بقلم: سيف الحمداني
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية في العراق، تدخل العملية الانتخابية مرحلة غير مسبوقة من التدقيق والرقابة، بعدما أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن مجلس المفوضين سيصادق على أسماء المرشحين مطلع تشرين الأول، عقب عملية فحص دقيقة تشترك فيها الجهات القضائية وهيئة المساءلة والعدالة. ووفق الأرقام الرسمية، فقد جرى استبعاد أكثر من 200 مرشح حتى الآن، فيما بلغت قوائم المشمولين بإجراءات المساءلة أكثر من 250 مرشحًا، وهو رقم كبير يعكس حجم الصرامة التي تميز المشهد الانتخابي الحالي.
على الورق، تبدو هذه الإجراءات خطوة مهمة نحو تعزيز نزاهة الانتخابات وضمان مشاركة أسماء نظيفة، لكن الواقع يثير تساؤلات جوهرية: لماذا الآن؟ وما الذي تغيّر في المفوضية لتتحول فجأة إلى مؤسسة صارمة بهذا الشكل؟ وأين كان هذا التدقيق في الانتخابات السابقة التي امتلأت بالطعون والاتهامات وخلّفت أزمات سياسية طويلة؟
المفارقة أن هذه الأسئلة تتزامن مع إعلان هيئة المساءلة والعدالة عن استبعاد مئات المرشحين بعد التحقق من أوراق أكثر من 400، وهو ما يثير تساؤلًا أكبر: هل هذه الإجراءات نابعة من رؤية مؤسسية للمفوضية، أم أن هناك ضغوطًا سياسية أو مصالح أخرى تؤثر على سير العملية؟
الأحزاب الكبرى تراقب المشهد بحذر، إذ يفرض الاستبعاد الكمي للمرشحين إعادة ترتيب حساباتها السياسية، وربما الدخول في مساومات خلف الأبواب المغلقة لإعادة بعض الأسماء أو تقليل حجم الخسائر. في المقابل، يرى مراقبون أن النزاهة الحقيقية ليست مجرد أوراق تدقيق، بل تتعلق بقدرة المفوضية على مواجهة ضغوط الكتل المتنفذة وخلق بيئة انتخابية حرة تشجع الناخبين على المشاركة بثقة.
الأخطر أن استمرار موجة الاستبعادات والطعن قد يهدد العملية الانتخابية نفسها، سواء من خلال التشكيك في نزاهتها أو الضغط على تأجيلها. ومع ذلك، فإن نجاح المفوضية في فرض هيبتها واحترام قراراتها سيكون عاملًا فارقًا في رسم صورة مختلفة للانتخابات المقبلة، قد تعيد ثقة المواطن المفقودة.
ويبقى السؤال الأهم للشارع والنخب: هل هذه الانتخابات تعكس صراع نزاهة حقيقي بين المواطن والدولة، أم أنها مجرد فصل جديد من لعبة السياسة بأدوات مختلفة؟
في المحصلة، العراق يقف على مفترق طرق: انتخابات تُدار بصرامة وشفافية قد تعيد الثقة بين الدولة والمواطن، أو انتخابات محكومة بالشكوك منذ بدايتها، فتعيد إنتاج الأزمة نفسها بصياغة جديدة. وبين هذا وذاك، يبقى الرهان الأكبر على وعي ومشاركة المواطنين، إذ إن نجاح أي عملية انتخابية مرتبط أولًا بثقة الشعب في نزاهتها وبجدية المرشحين في تقديم برامج واقعية تلبي احتياجاته.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!