ويقول المحلل السياسي نزار حيدر، إنّ “نتائج الانتخابات الحالية لا تختلف كثيراً عن سابقاتها، فحتى في آخر انتخابات حين انسحب التيار الصدري من العملية السياسية وتوزعت حصته من المقاعد على القوى الشيعية الأخرى، كانت الخريطة السياسية مشابهة تقريباً لما أُعلن أمس، باستثناء وجود تحالف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي اقتطع جزءاً من أصوات شركائه في الإطار التنسيقي”.
مرشح توافقي
ويضيف حيدر، أن “السوداني كان يتوقع الحصول على مقاعد أكثر تمنحه مساحة تفاوضية مريحة للبقاء في السلطة وتجديد ولايته، إلا أن النتائج التي منحته 46 مقعداً فقط، أي نحو 14 بالمئة من مقاعد مجلس النواب، وضعت أمامه تحدياً صعباً، إذ لا يستطيع بهذه النسبة تشكيل الكتلة الأكبر أو الحكومة منفرداً، ولا حتى التفاوض على رئاسة الجمهورية التي تحتاج إلى أغلبية الثلثين أي 220 مقعداً”.
ويتابع قائلاً، إن “عدد مقاعد المكون الشيعي بحسب إحصائية المفوضية بلغ 197 مقعداً، ما يعني أنه في حال أصرّ السوداني على التمسك بولاية ثانية، فإن بقية الكتل الشيعية قادرة على تشكيل الكتلة الأكبر بعدد يقارب 151 مقعداً، وبالتالي يمكن أن يخرج السوداني من معادلة التشكيل كلياً، وهو ما سيدفعه بالضرورة إلى العودة للتحالف مع الإطار التنسيقي لضمان موقعه في المرحلة المقبلة”.
ويشير المحلل السياسي المقيم في واشنطن، إلى أن “هذه العودة إلى الإطار لن تكون سهلة، لأن الأغلبية داخله ترفض تجديد الولاية للسوداني، خاصة بعد الخلافات التي نشبت بينه وبين زعماء الإطار كزعيم دولة القانون نوري المالكي، وقيادات فصائل أخرى مثل قيس الخزعلي، ما جعل العلاقة داخل البيت الشيعي متوترة وغير مستقرة”.
ويختتم حيدر، بالقول إنّ “السيناريو الأقرب هو العودة إلى المربع الأول، والبحث عن مرشح توافقي جديد كما حدث في كل الدورات السابقة، فالسوداني نفسه كان مرشحاً توافقياً، وكذلك مصطفى الكاظمي، وعادل عبد المهدي، وحيدر العبادي، من قبله، وحتى المالكي لم يكن يوماً رئيساً للحكومة بصفته زعيم الكتلة الأكبر، بل جاء نتيجة توافقات فرضتها موازين القوى آنذاك”.
وأعلنت أمس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية لعام 2025، التي كشفت خريطة توزيع المقاعد في البرلمان، وأفصحت عن تمكن تحالف “الإعمار والتنمية” بقيادة السوداني، من تحقيق هيمنة بعدما حصل على 1,317,491 صوتاً، ما سمح له بحصد 46 مقعدا، بحسب التقديرات الأولية.
وفي المركز الثاني، جاء حزب “تقدم” وهو أكبر حزب سني برئاسة محمد الحلبوسي، الذي حصل على 945,273 صوتاً، ليحصد 36 مقعدا، أما ائتلاف دولة القانون برئاسة المالكي فجاء في المركز الثالث بحصوله على 728,167 صوتاً، ليحصد 29 مقعداً، وسجل الحزب الديمقراطي الكردستاني” بقيادة مسعود بارزاني، حضوراً قوياً، بحصوله على 1,099,914 صوتاً، ليحصد 28 مقعداً، وهو نفس عدد المقاعد التي تحصل عليها تحالف صادقون التابع لعصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي.
وواصلت منظمة بدر بقيادة هادي العامري، حضورها في الساحة السياسية، فقد حصدت 21 مقعداً، كما حصل تحالف قوى الدولة التابع لعمار الحكيم على 18 مقعداً.
