
تواجه أنواع عديدة من الطيور، سواء المستوطنة أو المهاجرة منها، خطر الانقراض في العراق، نتيجة الصيد الجائر والتغيّرات البيئية، التي باتت تمثل تهديداً لهذه الأنواع التي تعدّ جزءاً من التنوع الذي يثري البيئة العراقية، خصوصاً في حوضي دجلة والفرات والأهوار.
وكان المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان قد حذر في 17 كانون الثاني الماضي، من خطر انقراض 16 نوعاً من الطيور المهاجرة التي تمر عبر العراق، نتيجة الصيد الجائر وتغير المناخ. وأوضح رئيس المركز فاضل الغراوي، في بيان، أن العراق محطة مهمة للطيور المهاجرة، لافتاً إلى أن الأراضي العراقية تستقبل نحو 270 نوعاً من الطيور سنوياً، لا سيما الأهوار والمسطحات المائية جنوبي البلاد. ويؤكد أن من بين هذه الطيور أنواعاً نادرة ومهددة بالانقراض مثل الحبارى، والشاهين، والرخم المصري.
وتستقطب مناطق الأهوار الجنوبية، مثل ميسان وذي قار والبصرة غالبية الطيور المائية، بينما تُعد المناطق الجبلية الشمالية ملجأً للطيور الجارحة، بحسب الغراوي. يضيف أن عدد الطيور المهاجرة إلى العراق شهد انخفاضاً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، لافتاً إلى أن سبب ذلك هو الجفاف وانحسار المسطحات المائية، إلى جانب الصيد الجائر. وتنتشر على مواقع التواصل العراقية العديد من الحسابات التي تروج لبيع أنواع مختلفة من الطيور التي تُصاد في مناطق الأهوار والبراري.
وتشمل هذه الطيور ما يصلح للأكل وأخرى للتكاثر والتجارة، وتتنوع ما بين طيور مائية تعيش قرب مصادر المياه وأخرى تعيش في البراري، ومن بينها طيور جارحة، وتُصاد هذه الطيور بوسائل مختلفة عبر فخاخ وشباك أو ببنادق الصيد، وعادة تكون الوسيلة الأخيرة للمتعة.
يقول خبير البيئة العراقي أوس الطياوي، إن "مخاطر جسيمة" تهدد الطيور المهاجرة والمستوطنة في العراق، لافتاً إلى أن سبب ذلك هو "الصيد الجائر والعوامل المناخية المتفاقمة". ويؤكد أن "هنالك مجازر تُرتكب بحق الطيور في العراق، سواء تلك التي تعبر البلاد خلال هجرتها الموسمية، أو المستوطنة التي تعد جزءاً من التنوع البيئي"، مشيراً إلى أن الأسواق العراقية تشهد عرض كميات كبيرة من الطيور، مثل البلبل العراقي، والزرزور، والصقور، والنسور، والبط، في ظروف مزرية. ويوضح أن "كل ما يحلق في السماء أصبح هدفاً للصيادين، سواء لكسب المال أو لمجرد التسلية".
يضيف أن "تغير المناخ، خصوصاً جفاف الأراضي في مناطق مثل أهوار العراق المدرجة على قائمة التراث العالمي، ساهم كثيراً في تهديد الطيور"، مبيناً أن "فقدان هذه المناطق البيئية دفع الطيور إلى تغيير مسارات هجرتها، في حين يواجه العديد منها نقصاً في الغذاء، ما يؤدي إلى نفوقها بأعداد كبيرة".
ويؤكد الطياوي أن غياب الرقابة الحكومية هو أحد الأسباب الرئيسية لهذه الظاهرة، وتحدث المخالفات غالباً في المناطق البرية التي تخضع لسيطرة القوات الأمنية. ويلفت إلى أن الصيادين الذين يمتلكون تصاريح لحمل السلاح يستغلونها لدخول مناطق محمية واصطياد الطيور، في حين لا توجد جهة معنية بمراقبة أسواق بيع الطيور. ويدعو الجهات الحكومية إلى تحمل مسؤولياتها من خلال إصدار قوانين تُجرّم الصيد الجائر، وتفعيل دور الشرطة البيئية، بالإضافة إلى تعزيز الجهود للحفاظ على الحياة البرية والتنوع البيولوجي في البلاد.
في مواجهة هذا التهديد، أطلق ناشطون معنيون في الدفاع عن حقوق الحيوانات نداءات متكررة للجهات الرسمية بضرورة التدخل السريع. ويؤكد أحد الصيادين العراقيين، ويدعى جاسم الحسان، أن الصيادين المجازين من حملة هويات الصيد الصادرة عن جمعية الصيادين ملتزمون بتعليمات الصيد، ولا يشاركون في ظاهرة الصيد الجائر التي تهدد التنوع البيئي.
ويوضح الحسان أن هناك فرقاً بين الصيد المنظم الذي يحترم قوانين البيئة وتعليمات جمعية الصيادين، وبين الصيد العشوائي والجائر الذي يمارسه أشخاص يفتقرون إلى ثقافة الصيد وأهميته البيئية. ويشير إلى أن هؤلاء الصيادين غير المرخصين يصطادون بشكل غير قانوني، ما يؤدي إلى استنزاف أعداد كبيرة من الطيور المهاجرة والمستوطنة. يضيف أن الصيادين المجازين يدركون أهمية الحفاظ على التوازن البيئي، ويلتزمون بالفصول المسموح الصيد فيها، وتجنّب استهداف الطيور النادرة أو المهددة بالانقراض، بعكس الصيادين غير المسؤولين الذين يتجاهلون هذه التعليمات تماماً. الحفاظ على الطيور لا يقتصر على القوانين فقط، بل يتطلب جهوداً مجتمعية للتوعية بأهمية هذه الكائنات في استقرار البيئة ودورها في مكافحة الآفات ونقل البذور، كما يقول الناشط البيئي أنور صباح.
ويضيف أن "العديد من الصيادين استغلوا الطلب المتزايد على بعض أنواع الطيور، مثل الحبارى، والإوز، والزرزور، والطبان وغيرها، والتي تلقى إقبالاً كبيراً نظراً لطعمها اللذيذ، ما سبب تحويل الصيد إلى تجارة تفتقر إلى أية رقابة أو تنظيم". ويؤكد أن "هذه التجارة تأتي على حساب النظام البيئي، إذ تُستنزف أعداد كبيرة من الطيور المهاجرة والمستوطنة، ما يسبب اختلالاً في التوازن البيئي ويهدد بانقراض بعض الأنواع المهمة".
ويواصل ناشطون وجهات مهتمة بالحيوانات والبيئة تحمّل المسؤولية في تعزيز التوعية البيئية حول المخاطر التي تترتب على الاستغلال الجائر للطيور في العراق، من خلال حملات إعلامية وعقد برامج وورش، بحسب صباح.
المصدر: العربي الجديد
أقرأ ايضاً
- العراق.. إجراءات للحدّ من ظاهرة "عمالة الأطفال"
- أسعار النفط تهدد العراق.. الحكومة بلا خطط وتوقعات بعودتها لتغيير سعر صرف الدولار
- العمليات التركية في العراق.. لملاحقة "حزب العمال" أم لتنفيذ "أطماعها"؟