أكد خبراء في المجال البيئي، أن العراق يمر بظروف قاسية غير مسبوقة في تاريخه جراء التغير المناخي، من ارتفاع درجات الحرارة والجفاف إلى العواصف الرملية والغبارية، يرافقها انخفاض حاد في موارد المياه السطحية، فيما لم يبقَ من الخزين الإستراتيجي للمياه سوى 8 بالمئة فقط.
وحذر الخبراء من أن المرحلة المقبلة قد تكون أخطر، إن لم تتخذ الجهات المعنية إجراءات عاجلة لمواجهة هذه التأثيرات التي تسببت بتصحر الأراضي الزراعية ونفوق نحو نصف أعداد الجاموس ومليارات الأسماك وغياب الطيور المهاجرة، فضلاً عن فقدان الكثير من القطاعات والمهن المرتبطة بالمياه.
ويعاني العراق من أزمة مائية استثنائية أدت إلى جفاف العديد من الأنهر الفرعية ومساحات شاسعة من الأهوار والمسطحات المائية إلى جانب انخفاض مناسيب المياه في السدود الخزنية، جراء شح الأمطار وحرمان تركيا من حصص العراق المائية.
وتعرض العراق إلى أربعة مواسم جفاف خلال الأعوام (2017، 2021، 2023، 2025)، وكان الجفاف الأخير هو "الأقسى منذ نحو 80 عاماً"، بحسب الخبير البيئي أحمد صالح.
ونتيجة لذلك، جفت الأهوار وأذناب الأنهار، ولم تعد تصل المياه إلى القرى والقصبات، "بل الكثير من محطات تصفية المياه خرجت عن الخدمة"، وفقا لصالح.
ويكشف صالح، أن "هذا أدى إلى نفوق نحو نصف أعداد الجاموس في العراق، ومليارات الأسماك والطيور المهاجرة، وانهيار قطاعات ومهن مرتبطة بالمياه، منها صناعة وتجارة الزوارق، والسياحة والمطاعم وسيارات النقل ومشتقات الحليب، والصناعات الغذائية والغزلية والصوفية والقصبية".
ويرافق هذا الجفاف، بحسب الخبير البيئي، انخفاض الخزين المائي الإستراتيجي بشكل كبير في حين ما تزال البلاد في بداية شهر أيلول، وهذا يعود إلى "السياسة المائية والإروائية، حيث إن الزراعة تستهلك أكثر من 70 بالمئة من الواردات المائية".
ويعتبر أن هذا "أمر خطير كون المياه ليست للزراعة فقط، وإنما هي لكامل النظام البيولوجي والقطاعات الأخرى غير الزراعية".
وتتفق وزارة الموارد المائية العراقية مع أحمد صالح بشأن البنى التحتية لوزارة الزراعة "لا تزال قديمة تعتمد على الري السيحي مما يسبب هدراً كبيراً بالمياه".
لكن بدأت وزارة الزراعة خلال السنوات الأخيرة بالمضي في استخدام تقنيات الري الحديثة وتجهيز الفلاحين بأجهزة الري الحديثة وتقديم الدعم للفلاحين، "لكن أعداد هذه الأجهزة قليل جداً مقارنة بالمساحات المزروعة"، بحسب وزارة الموارد المائية.
ويؤكد معاون مدير عام الهيئة العامة لتشغيل مشاريع الري في الوزارة، غزوان السهلاني، أن ما متوفر حالياً في السدود والخزانات "لا يشكل سوى 8 بالمئة من السعة الخزنية الكاملة لها التي تتجاوز 100 مليار متر مكعب من المياه"، أي المتوفر نحو 8 مليارات متر مكعب فقط.
ويعزو السهلاني هذا المستوى "الأدنى منذ بدء تسجيل سجلات الموارد المائية في العراق"، إلى تأثير التغيرات المناخية والجفاف وقلة الواردات من دول المنبع.
وهو ما انعكس، وفق المتحدث، على وزارة الزراعة التي لم تقر خطة زراعية لهذا الصيف إلا للبستنة وبعض الخضر، مع إقرار خطة على المياه الجوفية فقط، فيما لم تقر الخطة الزراعية للموسم الشتوي المقبل لحد الآن.
ويستدرك قائلاً "لكن اتفقت وزارتي الزراعة والموارد المائية على إقرار خطة شتوية على المياه الجوفية فقط، على أن تراجع في بداية شهر تشرين الأول المقبل، في حال تحسن الخزين المائي أو التوقع بتساقط أمطار، وحينها يتضح إمكانية إقرار خطة زراعية شتوية من عدمها".
وفي ظل هذه الظروف غير المسبوقة، تؤكد وزارة الإعمار والإسكان العراقية، العمل على تنفيذ خطط ومشاريع لـ"تحسين البنية التحتية وضمان صمودها أمام التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية".
وتشمل هذه الجهود، بحسب ما يقول المتحدث باسم الوزارة، استبرق صباح، مشاريع الماء والصرف الصحي في مختلف المحافظات الوسطى والجنوبية، لغرض ضمان إيصال الخدمات الأساسية وفق المعايير والمواصفات القياسية بما يضمن الحفاظ على الموارد، ويتلائم مع بيئة صحية آمنة للأجيال الحالية والمستقبلية.
كما يرى الراصد الجوي، صادق عطية، أن العراق يتعرض لارتفاع متصاعد في درجات الحرارة يرافقه انخفاض حاد في موارد المياه السطحية، وهذا يسبب "تفاقم ظاهرة الجفاف التي تؤدي إلى انخفاض منسوب نهري دجلة والفرات، مما ينعكس سلباً في توفير مياه الشرب للمواطنين وإمدادات الري والكهرباء والزراعة".
وبحسب عطية، فإن توقعات النماذج المناخية تشير إلى استمرار "خطر الفترات الجافة والشديدة مستقبلاً" لو استمر الوضع كما هو أمام شح الأمطار ونقص إمداد المياه، ما يجعل حالات الجفاف المتكررة أكثر احتمالاً.
ويوضح الراصد الجوي، أن "ارتفاع درجات الحرارة يزيد من التبخر، وهذا يقلل من كمية المياه المتاحة حتى مع هطول الأمطار، إضافة لذلك هناك عوامل بشرية تساهم في تقليل المياه منها بناء السدود وخفض التصريف من دول المنبع".
ومن العوامل الأخرى وفق عطية، "ضعف إدارة الموارد المائية والتجاوزات غير المسيطر عليها، وتدهور شبكات الري، في حين أشارت تقارير الأمم المتحدة والجهات المحلية إلى إمكانية تعرض الأنهار لمخاطر حادة خلال عقدين".
وهذا ما يتوقعه عضو المرصد "العراق الأخضر"، المتخصص بشؤون البيئة، عمر عبد اللطيف، بالقول إن المرحلة المقبلة "قد تكون أخطر إن لم تعالج الجهات المعنية تأثيرات التغير المناخي بأسرع وقت"، والتي منها العواصف الرملية والغبارية والجفاف وارتفاع درجات الحرارة.
ويشدد عبد اللطيف على ضرورة وضع حلول عاجلة للصمود أمام الكوارث الطبيعية المستقبلية"، منها توفير الغطاء النباتي والقضاء على تلوث الهواء والتربة ومعالجة النفايات، ورفع الألغام التي تسببت بآلاف الضحايا والمعاقين خلال السنوات الماضية.
المصدر: شفق نيوز
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!