اشتهر العراق تاريخيا باسم أرض السواد لكثرة وكثافة الأراضي الزراعية والمساحات الخضراء والمسطحات المائية التي تحيط بها الأشجار والحشائش بمختلف أصنافها، وتعد محافظة بابل من أخصب محافظات وسط البلاد وأكثرها استغلالا للأراضي زراعيا، وهذا الواقع كان ماثلا حتى أواخر ثمانينات القرن الماضي، إلا أن الحال تغير كثيرا بسبب سوء استثمار مياه نهري دجلة والفرات، ثم جاء التغير المناخي والجفاف وشح الأمطار ليقلب الأمور رأسا على عقب، وطال حتى المتنزهات في الأحياء السكنية.
ويقول الصحفي والمحلل السياسي أحمد الكناني، إنه “في وقت سابق تم إثارة موضوع غياب المساحات الخضراء في محافظة بابل وبالتحديد مركز مدينة الحلة، حيث قام أحد المحافظين السابقين بمنح شخصيات بارزة في المحافظة قطع أراضي من المساحات الخضراء، وفي حينها حتى وزير الزراعة تدخل لكن دون جدوى”.
ويضيف “كل هذا التخبط حصل بسبب عدم وجود تخطيط حقيقي وبعض الحكومات المحلية ساهمت باكتساح المناطق الخضراء، وعلى بلدية الحلة الاهتمام بالمساحات الخضراء وخاصة المتنزهات في الأحياء السكنية لتكون متنفسا للعوائل والأطفال”.
ويشير إلى أن “بلدية الحلة بدلا من أن تقوم بواجبها حولت المساحات الخضراء إلى صحراء لذلك نشهد اليوم ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير بسبب عدم تشجير الأحزمة الخضراء”.
وأصدرت الأمم المتحدة بياناً في 17 حزيران 2022 بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التصحر، ذكرت فيه أن العراق من بين الدول الخمس الأولى الأكثر تضررا من التغييرات المناخية، ويأتي في المرتبة 39 بين الدول الاكثر إجهادا للمياه.
وذكر البيان أن الانخفاض القياسي في معدل سقوط الأمطار في سنة 2021، وهو ثاني أكثر المواسم جفافا منذ 40 سنة، أدى إلى نقص المياه والتصحر وتآكل التربة نتيجة الممارسات الزراعية غير المستدامة والتي تؤدي إلى تضرر وانكماش الغطاء النباتي.
وكانت أمانة بغداد قد أطلقت في 4 حزيران 2022، حملة لزراعة عشرة آلاف شجرة في العاصمة كمرحلة أولى من خطة أوسع للتشجير، كما أطلقت مبادرة في نينوى تحت مسمى “الموصل الخضراء” لزراعة مليون شجرة، بتمويل من مركز الأزمات والدعم الفرنسي وبمشاركة أكثر من 1500 متطوع، وفي العام 2017 أطلق متطوعون في البصرة مبادرة لغرس مليون شجرة تحت عنوان “بصرتنا تستاهل شجرة”، إلى جانب محافظات عدة أطلقت حملات مشابهة.
من جانبه، يؤكد معاون محافظ بابل لشؤون التخطيط فلاح حسن، أن “هناك مقترح لمديرية بلدية الحلة بتأجير تلك المساحات لبعض المؤجرين والمتعهدين لتقديم الخدمات مع بقاء الحديقة مرفقا عاما ومجانيا لكل المواطنين خاصة ذوي الدخل المحدود كونها داخل المناطق السكنية”.
ويوضح أن “صيانة وإدارة المتنزهات ستكون من مسؤولية المتعهد وتحت إشراف البلدية فهناك ألعاب أصبحت مصدر خطو كونها تكسرت والطفل لا يعي حجم خطرها”.
