شكلت أزمة الطاقة الكهربائية المزمنة في العراق، معضلة أمام القطاع الزراعي الذي بدأ ينشط في عدة بوادي في السنوات الأخيرة كونها أرض بكر ذات خصوبة عالية، ما استدعى الاعتماد على المولدات الأهلية لتشغيل مضخات على الآبار الارتوازية لكنها مكلفة ماديا وتهمين على قرابة 45 بالمئة من كلفة الإنتاج بشكل عام، يرافقها الأعطال وعدم استقرار أسعار الوقود ما دفع إلى اللجوء لبدائل أخرى لعل أبرزها الطاقة الشمسية.
وبهذا الصدد، يقول عضو لجنة الزراعة النيابية ثائر الجبوري، إن “القطاع الزراعي في العراق تعرض إلى أربع انتكاسات بعد العام 2003 بسب أزمات الجفاف والإهمال الحكومي وإغراق الأسواق بالمستورد والآفات وتغير نمط المجتمع من خلال الانتقال إلى وظائف حكومية باتت مغرية من ناحية الرواتب لكنه رغم ذلك صمد وبقي ينتج في أقسى الأوقات”.
ويضيف الجبوري، أن “ملف الكهرباء عامل مهم في ماكنة الإنتاج لأنها كلفتها تصل إلى 45 بالمئة في بعض الأحيان من تكليف العملية الإنتاجية بشكل عام وهذه نسبة تشكل عبئا ماليا كبيرا على المزارعين ما دفعهم إلى الاستغناء عن المولدات واللجوء إلى الطاقة الشمسية التي تصاعد الإقبال عليها في المناطق الزراعية ومنها البوادي بنسبة تصل إلى 10 بالمئة سنويا”.
ويشير إلى أن “لجنة الزراعة النيابية تسعى إلى بلورة خارطة طريق تسهم في توطين صناعة الخلايا الشمسية وبقية مراحل الإنتاج في العراق وإطلاق منظومات إنتاج خاصة بالمزارعين بكلف اقتصادية لا تشكل إرهاقا على ميزانية المزارعين”.
ويؤكد أن “الطاقة الشمسية على الأمد المتوسط والبعيد ستخفض كلف الإنتاج الزراعي بنسب تصل إلى 40 بالمئة على الأقل وتصبح مجانية خلال سنوات”.
وبدأت الطاقة الشمسية تأخذ حيزا كبيرا من الاهتمام الدولي، خاصة وأنها يمكن أن تسهم في تعويض جزء من الطاقة الكهربائية للمنازل والمؤسسات في أوقات الذروة، مع إمكانية تحويلها إلى قطاع منتج يمكنه تخفيف الضغط على مناطق واسعة من البلاد.
ويتجه العراق لتطوير هذا القطاع بشتى الطرق، وكان آخرها إبرام العقود مع شركات كبرى مختصة بهذا المجال، فضلا عن التسهيلات التي قدمها لأجل استخدام وشراء ألواح الطاقة الشمسية، لكن بحسب مختصين، فإن هذا التوجه لن يحل أزمة الكهرباء بشكل كبير، بل سيكون جزءا بسيطا من الأزمة.
بدوره يقر رئيس الجمعيات الفلاحية في ديالى رعد مغامس، بأن “نسبة الاعتماد على الطاقة الشمسية خاصة في مناطق الأرياف تصاعدت بنسبة تصل إلى 10 بالمئة سنويا، إذ أن أزمات الكهرباء دفعت المزارعين إلى اتجاهات غير تقليدية ومنها تشغيل المضخات من خلال الألواح الشمسية”.
ويوضح أنه “تمت مخاطبة الحكومة الاتحادية بضرورة رفع الضرائب عن ألواح الطاقة الشمسية والسعي لتوفير المنظومات بأسعار مناسبة للأغراض الزراعية من أجل تخفيف الأعباء المالية عن المزارعين”.
ويلفت إلى أن “معالجة كلف المنظومات ستدفع إلى انتقالة كبيرة للمزارعين نحو الطاقة النظيفة ما يؤدي إلى تخفيف الأحمال في 14 مقاطعة زراعية في ديالى والأمر ذاته يمكن أن يتحقق في بقية المحافظات التي تعتمد في اقتصادها على قطاع الزراعة”.
وتسعى شركة “توتال إنرجي” الفرنسية للنفط والغاز خلال عامين إلى تسليم الجزء الأول من مشروعها للطاقة الشمسية في العراق الذي تبلغ قدرته الإنتاجية ألف ميغاواط.
وكان وزير الكهرباء زياد علي فاضل، أعلن أواخر شهر شباط الماضي، عن قرب توقيع عقد إنشاء محطة للطاقة الشمسية بقدرة 1000 ميغاواط في النجف مع شركة “أكوا باور” السعودية.
كما كان الوزير، قد أكد في شهر كانون الثاني الماضي، على اتخاذ وزارته خطوات فعلية لتنويع مصادر الطاقة في البلاد، ومنها الطاقة الشمسية وتقليل الاعتماد على الغاز المستورد المشغل للمحطات الغازية.
