بالرغم من محاولات وزارة الاتصالات بين الحين والآخر للسيطرة على قطاع الإنترنت في العراق خلال الحكومات المتعاقبة، ضمن سياسات محاربة تهريب السعات، إلا أن القطاع يواصل حاجته لإجراءات أكثر من عدة اتجاهات وفقا لما يشخصه مختصون في جودة الخدمات.
وأطلقت وزارة الاتصالات في الأول من شباط 2023، خدمة الإنترنت المدعوم، مبينة أن الخدمة ستقدم 10 "غيغابايتات" مجانية لكل عائلة، وذلك بغية دعم العوائل المتعففة، فيما ستوفر الوزارة خدمة بسعة 100 "غيغابايت" قابلة للتجديد وبسرعة غير محددة لقاء مبلغ اشتراك لا يتجاوز 15 ألف دينار (10 دولارات).
أما من ناحية الجودة، فقد تحدثت الوزارة، أن الخدمة الجديدة ستوفر إمكانية قياس سرعة الإنترنت من خلال تطبيق خاص تعتمده الوزارة لقياس السعة والسرعة وتجديد الاشتراك في حال نفاده، مبينة أنه وفق الإحصائيات فإن نحو 75 بالمئة من العوائل العراقية تستهلك نحو 300 "غيغابايت" شهريا وبسرعات متباينة، في حين ستحصل العائلة الواحدة ضمن الاشتراك المدعوم على 300 "غيغابايت" بسرعة عالية مقابل 45 ألف دينار عراقي (30 دولارا).
ويقول المختص في قطاع الاتصالات والإنترنت، علي أنور، إن “جودة الإنترنت في العراق ليست ضمن الطموح وبشكل عام لا يوجد رقابة عليها إلا من المواطنين، ووزارة الاتصالات التي تعتبر القائد لهذا القطاع هي نفسها تقر بوجود أخطاء ومشاكل كثيرة بالجودة وغيرها”.
ويضيف أنور، أن “وزارة الاتصالات هي أول مسبب لرداءة خدمة الإنترنت لأنها تفرض رسوما مرتفعة على أجور تمرير السعات بشكل عام ما يؤثر في كلفة الإنترنت ابتداء من الحدود مرورا بالشركات ثم وصولا إلى البيوت عن طريق الوكلاء”.
ويشير إلى أن “ارتفاع الرسوم من قبل الوزارة هو ما يزيد الكلفة على الإنترنت المقدم للمواطنين ويقلل الجودة، في حين أن الوزارة كانت تقوم بتخفيضها بعض الأحيان لكنها بالعموم تعد مرتفعة بأضعاف ما يوجد من إنترنت في دول الجوار”.
ويؤكد أنور، أن “الوزارة لا تخفض الرسوم لأنها تؤثر على مواردها التي تستفيد منها في دفع رواتب موظفيها وصرفياتها الأخرى وهي تدخل بسياقات تعزيز موارد الدولة، لكن لابد من وجود رقابة بشكل أكبر على الجودة من قبل وزارة الاتصالات ويسبقها تخفيض لأجور السعات”.
وعن مقارنة جودة الإنترنت في العراق، يرى أنور أنه “باستثناء سوريا وإيران، فالعراق يعتبر بعيد كل البعد عن الجودة والإدارة لقطاع الإنترنت ومراقبته بسبب آلية عمل الوكلاء”.
ويوضح أن “المشاكل يمكن القضاء عليها بالانتقال إلى الكابل الضوئي FTTH والاستغناء عن الأبراج حيث ستسقط جميع الأعذار التي تظهر عن صعوبة مراقبة الإنترنت”.
ويبين أنور، أن “وزارة الاتصالات لا توفر أرقاما عن جودة الإنترنت لاطلاع المختصين بشفافية وعن الأهداف التي يجب وصولها في العراق بما يخص الجودة وطموحاتها”.
ويلفت إلى أن “تصنيف العراق بهذا المجال يصدر من قبل مواقع عالمية مختصة وفي بعض الأحيان جاء العراق بالمرتبة 40 بين دول العالم وهي تعتبر جيدة، فيما حل بسنوات أخرى بعد المرتبة 100 ولذلك فهي مراتب متذبذبة تخضع لتغير السياسات والوزراء والاقتصادات والحكومات”.
وينبه إلى أنه “مع اتجاه العراق نحو تطبيق سياسات الدفع الإلكتروني يحتاج لخدمة إنترنت عالية لتشغيل أجهزة الدفع لأن الطلب سوف يزداد على هذه الطرق، وهو موضوع أشبه بطلب الطعام الدلفري والاحتياجات الأخرى بالتسوق عبر التطبيقات”.
ويشكو كثير من العراقيين من سوء خدمة الإنترنت وارتفاع أسعارها في عموم المحافظات، على الرغم من إعلان وزارة الاتصالات حزمة من القرارات الهادفة إلى تحسين الخدمات والحد من ارتفاع أسعارها.