وبلغت نسبة المشاركة في التصويت العام نحو 54.35 بالمئة، فقد شارك نحو 10,904,637 ناخباً من أصل 20,063,773 ناخباً مسجلاً لدى المفوضية.
التحالفات لا الأرقام
إلى ذلك، يعتقد الباحث والأكاديمي مجاشع التميمي، أن “آلية تشكيل الحكومة العراقية المقبلة ستتحدد وفق معادلة التحالفات لا الأرقام، فالمشهد السياسي في العراق ما زال يعتمد على تفاهمات القوى الشيعية أولاً، يليها الاتفاق مع الكرد والسنة لضمان توازن سياسي مستقر”، موضحاً أن “الإطار التنسيقي يمتلك اليوم الأغلبية بعد أن ارتفعت مقاعده إلى أكثر من 190 نائباً تقريباً، لكنه رغم ذلك يحتاج إلى توافق وطني واسع لتجنب تكرار أزمات السنوات السابقة”.
ويضيف التميمي، أن “حصول رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، على نحو 46 مقعداً يمنحه ثقلاً سياسياً وشعبياً واضحاً، لكنه لا يكفي وحده لضمان التجديد ما لم تُحسم التفاهمات داخل الإطار التنسيقي ومع الشركاء الآخرين”، مشيراً إلى أن “الأزمة الحقيقية اليوم تكمن داخل الإطار نفسه، لاسيما في علاقته المعقدة مع السوداني”.
أما على الصعيد الدولي، فيوضح أن “الموقف الأمريكي يبدو حذراً ويميل إلى خيار الاستقرار أكثر من التغيير، إذ ترى واشنطن في السوداني شريكاً واقعياً قادراً على تحقيق توازن بين الانفتاح الاقتصادي والحفاظ على العلاقات الإقليمية”، مبيناً أن “إيران من جانبها تعتبر بقاءه ضماناً لاستمرار نهج متوازن يحمي مصالحها دون الدخول في صدام مع الولايات المتحدة”.
ويتابع الباحث والأكاديمي، أن “تركيا ودول الخليج تراقب التجربة العراقية بإيجابية مشروطة، فهي تبحث عن حكومة مستقرة يمكنها حماية الاستثمارات وضبط الحدود، وضمان بيئة سياسية لا تعيد العراق إلى دوامة الأزمات والانقسامات”.
ويخلص التميمي إلى القول إنّ “المرحلة المقبلة ستكشف ما إذا كانت هذه القوى قادرة على إنتاج تفاهم سياسي جديد يُبقي العراق ضمن معادلة الاستقرار الإقليمي، أم أننا سنشهد عودة إلى التجاذبات ذاتها التي عطلت تشكيل الحكومات السابقة”.
وكان مصدر رفيع في الإطار التنسيقي، كشف أمس الأربعاء (12 تشرين الثاني 2025) عن تحركات مكثفة وغير معلنة لإعادة تنظيم البيت الشيعي من الداخل، في خطوة تستهدف بشكل مباشر إضعاف تحالف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، تمهيداً لإمكانية تشكيل حكومة جديدة من دون الحاجة إليه في المرحلة المقبلة.
وأوضح المصدر، أن الخطة ترتكز على استمالة شخصيتين رئيسيتين تُعدّان من أبرز أركان ائتلاف الإعمار والتنمية الذي يقوده السوداني، وهما فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي ورئيس كتلة عطاء، وأحمد الأسدي وزير العمل الحالي ورئيس تحالف سومريون.
وبيّن، أن استقطاب الفياض والأسدي إلى صف القوى التي تقود هذا التحرك داخل الإطار، سيشكّل “ضربة قاصمة” لائتلاف السوداني، إذ من شأنه إخلال موازين القوى الداخلية وإتاحة الفرصة أمام الإطار لإعادة ترتيب صفوفه وتوحيد كتلته الأساسية، تمهيداً للتفاهم مع المكونات السنية والكردية لتشكيل أغلبية جديدة، متابعاً، أن “الهدف من هذه التحركات هو تشكيل حكومة ذات قاعدة أوسع، بعيداً عن مظلة التفاهمات الحالية، عبر إكمال نصاب القوى الشيعية بضم قيادات تمتلك ثقلاً سياسياً وشعبياً مؤثراً”.
