لأكثر من ثلاث مرات استبدل محمد المحاويلي (47 عاما) موقع مطعمه، بسبب قلة المردود المالي، إذ يحاول في كل مرة أن يجد موقعا في شارع أكثر حيوية واكتظاظا، بحثا عن رزق أوفر، لكن من دون جدوى، حتى وجد الحل أخيرا باستبدال كادر العمل بعمال سوريين ذوي خبرة في مجال المأكولات.
يعبر المحاويلي، الذي يدير مطعما صغيرا للأكلات السريعة في محافظة بابل (100 كيلومتر جنوب بغداد)، عن ارتياحه بسبب حصوله على عمال سوريين للعمل في مطعمه، بعدما وفرتهم له شركة مختصة باستيراد العمال.
ويقول، إن “الشاب العراقي عندما تسأله عن سبب بطالته، يتذرع بعدم وجود عمل، لكن عندما تجد له عملا فمن اليوم الأول يتخلف عن الموعد أو يغلق هاتفه”.
ويضيف أن “تكاليف العمالة الأجنبية لا تختلف عن العمالة المحلية، لكن أغلب العمال العرب يمتازون بالخبرة والالتزام بالعمل والإبداع في بعض المهن”، مشيرا إلى أن “شركات التوظيف توفر هؤلاء على أساس احتياج أرباب العمل، وأنا متابع لموضوع شرعية وجودهم وإقامتهم داخل العراق”.
ويوفر سوق العمل في العراق فرصة غير مسبوقة للعمالة الأجنبية، سواء من دول جنوب شرق آسيا أو بعض دول الشرق الأوسط التي تعاني من اضطرابات أمنية، وهو ما أدى إلى تدفق العمال من هذه الدول بصورة غير شرعية وتحولهم إلى ظاهرة غير مسبوقة، وتشير التقديرات إلى أن العمالة المرخصة تبلغ 51 ألف عامل أجنبي، أما غير الأصولية فتبلغ أضعاف هذا العدد، وتصل إلى مئات الآلاف.
وأكد رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي يوم الثلاثاء الماضي، أن عدد العمال الوافدين حسب المؤشرات بلغ مليون عامل أجنبي يعملون بصورة غير شرعية، لافتا إلى أن العمالة الوافدة المسجلة تقوم بتحويل عملة صعبة خارج العراق بقيمة 600 مليون دولار سنويا، في حين تقوم العمالة الوافدة (الأجنبية) غير المسجلة بتحويل مبلغ 4 مليارات و200 مليون دولار سنويا من العملة الصعبة في مشهد يضر بالاقتصاد الوطني.
إلى ذلك، يشدد الخبير الاقتصادي صفوان قصي، على “ضرورة تنظيم سوق العمل في العراق، والالتفات إلى العمال المحليين ورفع مستوى ثقافتهم المهنية، فالاقتصاد العراقي يتحمل أعباء خروج أكثر من 600 مليون دولار من البلاد سنويا جراء تشغيل العمال الأجانب”.
ويرى قصي، أن “تفضيل أرباب العمل للعمالة الأجنبية يعود إلى قلة أجور هذه العمالة، لاسيما العمال غير التخصصين أو العمالة غير الماهرة التي يفضلها أرباب العمل في القطاع الخاص على حساب العامل المحلي”، مشيرا إلى أن “الكثير من الدول تلجأ لفرض رسوم وضرائب على العمال الأجانب، قد تصل إلى 200 دولار لاسيما للعمالة غير المتخصصة لمنع مزاحمة العمال المحليين في الوظائف التقليدية”.
ويشير إلى أن “خروج هذه المبالغ من العملة إلى خارج البلاد مؤشر خطير على الاقتصاد العراقي سيسهم في زيادة البطالة وارتفاع نسبة الفقر، فمن المفترض أن تستثمر هذه الأموال في الداخل، وهذا الأمر يرتبط بقدرة الدولة العراقية ووزارة العمل على تهيئة العمال العراقيين وتوظيفهم والتشديد على عملية دخول العمالة التقليدية”.
وأعلن وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي، الثلاثاء الماضي عن آلية للبدء بتصحيح الوضع القانوني للعمالة الأجنبية، لافتاً إلى أن “هناك مئات الآلاف من العمالة الأجنبية غير المنظمة والتي تدخل من مختلف الأطراف منها بواسطة الفيزا التي تمنح بعنوان الزيارة والفيزا الاضطرارية، وكذلك الفيزا التي تمنح من خلال المستثمرين، والفيزا التي تمنح من خلال وزارة النفط للشركات النفطية”، مبينا أن “هناك فيزا تمنح من وزارة الثقافة والسياحة بعنوان سياح”.
وأثار إعلان الحكومة الباكستانية عن تسرب 50 ألف مواطن باكستاني إلى العراق قبل أيام، جدلا أمنيا واقتصاديا كبيرا.
من جهته، يذكر الخبير الاقتصادي همام الشماع، أن “هناك اختلافا وتفاوتا في العمالة الأجنبية، وكوني أقيم في أربيل فإن أكثر من ينشط في سوق العمل هناك هم العمال السوريون وهم يختلفون عن الجنسيات الأخرى، وهم عمال منتجون”.
ويضيف أن “هؤلاء العمال ذوو إنتاجية عالية، لذا كانوا عاملا إيجابيا في تطور الاقتصاد في أربيل، على عكس بقية العمال كالمصريين والآسيويين الذي ينافسون العامل المحلي على أعمال هامشية غير تخصصية، لكن أرباب العمل يفضلونهم كونهم أكثر طاعة من العامل العراقي”.
ويبلغ متوسط مرتب العامل الأجنبي في العراق 700 دولار، بينما يبلغ الحد الأدنى لراتب العامل المحلي 270 دولار، بحسب رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، الذي أشار إلى أن معدل البطالة للعمال في العراق قياسا بالعمالة الأجنبية غير المسجلة بلغ 26 بالمئة.
ومنذ سنوات عديدة، برزت ظاهرة العمالة الوافدة في العراق، وشملت كافة القطاعات، ولاسيما أن أغلب العمالة كانت من بنغلادش، فيما أصبحت مؤخرا من سوريا ولبنان، في ظل الأزمات الاقتصادية التي طالت البلدين، وتركزت هذه العمالة في المطاعم والفنادق والمقاهي أيضا.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