مع اقتراب الانتخابات الأمريكية، أكد مراقبون أن تأثيراتها ستنعكس على الوضع العراقي والإقليمي عموما، وفيما رجحوا حدوث تغيير كبير في العلاقات العراقية الأمريكية مع وصول المرشح الجمهوري دونالد ترامب مرة أخرى لرئاسة البيت الأبيض، أشاروا إلى أن “ربيع العلاقات” بين بغداد وواشنطن سينتهي، لأن الأخيرة في عهد ترامب ستتطلب وضوحا في الموقف العراقي من إيران.
ويقول المحلل السياسي غالب الدعمي، إن “تغييرا كبيرا وجذريا على العلاقات العراقية الأمريكية سيطرأ إذا فاز ترامب في الانتخابات، لأنها لن تقبل بالمنطقة الرمادية، وعلى العراق أن يختار أحد اللونين، الأبيض، أو الأسود”.
ويرى الدعمي، أن “إدارة ترامب تتطلب وضوحا أكبر في تعامل الحكومة العراقية مع الولايات المتحدة الأمريكية أو مع إيران، لذا فإن مسار الوئام بين الحكومة العراقية ونظيرتها الأمريكية لن يدوم طويلا على هذا الجانب”.
ويعتقد أن “الأشهر المقبلة ستكون هي نهاية ربيع العلاقة بين العراق والولايات المتحدة، وبعدها لن تكون هناك علاقات إيجابية إذا ما عاد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية، والمرجح أنه سيفوز”.
وتحمل الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 الرقم 60 في تاريخ الولايات المتحدة، التي تجري كل أربع سنوات، والمقرر إجراؤها في 5 تشرين الثاني المقبل، وسوف ينتخب الناخبون رئيسا ونائبا للرئيس لمدة أربع سنوات، واعلن الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، وهو عضو في الحزب الديمقراطي، انسحابه من السباق الرئاسي واعلن دعمه لنائبته كامالا هاريس، ويترشح الرئيس السابق دونالد ترامب، عضو الحزب الجمهوري، لإعادة انتخابه لولاية ثانية غير متتالية، بعد خسارته أمام بايدن في الانتخابات 2020.
وعلى الرغم من انتقاد ترامب، لقرار سلفه الرئيس الأسبق جورج بوش، بغزو العراق، إلا أنه لم يتردد في توجيه تهديد بـ”عقوبات شديدة” إلى حكومة عادل عبدالمهدي والبرلمان العراقي عندما عقدا جلسة مشتركة من أجل إنهاء أي تواجد للقوات الأجنبية في الأراضي العراقية، وذلك بعدما تجرأ ترامب نفسه على اتخاذ قرار اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني، في 3 كانون الثاني 2020 بغارة جوية قرب مطار بغداد.
حادث الاغتيال أدخل العلاقات العراقية الأمريكية التي كانت مستقرة نسبيا، بمرحلة جديدة من الاضطراب والتوتر والحرج، حيث بدأت تتصاعد هجمات الفصائل العراقية المسلحة ضد القوات الأمريكية في أنحاء العراق.
من جهته، يذكر مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، أن “العراق جرب حقبة ترامب، ولاحظنا سياساته الراديكالية، لكن في الوقت نفسه كان مترددا في الكثير من المواقف، فسياسة الجمهوريين متذبذبة، لكنها تمثل اليمين المتطرف ولديها عنصرية ضد الأجانب، حتى أن ترامب أوقف هجرة الكثير من الأجانب إلى أمريكا”.
ويضيف فيصل “أما الحزب الديمقراطي يؤمن بالمنهج الأخلاقي، أي ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، ويختلف عن غريمه الجمهوري، إذ يؤمن بالديمقراطية الاجتماعية التي تقترب من أوروبا على عكس الحزب الجمهوري الذي يؤمن بالقوة”.
وعن نشاط الفصائل المسلحة في العراق، يؤكد أن “كلا الحزبين سيكون لديه موقف واحد، ففي حال تعرض القواعد الأمريكية لأي تهديد أمني، فإن واشنطن سترد بقوة، وعندما تتعرض قواعدها لقصف، فمن المؤكد أن هذا الرد سيأتي ضمن إطار حق الدفاع عن النفس، وسيستهدف مقرات أو مخازن للأسلحة”.