هزيمة مدنية
من جهته، يرى مدير المركز العربي الأسترالي للدراسات أحمد الياسري، أن “عنوان نتائج الانتخابات يمكن تلخيصه بأنه هزيمة للمدنيين مقابل عودة حرس الإطار التنسيقي، وهذا مؤشر يبدو سلبياً رغم أن العملية الانتخابية نفسها كانت ناجحة من حيث التنظيم، إلا أن نتائجها جاءت مخيبة للآمال”.
ويضيف الياسري، أن “المشهد السياسي المقبل يعتمد كلياً على طبيعة التحالفات التي ستتشكل خلال الأيام القادمة، فلو تم تأسيس تحالف صداقة مع إيران، فإن ذلك قد يستفز الولايات المتحدة ويدفعها إلى إعادة تفعيل ثنائية الصراع الأمريكي - الإيراني في الساحة العراقية، ولكن بأساليب مختلفة عن السابق”، موضحاً أن “هذا الاحتمال وارد جداً خصوصاً مع دخول العديد من القوى والفصائل إلى البرلمان الجديد، بالتزامن مع تراجع التيار المدني”.
وتضاءلت القوى المدنية التي حققت حضوراً لافتاً في انتخابات 2021 مدعومة بانتفاضة تشرين 2019 إلا أن تجاربهم في البرلمان لم تنجح بسبب عدم قدرتهم على تحقيق شيء يذكر، كما أن بعضهم أعاد ترشيحه ضمن القوى الكبيرة.
ويتابع مدير المركز العربي الأسترالي للدراسات، أن “الخسارة لم تشمل فقط المقاطعين من المدنيين، بل أولئك الذين شاركوا فعلياً في الانتخابات مثل محمد توفيق علاوي، وعدنان الزرفي، فقد فشلا في تحقيق أي مكاسب تُذكر، ما يعني أن المزاج الشعبي عاد مرة أخرى إلى اصطفافاته التقليدية”، لافتاً إلى أن “البرلمان الحالي يشبه إلى حد بعيد برلمان عام 2018، حين لم يتمكن رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي من تشكيل الحكومة رغم امتلاكه عدداً قريباً من المقاعد التي حصل عليها السوداني الآن”.
ويشير إلى أن “النتائج الحالية لم تُفرز حزباً قائداً أو كتلة مهيمنة، وكل شيء مرهون بما ستسفر عنه التحالفات، فالإطار التنسيقي ما زال يمتلك القدرة على تشكيل الثلث المعطل إذا اقتضت الحاجة، ما يعني أننا أمام تكرار محتمل لتجارب 2018 أو 2021″، مؤكداً أن “المشهد السياسي يتجه نحو إعادة إنتاج سيناريوهات سابقة بوجوه مختلفة، وأن العراق ما زال يبحث عن كتلة قائدة قادرة على كسر حلقة التوازن السلبي التي عطلت الحياة السياسية منذ عقدين”.
يذكر أن الإطار التنسيقي، دخل للانتخابات النيابية 2025، بعدد من القوائم أبرزها: ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وتحالف قوى الدولة الوطنية بزعامة عمار الحكيم، والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي بزعامة الشيخ همام حمودي، وكتلة صادقون الجناح السياسي لعصائب أهل الحق بزعامة الشيخ قيس الخزعلي، ومنظمة بدر بزعامة هادي العامري، وحركة سومريون بزعامة وزير العمل أحمد الأسدي (والتي دخلت مع السوداني في الانتخابات)، وتحالف العمق الوطني، وائتلاف الأساس العراقي، وحركة حقوق، وتحالف الخدمات، وحركة دعم الدولة، إضافة الى ائتلاف الإعمار والتنمية بقيادة رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني الذي يبدو أنه ابتعد عن الإطار التنسيقي في الآونة الأخيرة.
وكان المواطنون العراقيون قد أدلوا بأصواتهم أمس الأول الثلاثاء، لاختيار برلمان جديد، في انتخابات هي السادسة منذ الغزو الأمريكي الذي أطاح بنظام صدام حسين في 2003.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!