وأعلنت وزارة الزراعة في العام 2020، عن حاجة العراق إلى أكثر من 14 مليار شجرة لإحياء المناطق التي تعاني من التصحر، بالإضافة إلى إطلاقها مشروعا يرتكز على توزيع الشجيرات على البلديات في بغداد والمحافظات ومنظمات المجتمع المدني مجانا لزراعتها داخل المدن وحولها لتدعيم الحزام الأخضر لمنع زحف الصحراء نحو المدن.
بدوره يشير مدير بلدية الحلة أحمد الحربي، إلى أن “بلدية الحلة قامت بمجموعة من الأعمال لتأهيل المتنزهات التي تم استلامها من ديوان محافظة بابل بعد أن تمت تسوية العمل مع الشركة المنفذة ويبلغ عددها ثمانية متنزهات في العام 2022 وباشرت البلدية بإعداد الكشوفات وباشرت بتأهيل أربعة متنزهات وإكمال اثنين منها والبقية قيد التأهيل بالمساحات الخضراء والنافورات”.
ويلفت إلى أنه “في الفترات السابقة عانت بلدية الحلة من ضعف الإمكانيات وحاولنا بما هو متوفر إعادة العمل من خلال الميزانية التشغيلية ومستمرون أيضا بإعادة تأهيل الجزرات الوسطية وإكمال أكثر من عشرة كيلومترات من مداخل الحلة لمحافظات الوسط، وأيضا باشرت البلدية بإعادة تأهيل الألعاب في المنتزهات وانتهينا من ثلاثة منها، وهانك لجنة ثابتة لمراقبة تأهيل الألعاب”.
واضطرت الظروف الاقتصادية التي عانى منها العراقيون طوال العقود الماضية، وانعدام فرص العمل، إلى الاستغناء عن الحدائق المنزلية وتحويلها إلى منازل صغيرة لغرض تأجيرها أو بيعها، كما عمد الكثير من المزارعين إلى تقسيم أراضيهم وبيعها كقطع أراضٍ سكنية أو تجارية جراء تراجع مردودتها بسبب إغراق الأسواق المحلية بالخضر والفواكه المستوردة، وكذلك بسبب شح المياه وانعدام الدعم الحكومي للفلاحين، ولم تسلم المساحات الخضراء داخل المدن من الاستغلال والتجاوز عليها.
من جانبه، يصف المواطن أبو علي، الوضع في مدينة الحلة بأنه “مأساوي ووصل حد الكارثة فعند التجول في شوارعها يتبادر إلى ذهنك أن عاصفة ترابية قد ضربت المدينة لتصاعد الغبار والأتربة والأوساخ لعدم وجود المساحات الخضراء والأشجار فهناك مناطق يوجد بها متنزهات لكنها مغلقة وتشكل مصدر خطر للأطفال لتكسر ألعابها وأيضا عدم الاهتمام بتشجيرها”.
ويلفت إلى أن “بابل كانت تملك الكثير من المساحات الخضراء لكن سيطرة بعض الجهات المتنفذة والحكومات السابقة قضت عليها حيث جرى تقاسمها من قبل الأحزاب والمتنفذين ليكون المواطن الخاسر الأكبر للعيش في هذه المدينة البائسة”.
يشار إلى أن مشروع الحزام الأخضر الذي تبنته لجنة وزارية قبل سنوات، توقف نتيجة الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العراق بعد ما تم تنفيذ مشاريع عدة من بينها زراعة آلاف الأشجار، ما إلى تعرض العراق لتغييرات مناخية كبيرة، وقد بات بحاجة إلى عدد كبير من هذه المشاريع لتقليل العواصف الرملية.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
الصورة: كرار جبار
أقرأ ايضاً
- مزرعة للألواح الشمسية من 7500 دونم في بابل.. هل تنقذها من أزمة الكهرباء؟
- كيف أصبحت بابل الأسوأ خدميا؟
- انعدام السياسة الإسكانية وغسيل الأموال يشعلان أسعار العقارات في بابل