لعبت الشركات الصينية دورا كبيرا في قطاع النفط العراقي بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، حتى أحكمت سيطرتها على موارد النفط والغاز من خلال استراتيجيات مختلفة، حيث تمتلك حصصا مباشرة تصل إلى نحو 24 مليار دولار في قطاع النفطي، فضلا عن إدارة شركة البترول الوطنية الصينية، حوالي 34% من احتياطيات العراق المؤكدة وثلثي إنتاجه الحالي.
فبعد فوز الشركات الصينية بحصة كبيرة في جولتي التراخيص النفطية والغازية الخامسة التكميلية والسادسة في العراق، حذر تقرير دولي، من مسارعة الصين لملء فراغ النفوذ في العراق، من خلال تحسين أمن الطاقة ونفوذها العالمي، مرجحاً أن تكون نتائجه عكسية وأعباء اكثر.
إذ ذكر تقرير لصحيفة “ساوث تشاينا مورنينغ بوست” التي تتخذ من هونغ كونغ مقرا لها، أن “الصين حيادية في سياساتها، لكن المنطقة حافلة بالمنافسات الطويلة والصراعات”، مذكرا بان”الصين فازت مؤخرا بنصيب الأسد في جولة التراخيص للتنقيب عن النفط والغاز في العراق في اطار مسعاه للخلاص من الاعتماد على الغاز من ايران”.
ورأى التقرير، ان “هذه الخطوة الصينية تعكس سعيها من اجل تأمين امدادات الطاقة في وقت تكافح فيه لردع اتجاه التباطؤ في النمو في الداخل الصيني”، مضيفا ان “الصين تغتنم الفرص المتاحة في الشرق الأوسط التي ظهرت في ظل الطموحات المتضاربة للغرب”، مذكرا بتصريح كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي الذي اكد مؤخرا على "موقف الحكومة الصينية المؤيد للفلسطينيين".
وذكر التقرير، ان “الشركات الامريكية والاوروبية تخشى القيام باستثمارات طويلة المدى في الدول الممزقة بالحرب حيث الفساد منتشر على الرغم من الاحتياطيات التي تتمتع بها هذه الدول من الغاز والنفط”، مبينا ان “هذه الدول لا تتنافس مع الصين من اجل عقود حول حقول النفط، وان واشنطن قدمت الارواح والاموال والوقت في العراق، الا ان الصين هي المستفيد”.
إلا أن التقرير لفت إلى أن “الاستراتيجية التي تنتهجها الصين في العراق “قد تكون لعبة محصلتها سلبية” على الاصعدة السياسية والتجارية وفيما يتعلق بالنفوذ، بالنظر إلى ديناميكيات القوة في المنطقة”.
وبعدما ذكر التقرير، أن هناك “مخاطر غادرة تواجه فنون الحكم”، وهو ما تدركه الولايات المتحدة وأوروبا بشكل جيد، قال إن “الصين سوف تواجه تحديات في العراق بسبب العداوات التي تعمقت على مدى القرون القليلة الماضية”.
وبعد الإشارة إلى حرب غزة والتوترات في مجتمعات المنطقة والتي ليس بإمكان حكوماتها معالجتها، وجد التقرير ان “حياد الصين وتسهيلها للحوار، لن يحميها من الاضطرار لمواجهة هذه الصعوبات”، مضيفا انه “مع تزايد انخراطها في العراق عمقا، وتكاثر التحديات، فان جهود الرئيس الصيني شي جين بينغ سوف تتعرض للخطر وربما للرفض، متسائلا “كيف يمكن للصين ان تنجح، اذا لم تنحاز الى الجهات الفاعلة المحلية؟”.
ورأى التقرير ان “التاريخ يظهر مرارا ان فراغ القوة الجيواستراتيجية هو شبيه للثقوب السوداء. ولفت الى ان الدول تستفيد من وسائل مختلفة مثل الحوافز الاقتصادية من اجل اكتساب النفوذ عندما يتراجع المنافسون لها سواء جزئيا او بشكل كامل، الا انه في بعض الاحيان تكون الاستراتيجية الافضل هي البقاء على الهامش”.
وبين التقرير بما قاله الرئيس الامريكي جو بايدن حول الوجود الصيني المتزايد في الشرق الاوسط في العام 2022 اثناء زيارته لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث قال الرئيس الامريكي “لن نبتعد ونترك فراغا تملاه الصين او روسيا او ايران”.
وفي هذا السياق، أشار التقرير إلى ان “تقديرات بوجود نحو 50 الف جندي امريكي في أنحاء المنطقة، بينما تمثل القاعدة العسكرية الامريكية الاكبر في قطر، في حين ان جرى تعاون أمني لا سابق له بين واشنطن وتل ابيب والرياض وابو ظبي بعد ان استهدفت إيران اسرائيل بهجمات صاروخية وطائرات مسيرة في نيسان الماضي.
