في قرار غير مسبوق، أبطلت محكمة التمييز الاتحادية، قرارا للمحكمة الاتحادية العليا، واعتبرته “معدوما”، ما أثار زوبعة قانونية حول شرعية هذا القرار، وفيما أيد خبير قانوني وباحث سياسي، قرار “التمييز”، وأكدا خروج “الاتحادية” عن صلاحياتها الدستورية في أكثر من قرار، لفت عضو في مجلس النواب إلى أن المحكمة الاتحادية هي أعلى سلطات القضاء، لذا لا يجوز أن “تعدم” محكمة التمييز قرارا للاتحادية.
ويقول الخبير في الشأن القانوني أمير الدعمي، إن “قرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز يعتبر غير مسبوق وهو الأول من نوعه، فرغم أن الدستور أكد أن قرارات المحكمة الاتحادية باتة وملزمة، لكن الهيئة العامة لمحكمة التمييز رأت أن المحكمة الاتحادية تجاوزت الصلاحيات، وربما هي استندت على مادة قانونية تمنحها الولاية والأسبقية”.
ويعتقد الدعمي أن “المحكمة الاتحادية أخذت دور التشريع والدور القضائي بالفعل في القضية المنظورة أمامها، وهذا يخالف الدستور العراقي على اعتبار الفصل بين السلطات”.
وكانت وسائل الإعلام والأوساط السياسية والشعبية كافة، ضجت بقرار محكمة التمييز الاتحادية، نقض قرارا آخر للمحكمة الاتحادية العليا واعتباره غير بات وغير ملزم، لأن من المفترض أن تكون المحكمة الاتحادية العليا اعلى سلطة قضائية وما يصدر منها بات وملزم للسلطات كافة، الأمر الذي سبب صدمة وضجة في الأوساط القانونية والسياسية، وأثار تساؤلات عن مصير العديد من القرارات السابقة للمحكمة الاتحادية وما اذا كان ينطبق عليها وصف قرار محكمة التمييز الأخير.
ويضيف الدعمي، أن “قرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز أكد أن هناك تدخلات من المحكمة الاتحادية وهذا قد يفتح صراع بين الجهات القضائية، ولهذا يجب تشريع قانون المحكمة الاتحادية المنصوص عليه بالدستور وليس هذا القانون المختلف عليه”.
ويشير الخبير القانوني إلى أن “دور المحكمة الاتحادية الحالية، هو ليس نفسه الذي نص عليه الدستور العراقي وهناك اختلافات كثيرة على قرارات المحكمة الاتحادية خاصة في الآونة الأخيرة إذ خلطت بين التشريع والقضاء وهذا لا يجوز، ولهذا أرى أن قرار محكمة التمييز في محله رغم أن هناك إلزامية وبتاتاً وفق الدستور للمحكمة الاتحادية”، متوقعا أن “إشكاليات ستقع مستقبلا وربما يكون لها تأثير حتى على الوضع السياسي”.
وكان قرار التمييز صدر ضد الاتحادية، إثر تقديم قاض طلبا إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان لإحالته الى التقاعد بنسبة 80% من آخر راتب تقاضاه وفقا لقانون التقاعد الموحد، إلا أن زيدان رفض الطلب، لأن القانون، بحسب زيدان، يوجب أن يكون لدى القاضي خدمة قضائية 30 عاما، إلا أن القاضي صاحب الطلب تبلغ خدمته نحو 17 سنة، لكنه أضاف إليها خدمته في المحاماة 13 عاما وهو ما يجعل الخدمة الكلية 30 عاما، غير أن القانون يلزمه أن يكون قاضيا لمدة 30 سنة، ولا تحتسب المحاماة ضمن الخدمة القضائية، بحسب رأي التمييز، لذا رد طلبه الأول.
لكن القاضي الذي يروم التقاعد، لجأ بعد ذلك إلى لجنة شؤون القضاة، مستندا إلى قرار من المحكمة الاتحادية لحالة مشابهة، عندما قضت الأخيرة بالحكم بعدم دستورية المادة 35 رابعا أ 4، من قانون التقاعد، وذلك بدعوى رفعها أحد قضاة المحكمة الاتحادية على رئيس مجلس النواب بسبب تضمن المادة واشتراطها بأن “يتم القاضي 30 عاما في القضاء أو الادعاء العام”، وحكمت المحكمة الاتحادية حينها بعدم دستورية هذه العبارة وإلغائها “القضاء او الادعاء العام”، والإبقاء على أن يتم القاضي 30 عاما بغض النظر عن نوع خدمته.