وخلال توليه رئاسته الأولى، امتلك ترامب تصورات وأفكارا خاصة للتعامل مع العراق، إذ كرر مرارا تهديداته ضد إيران بتوجيه “انتقام كبير” ضدها إذا شنت هجمات على المصالح الأمريكية في العراق والمنطقة، لكن طهران فعلت ذلك بقصف قاعدة عين الأسد وعدة هجمات بعد اغتيال سليماني والمهندس.
كما حاول ترامب وضع تصوره للعلاقات الاستراتيجية مع العراق وفق المبادئ التي حددها وهي: تحجيم الوجود الايراني في العراق، وتعزيز الوجود العسكري الامريكي وحماية الجنود، وانتزاع تسهيلات من العراق لحرية حركة القوات الأمريكية، حتى لو كان نشاطها متداخلا مع الوجود العسكري الامريكي في شرق سوريا، وهو أيضا عندما تسلم منصبه، تعهد بإنهاء وجود تنظيم داعش في العراق خلال 100 يوم، وإرسال المزيد من الجنود الى العراق والعمل من اجل قيام حكومة صديقة في بغداد.
لكن المحلل السياسي عائد الهلالي يكشف من جهته، أن “التسريبات التي وصلتني من كواليس إحدى الغرف داخل الحزب الجمهوري، تتحدث عن أن ترامب لديه نية لعقد جولة جديدة من التقارب بين الولايات المتحدة وإيران لو فاز، على غرار ما حصل في ولايته الأولى مع الرئيس الإيراني حسن روحاني آنذاك”.
ويشير إلى أن “ترامب يريد أن ينضم إلى تحالف دولي رباعي مع إيران والصين وكوريا الشمالية، وهذا التحالف يمتلك قدرة كبيرة على مستوى السلاح والمال والاقتصاد، لا سيما أن الولايات المتحدة تعاني من ضائقة مالية كبيرة وحجم ديون يتجاوز 35 تريليون دولار”، لافتا إلى أن “هناك استنزافا كبيرا للقدرات العسكرية الأمريكية من قبل حرب إسرائيل، وهذا أثر بشكل كبير على الولايات المتحدة”.
ويعتقد أن “ما يحصل بين روسيا وأوكرانيا وفي الشرق الأوسط وغزة على وجه التحديد، ربما يؤسس لعلاقات جديدة يمكن أن تخدم سياسة التفاهم والانفتاح للولايات المتحدة الأمريكية”.
لكنه يستدرك بأن “البعض يقول العكس، وأن الولايات المتحدة تمضي بإشعال حروب حتى وإن كلفها الأمر إشعال حرب عالمية ثالثة لأن حجم الدين الأمريكي لا يمكن إطفاؤه إلا بحرب كونية”، بيد أنه يرجح أن “تكون هناك ضربات متفرقة، لكن لن يكون ثمة تصعيد كبير، لأن عملية الدخول في عملية صراع مفتوح سيكلف الولايات المتحدة، والجميع يدرك ذلك”.
وتميزت سنوات ترامب في الحكم، بتفضيله لخيار “أمريكا أولا”، والتركيز على الشؤون والتحديات الأمريكية الداخلية عوضا عن إنفاق الأموال والاستثمار في منظمات وتحالفات وهيئات دولية وإقليمية، ولذا وجد قد انسحب من العديد من المنظمات الدولية أو أوقف العمل باتفاقيات دولية، وحاول الانسحاب من حلف “الناتو”.
وعلى مبدأ الصفقات نفسه، فإن ترامب قال مؤخرا على سبيل المثال، أنه عوضا عن الانخراط الكبير الذي قام به الرئيس الحالي جو بايدن، في الحرب الأوكرانية الروسية، فانه مستعد لطرح صفقة تنهي الحرب خلال أسابيع قليلة وتقنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- الحكومة العراقية تُقر مشاريع سكنية وصناعية وخدمية ومدينة ترفيهية
- وزارة العمل : 11 ألف معاق حصلوا على الرقم المروري المجّاني
- بارزاني يبحث مع الحكيم "التغييرات السياسية" في المنطقة