وبالمقارنة، قال التقرير ان “موطئ قدم الصين في المنطقة ليس بالقوة ذاتها”، مبينا أن الصين والعراق احتفلتا في العام الماضي بمرور 65 عاما على العلاقات الثنائية التي بدات بعد الانقلاب العراقي العام 1958، عندما اطاح الزعيم عبد الكريم قاسم بالنظام الملكي الهاشمي واعترفت بكين بحكومته “الثورية”، مضيفا أنه “خلال حرب العراق مع ايران في الثمانينيات، باعت الصين الاسلحة لكلا البلدين”.
ولفت التقرير الى انه “برغم هذه الجهود، الا ان علاقات الصين مع العراق كانت محدودة حتى العقدين الماضيين”.
واضاف ان “ما دفع البلدين الى التقارب تجاه بعضهما البعض، هو حاجة بكين المتزايدة للنفط، وحاجة العراق الى السيولة، واعادة الاعمار بعد سنوات من الحروب، وتاثيرات انخفاض اسعار النفط بالاضافة الى “تخفيض حجم” القوات الامريكية في العراق”.
ونوه التقرير، إلى أن “اتفاقية العام 2009 منحت شركة البترول الوطنية الصينية حصة قدرها 37 % في حقل الرميلة النفطي، وهو اكبر حقل نفط في العراق، وانه مع حلول العام 2013، كان للصين دور في اكثر من نصف انتاج العراق اليومي من النفط”.
وتابع التقرير انه “في العام 2010، الغت الحكومة الصينية 80 % من ديون العراق المستحقة لبكين، كما ان “مشاهد فيديو تعود الى العام 2015، تظهر ان الجيش العراقي يقوم بتشغيل طائرات مسيرة من طراز “سي اتش-4″ الصينية الصنع”.
والى جانب ذلك، قال التقرير، إن “البلدين وقعا اتفاق النفط مقابل الاعمار في العام 2019، بحيث ان بكين تمول مشاريع البنية التحتية مقابلحصولها على 100 الف برميل يوميا”.
واضاف التقرير، انه “اعتبارا من شباط، فان الشركات الصينية هي التي تشرف على ثلثي انتاج النفط العراقي”.
وذكر التقرير ان “العراق اصبح الهدف الأول لتمويل مبادرة “الحزام والطريق” في العام 2021، اذ حصل على 10.5 مليار دولار أمريكي لمشاريع البنية التحتية”.
واضاف ان “البنك المركزي العراقي أعلن في العام الماضي، انه سيقوم بتسوية معاملات تجارية مع الصين مباشرة بعملة اليوان”.
وبحسب التقرير، فان “مثل هذه التشابكات تتحول الى “متاهة”، حيث ان الاهداف تتعرض للضياع وتتزايد صعوبات تسويتها مشبها الموقف بالآلات التي تحتوي على العديد من الاجزاء المتحركة التي تكون بحاجة الى الصيانة والإصلاحات بشكل دائم وبشكل يتزايد صعوبة”.
وتابع التقرير، أن “بالامكان اضافة التعقيدات الناتجة عن حالات عدم اليقين والاضطرابات والأحداث غير المتوقعة، على غرار وفاة الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي في حادث الطوافة”.
ولهذا، خلص التقرير، إلى أن “كل هذه المسائل تجعل الصين امام ضرورة تحقيق عملية توازن صعبة، بحيث يتحتم عليها الاهتمام بمصالح شركائها وفي الوقت نفسه، ان تنأى بنفسها عن القوى الفاعلة المحلية، في حين تراقب نقاط الضعف الاقتصادية المتزايدة في الداخل”.
كما اعتبر التقرير، أن “بكين قد تجد نفسها مضطرة الى الخروج من العراق، في وقت تقوم دول الخليج، وخصوصا السعودية وقطر والإمارات، بتقديم استثمارات كبيرة في محاولة لحشد القوة الإقليمية وضمان الاستقرار وعزل إيران”.
ولفت إلى أن “بعض دول الخليج توقع اتفاقيات مع الصين كجزء من مبادرة “الحزام والطريق”، الا أن طموحاتها ستحد من المساحة المتاحة لبكين لكي تتصرف من جانب واحد، بالاضافة الى ان مسألة الاستقرار الاقليمي، مثل هجمات الحوثيين على السفن في البحر الاحمر، تثير هي الاخرى احتمال حاجة الصين الى التعاون مع الولايات المتحدة واوروبا ودول الخليج لتأمين تدفق النفط والغاز وحماية استثماراتها، وهو ما من شأنه اضافة تعقيدات للتوترات العنيفة مع الغرب بشأن التجارة”.
وختم التقرير، بالقول: “مثلما هو الحال مع الغرب حاليا، فان الصين قد تجد نفسها بشكل متزايد وهي تشهد التقدم الذي حققته يتم جرفه بسبب الأعمال العدائية المتراكمة منذ قرون”، مضيفا انها “قد تواجه أعباء أكثر مما لها القدرة على تحمله”.
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- المجلس الشيعي الاعلى في لبنان: السيد السيستاني الداعم الاقوى والاكبر للشعب اللبناني في هذه المرحلة المصيرية(فيديو)
- "ترتيبات" مع الناتو.. هل وجدت بغداد بديلا للتحالف الدولي؟