إلا أن لجنة شؤون القضاة، ردت الدعوى، ليقوم بالطعن لدى محكمة التمييز على قرار لجنة شؤون القضاة، محتجا أيضا بقرار المحكمة الاتحادية، وهنا أصدرت محكمة التمييز قرارها بتأييد قرار لجنة شؤون القضاة، وتأييد موقف رئيس مجلس القضاء الأعلى بأن يتم 30 عاما في السلك القضائي وليس نصف من خدمته في القضاء والأخرى كمحام.
من جهته، يشير الباحث في الشأن السياسي مجاشع التميمي، إلى أن “الخلاف بين محكمة التمييز والمحكمة الاتحادية العليا هو خلاف قانوني دستوري، وعلى ما يبدو أن المحكمة الاتحادية خرجت عن مهامها التي رسمها الدستور، وما حصل هو تصحيح لخطأ وقعت به المحكمة من قبل القضاء العراقي”.
ويضيف التميمي أن “اللافت هنا أن القاضي فائق زيدان قد تصدى دون أن تكون هناك مجاملة للمحكمة الاتحادية ورئيسها القاضي جاسم العميري، واعتقد أن محكمة التمييز كانت جريئة وقوية هذه المرة وقالت كلمة حق تجاه سهو وقعت فيه الاتحادية وهناك من سجل على المحكمة الاتحادية الأخطاء نفسها وفي أحداث سابقة”، موضحا أن “هذا الوضع طبيعي لأن القضاء لا يجامل على مصالح الفرد والمجتمع”.
ويعتقد أن “الأيام المقبلة ستشهد قرارات مشابهة وهذا أمر طبيعي، لأن هناك الكثير من الآراء الدستورية والقانونية أشارت لتعدي الاتحادية في قراراتها وفسرت حينها على أنها ليست من اختصاصها، بل هي تتعلق بالسلطة تشريعية أو القضاء بمختلف محاكمه وليس للقضاء الدستوري شأن بها”.
وكثيرا ما شهدت قرارات المحكمة الاتحادية، جدلا كبيرا، وبرزت كجهة عليا لإدارة الأزمات في البلاد، وذلك بعد بلوغ الخلافات السياسية ذروتها نتيجة لما تفرزه نتائج الانتخابات من فرق شاسع بين مقاعد الكتل السياسية.
وتعدّ المحكمة الاتحادية في العراق أعلى سلطة قضائية في البلاد، وبحسب الدستور فإنها تتولّى الفصل في النزاعات في القضايا الاتحادية، وتسلّم الاعتراضات والطعون في القرارات الصادرة من الرئاسات الثلاث (رئاسات البرلمان والجمهورية والحكومة)، فضلا عن المصادقة على نتائج الانتخابات التشريعية.
إلى ذلك، يفيد النائب باسم خشان، بأن “المحكمة الاتحادية العليا هي هيئة قضائية مستقلة ماليا وإداريا، ولا سلطان عليها لغير الدستور الذي تختص بتفسيره ونقض ما يخالف أحكامه، ولها أن تضع نظاما داخليا ينظم عملها، ولا يشترط فيه أن يتوافق مع قانون المرافعات المدنية”.
ويضيف خشان انه “تعليمات تشكيلات السلطة القضائية، وضعت المحكمة الاتحادية العليا بالمرتبة الأولى، ووضعت محكمة التمييز الاتحادية بالمرتبة الثالثة، ولا يصح أن تعدم الثالثة قرارات الأولى، كما أن قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة، بما فيها السلطة القضائية بأسرها ومنها محكمة التمييز الاتحادية، وفقا للمادة 94 من الدستور”.
ويتابع أن ”قرارات المحكمة الاتحادية العليا لا تبطل أو تعدل إلا بقرار يصدر منها، لأنها المحكمة العليا الأعلى في العراق على الإطلاق)، وتبقى القرارات والأحكام القضائية، بصورة عامة، مرعية ومعتبرة ما لم تبطل أو تلغ من المحكمة ذاتها، أو تفسخ أو تنقض من محكمة أعلى منها وفق الطرق القانونية، وهذا ما نصت عليه المادة 3/ 160من قانون المرافعات المدنية، وليست محكمة التمييز أعلى من المحكمة الاتحادية العليا لتعدم قراراتها، بل إن عدم التزامها بها يعد مخالفة للدستور”.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- بعد الانتخابات.. أزمة قانونية وسياسية تنتظر الإقليم والبوصلة تتجه لـ"الاتحادية"
- ماذا وراء تأجيل التعديل الوزاري؟
- زيارة بهدف واحد.. ماذا يريد عراقجي من بغداد؟