغيل وطنية ملزمة، تشجع الشركات على تدريب وتأهيل الكوادر العراقية، بما يضمن تحويل جزء من الخبرة العالمية إلى الداخل، وتقليل الاعتماد على العمالة الوافدة التي تستنزف الاقتصاد الوطني على المدى البعيد”.

ويوفر سوق العمل في العراق فرصة غير مسبوقة للعمالة الأجنبية، سواء من دول جنوب شرق آسيا أوب عض دول الشرق الأوسط التي تعاني من اضطرابات أمنية، وهو ما أدى إلى تدفق العمال من هذه الدول بصورة غير شرعية وتحولهم إلى ظاهرة غير مسبوقة

وكان رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي، كشف في آب من العام الماضي، أن عدد العمال الوافدين حسب المؤشرات بلغ أكثر من مليون عامل أجنبي يعملون بصورة غير شرعية، لافتا إلى أن العمالة الوافدة المسجلة تقوم بتحويل عملة صعبة خارج العراق بقيمة 600 مليون دولار سنويا، في حين تقوم العمالة الوافدة (الأجنبية) غير المسجلة بتحويل مبلغ أربعة مليارات و200 مليون دولار سنويا من العملة الصعبة في مشهد يضر بالاقتصاد الوطني.

إلى ذلك، يوضح الخبير القانوني علي التميمي، أن “العمالة الأجنبية في العراق لا تخضع حتى الآن لقانون خاص ينظم وجودها في البلاد، فالقانون المطبق حالياً هو قانون العمل رقم 37 لسنة 2015، إلى جانب قانون إقامة الأجانب رقم 76 لسنة 2017، واللذين يشترطان حصول العامل على إجازة عمل وجواز سفر وسمة دخول واستيفاء الشروط الأمنية”.

ويضيف التميمي، أن “وجود ما يقارب المليون عامل أجنبي في العراق دون خطط واضحة يشبه فوضى استيراد السيارات في السوق المحلية، إذ يترك تأثيرات سلبية مباشرة على الاقتصاد الوطني وسوق العمل، ويزيد من معدلات البطالة بين العراقيين، فضلاً عن تأثيره على العملة الأجنبية والجانب الأمني الجنائي”.

ويتابع أن “هذا الواقع يتطلب تشريع قانون خاص بالعمالة الأجنبية، يحدد بدقة آليات دخولهم، وإقامتهم، ومجالات عملهم، وضوابط ترحيلهم، مع فرض رقابة مشددة على الشركات التي تستقدمهم”، مشدداً على “ضرورة أن تكون العمالة الأجنبية مكمّلة لا بديلة للعامل العراقي، وأن يجري تحديد نسب استقدامها وفق الحاجة الفعلية للقطاعات المنتجة”.

ويختتم الخبير القانوني، كلامه بالقول، إنّ “الكثير من العمال الأجانب اليوم يعملون بلا إقامة رسمية أو تصاريح قانونية، ما يجعل القضاء أمام خيار وحيد يتمثل بترحيلهم إلى بلدانهم، وهو أمر لا يمكن معالجته إلا عبر خطط حكومية وتنظيم تشريعي شامل يوازن بين متطلبات الاستثمار وحماية اليد العاملة الوطنية”.

وبحسب تقديرات الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق، فإن نسبة البطالة الفعلية بين أفراد الطبقة العاملة تتجاوز 20 بالمئة، بالرغم من كون الأرقام الحكومية تشير إلى معدلات أقل من ذلك.

وفي ظل هذا الواقع، تتواصل الدعوات إلى تفعيل القوانين العمالية والحد من العمالة الأجنبية غير المنظمة، بالتزامن مع مطالبات لخلق بيئة استثمارية عادلة، تشجع على تشغيل العراقيين.



المصدر: صحيفة العالم الجديد
كرار الاسدي

كرار الاسدي

كاتب في وكالة نون الخبرية

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!