والعشيرة في العراق مكوّن اجتماعي أساسي، ولها سلطة على المنتمين إليها وأنصارها في كل المدن العراقية، وتتمتع بنفوذ عالٍ في الدولة والمجتمع، وتصل إلى مراحل أبعد من ذلك، إذ تمثل ركناً من أركان النظام العراقي، ولا سيما مع وجود زعماء بعض العشائر كأعضاء في البرلمان وزعماء لأحزاب سياسية، بالتالي فإن العشائر العراقية باتت تمتلك ثقلاً سياسياً غير متوفر في أي دولة عربية أخرى. وفي الانتخابات، يلجأ المرشحون إليها للحصول على المباركة من جهة، والدعم المعنوي والجماهيري وأصوات الناخبين من جهة ثانية.
ويؤكد مراقبون وسياسيون في العراق أن العشيرة، بكونها منظومة اجتماعية، لا تزال مهتمة بالمشاركة السياسية عبر بوابة الانتخابات، وتسعى هذه العشائر لطرح أسماء الكفاءات أو الوجهاء الذين تريدهم أن يكونوا ضمن جسد الدولة العراقية.
وبالعادة، فإن المرشح الذي يحظى بدعم شيخ العشيرة أو زعيم القبيلة فائز لا محالة. وقبيل كل انتخابات تُقدم العشيرة على اختيار من يمثلها أو أكثر في البرلمان العراقي والمجالس المحلية (المحافظات والأقضية والنواحي). وإلى جانب ذلك، يسعى زعماء الأحزاب التقليدية لتمتين العلاقات دائماً بالعشائر من أجل نيل المشروعية من أهم كيان اجتماعي في العراق.
غير أن انتقادات عديدة تطاول بعض العشائر وزعماءها ووجهاءها، ولا سيما أن بعضهم بات محصناً بالمال السياسي والهدايا من زعماء الأحزاب. بل إن بعض العشائر سعت طوال الفترات الماضية لحماية منتسبيها في الدولة والحكومة والبرلمان، وحدث أن تعرض مسؤول أو زعيم حزب لأزمة أو مشكلة مع خصومه أو أن منصبه تهدّد، فلجأ إلى عشيرته التي عادة ما تصدر بيانات أو تقدم على استعراضات سلمية وأخرى مسلحة لإسكات الطرف الآخر. وآخرها كان استعراض العشرات من أفراد عشيرة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، للتنديد بتصريحات أدلى بها المحلل السياسي غالب الشابندر ضد رئيس الحكومة.
في السياق، يعتبر السياسي العراقي حميد الهايس أن العشيرة "آخر ما بقي من تكوينات المجتمع العراقي المتفاعل كلياً مع الانتخابات، بالتالي فإن من يتعكز على عشيرته في الانتخابات غالباً ما يحصل على الأصوات التي يحتاجها للفوز، وتبقى العشيرة تحميه وتسانده، لكنه أمام تحدٍّ آخر، وهو أن يمكّن شباب عشيرته ويسعى لتوفير فرص عمل لهم أو منافع".
وأوضح أن "العشيرة جزء مهم من المجتمع العراقي، وأنها تريد أن تبقى ضمن جسد الدولة كي تشعر بالأمان من جهة، كذلك فإنها تريد السباق مع العشائر الأخرى بما تحصل عليه من مكاسب ومناصب".
ولدى كل الأحزاب العراقية مكاتب خاصة بالشؤون العشائرية، تتخصص بالتواصل مع العشائر ورموزها من خلال اجتماعات ومباحثات في الشؤون العامة، بالإضافة إلى دراسة الأوضاع الأمنية والسياسية. وتعقد معظم الأحزاب وحتى دوائر الدولة العراقية، بالتنسيق مع العشائر، مؤتمرات خاصة بالمرأة والمجتمع والأمن، وتنطلق في حملات واسعة لمواجهة ظواهر سلبية مثل المخدرات والسلاح المنفلت، فضلاً عن اعتماد الدولة نفسها على العشائر في فترات الانتخابات من أجل التشجيع على المشاركة فيها.
من جهته، قال الناشط المدني من العاصمة بغداد، عمر إياد، إن "العشيرة جزء مهم من المجتمع العراقي، بل تكاد تكون الجزء الأكثر تأثيراً ببقية الأجزاء منه، وهي تتدخل في أمور هامة ومفصلية على المستوى السياسي والانتخابي، لكن ما يؤشر سلباً على دورها، أن بعضها لم يكن سنداً للمحتجين والمتظاهرين الرافضين لسوء الأوضاع الإدارية والسياسية في البلد، وتنصلت من دورها في حمايتهم من آلة العنف التي تمتلكها السلطات، بل راح بعضها إلى بناء علاقات مع الجهات المسلحة".
واستكمل حديثه قائلاً: إن "العشائر الأصيلة كانت دائماً تقف مع المجتمع في لحظات الاصطدام مع أدوات العنف، لكن بعضها انسجم مع السلطة وبات ضمن خانة المنتفعين منها".
بدوره، رأى الباحث في الشأن السياسي عبد الله الركابي أن "غالبية العشائر العراقية لديها ممثلوها في البرلمان والحكومة، وخلال السنوات الماضية عمد بعض زعماء العشائر إلى تأسيس أحزاب، بالتالي فإنها تدعم العملية السياسية التي ترفضها غالبية الشعب، وهذه جدلية صعبة. لذلك صار لدينا في العراق جيل جديد يرفض العشائرية ويدعو إلى تأسيس دولة مدنية يعلو فيها صوت الدولة ولا غيرها".
وأكد أن "خلال العقدين الماضيين تغوّل دور العشيرة وصارت قادرة على فرض نفسها على الدولة المدنية، وهي مستمرة بتفويج النواب الجدد وتمكين المسؤولين، وبعضهم فاسدون وتحميهم".
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!