بدوره، يشرح المختص في مبيعات شركات الإنترنت، حيدر ستار، أن “هناك أسبابا عديدة لضعف جودة الإنترنت في العراق تقف عائقا أمام الشركات المزودة للخدمة في كل وقت، والتحسن الذي يحصل في بعض الأحيان يقابله مشكلات أكبر في أغلب الأوقات”.
ويجزم بأن “الإنترنت في العراق لن يتحسن إطلاقا إلا إذا تم تقليل سعر نقل السعات عن طريق الوكيل التابع لوزارة الاتصالات، في وقت لا يوجد نهاية لمشاكل الوزارة مع الشركات ما ينتج قلة الجودة”.
ويشير إلى أن “الشركات بالعموم لا تصب أهدافها لخدمة الزبون بقدر اهتمامها بكسب الزبون حتى عبر التنافس غير الشريف لزيادة أعداد المشتركين دون اهتمام بما سيحصل عليه من خدمة جيدة أو سيئة”.
ويعتقد ستار، أن “أغلب الوكلاء هم سبب رداءة الجودة، مع وجود نسبة قليلة تعمل بشكل جيد، فالوكلاء يتحكمون بالأسعار ولا يلتزمون بالتسعيرة الرسمية، كما يمارسون الضغط على الشركات للحصول على عروض تدر عليهم الأموال وهو يمثل التفكير الوحيد بهذا القطاع”.
ويكمل “تخفيض السرعة يعني تضرر المشتركين، بينما سيبقى الوكيل مستفيدا بسعر ينفع مصالحه وهذه ليست بالمعادلة الصحيحة التي يجب حصولها، فجودة الإنترنت في العراق مقارنة بدول الجوار تحسنت بعض الشيء بتطبيق خدمة الألياف الضوئية، مع استمرار العراق بعدم استخدام الإنترنت المحدود، إذ توجد سرعات بطيئة ومتغيرة لا ينتبه لها أحد وذلك يتضح من خلال بيع 10 غيغابايت للمستخدم وهو حر باستخدامها خلال يوم أو شهر، مقارنة بإمكانية منحه إنترنت مفتوح طيلة الشهر وقد يصل استخدامه إلى 50 غيغابايت”.
وتبدأ أسعار الاشتراكات الشهرية للإنترنت التي تقدمها الشركات الأهلية في العراق من 35 ألف دينار عراقي، وتصل إلى 180 ألف دينار، مقابل خدمة رديئة تثير سخط وانتقادات المواطنين، حيث تتصاعد بين الحين والآخر دعوات لتحسين قطاع خدمات الاتصالات عامة في العراق، بما يتناسب مع التطور الحاصل حول العالم، وبما يلبي طموح ملايين المستخدمين العراقيين.
ويتفق النائب وعضو لجنة النقل والاتصالات النيابية، غسان العيداني، أنه “مع ضرورة إصلاح قطاع الإنترنت في العراق وضمان تقديم جودة حقيقية للمستخدمين عبر الإنترنت المدعوم أو شركات القطاع الخاص”.
ويشدد أن “اللجنة على تواصل مستمر مع وزارة الاتصالات لتقييم ضمان الجودة وتطبيق الضوابط القانونية على المزودين للخدمة مقارنة بأسعار الاشتراكات والباقات”.
ويؤكد أن “العراق كان يعاني من تهريب كبير بسعات الإنترنت، ولكن جهود ملاحقة المهربين في الفترة الأخيرة وإجراءات وزارة الاتصالات ومتابعة اللجنة النيابية أسهمت في خفض هذه العمليات”.
ويقر العيداني، بأن “هذا القطاع حيوي وأصبح يمثل أهمية قصوى في الحاجة الاجتماعية والتعاملات الاقتصادية والكثير من المجالات الأخرى ولذلك يجب تكامل الجهود جميعها لضمان وجود خدمات مناسبة لفئات المجتمع”.
وتراجع العراق 6 مراتب على أساس شهري، بحسب مؤشر سرعة الإنترنت العالمي الصادر في شهر كانون الثاني الماضي، ليحل بالمرتبة 122 عالميا والتاسعة عربيا، حيث انخفضت سرعة التنزيل بالرغم من ارتفاع سرعة التحميل بشكل طفيف.
وتنقطع خدمة الإنترنت في العراق بشكل مستمر، حيث يكون الجزء الأكبر من الانقطاعات معتمدا على قرارات الحكومة التي توقف الخدمة في أيام الامتحانات النهائية خوفا من تسريب الأسئلة، أو لتطورات سياسية وأمنية، أو لأغراض الصيانة التي تجريها شركات الاتصالات والوزارة.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- فاطمة عند الامام الحسين :حاصرتها الامراض والصواريخ والقنابل.. العتبة الحسينية تتبنى علاج الطفلة اللبنانية العليلة "فاطمة "
- مع اقتراب موعده.. هل تعرقل المادة 140إجراء التعداد السكاني؟
- رئاسة المشهداني.. هل تمهد لعودة الزعامات الكلاسيكية؟