إلى ذلك، يبين النائب مضر معن، أن “شركة صينية بدأت قبل يومين في وضع أولى خطوات بناء أكبر محطة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في مناطق زراعية مترامية في خانقين وقره تبه شمال شرقي ديالى”.
ويتابع “الإنتاج يصل إلى 120 ميغاواط من خلال مرحلتين وهي مؤشر على انتقالة نوعية نحو الطاقة النظيفة ما يعزز الآفاق في اعتماد الألواح الشمسية كمصدر بديل للكهرباء بعيدا عن أزمات الطاقة التقليدية المستمرة منذ سنوات طويلة، وهذه المحطة ستزود من أربع إلى ست مناطق زراعية مترامية مشهورة بإنتاج محاصيل عدة أبرزها القمح”.
وينبه معن إلى أن “هناك جهودا تبذل في مجلس النواب منذ أشهر من أجل رفع الأسباب التي تجعل عملية استيراد منظومات الطاقة الشمسية مكلفة للمزارعين وهناك مساعٍ لإطلاق خارطة طريق خلال شهرين بالتنسيق مع الحكومة من أجل توفير منظومات اقتصادية من خلال قروض ميسرة لخلق مرونة عالية في دفع المزارعين للانتقال إلى الطاقة لنظيفة”.
ويعاني العراق منذ تسعينيات القرن الماضي من تردي إنتاج الطاقة الكهربائية، وتفاقمت الأزمة بعد العام 2003 جراء قيام القوات الأمريكية بقصف محطات الإنتاج خلال حرب الإطاحة بالنظام السابق، ما أدى إلى انهيار الإنتاج، وعلى الرغم من صرف عشرات المليارات من الدولارات طوال العشرين سنة الماضية إلا أن المشكلة لم يتم حلها بشكل جذري.
من جهته، يرى الخبير الزراعي علي الزهيري، أنه “رغم الكلف العالية لمنظومات الطاقة الشمسية لكنها بدأت ترى انتعاشا في أكثر من 30 منطقة زراعية في البلاد خاصة بادية النجف والسماوة وديالى والأنبار لأن التجربة أثبتت فاعليتها وقدرتها في توفير كهرباء مستدامة طول النهار”.
ويشرح “الأجواء العراقية تجعل اعتماد الطاقة الشمسية خيارا صائبا رغم غلاء الأسعار قياسا بدول الجوار، وهناك نسبة كبيرة من المزارع تعتمد على تشغيل المضخات من الأنهر والآبار ما يجعل توفير الكهرباء عاملا حاسما في تحديد بوصلة الإنتاج الزراعي في كل منطقة”.
وكان البنك المركزي العراقي قد كشف في 2 تشرين الثاني 2023، عن عزوف المواطنين عن مبادرته في تقديم قروض لاستخدام الطاقة النظيفة ومنها اقتناء ألواح الطاقة الشمسية.
وفي السياق، يقول المزارع صبري الزيدي، إن “الكهرباء تختفي في مواسم الذروة أي في فصل الصيف ما يدفعنا للاستعانة بالمولدات التي تكلفنا قرابة نصف الإيرادات وربما أكثر لتأمين شراء الوقود والصيانة والإعطال المتكررة”.
ويضيف “اضطررت لتمويل شراء منظومة طاقة شمسية بكلفة وصلت إلى 20 ألف دولار قبل ثلاث سنوات والبعض وصفوني بالمجنون لأنها مغامرة في منطقتي الزراعية لكن مع الوقت تبين أن قراري صائبا واقتصاديا ولو أجريت مقارنة بالأرقام بقي لي عاما واحدا وتصبح الطاقة المنتجة من الألواح مجانية مقارنة مع ما كنت أنفقه من أموال على شراء الوقود للمولدة والصيانة وبقية الالتزامات الأخرى لتأمين المياه”.
وكان مدير عام شركة الزوراء العامة التابعة لوزارة الصناعة والمعادن مهند جبار، قد كشف يوم الجمعة 12 كانون الثاني الماضي، عن توجه لتوطين صناعة ألواح الطاقة الشمسية في العراق لتلبية الحاجة المحلية التي تعتمد بشكل أساسي على الاستيراد.
وقال إن شركة الزوراء متخصصة في مجال توزيع الطاقة الكهربائية وتم دمجها مع شركة المنصور التي كانت من أوائل الشركات التي تنتج ألواح الطاقة الشمسية في الشرق الأوسط، مؤكداً الشروع بإلاعلان عن فرصة عقد مشاركة مع القطاع الخاص، لغرض إنشاء معمل لإنتاج ألواح الطاقة الشمسية.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- بركات الامام الحسين وصلت الى غزة ولبنان :العتبة الحسينية مثلت العراق انسانيا(تقرير مصور)
- القائم بالاعمال السفارة العراقية في سوريا: جوازات مرور وسمات دخول واقامات قدمها العراق الى مواطنيه وضيوفه