مع اقتراب رحيل بعثة الأمم المتحدة "يونامي" من العراق، تبدو الآراء متباينة بشأن الأدوار التي أدتها لمدة 20 عاما قضتها في بلد عاصف بالنزاعات، وفيما يرى مراقبون وباحثون استراتيجيون أنها كانت "مجاملة" للسلطات، يشير آخرون إلى أن "يونامي" ساعدت كثيرا في فض النزاعات وقضايا حقوق الإنسان، لكن الآراء تتفق حول انتفاء الحاجة إليها حاليا.
ويعتقد المحلل السياسي علي البيدر، أن "العراق وصل إلى مرحلة من الاستقرار تجعله قادرا على أن يدير شؤونه ويعالج مشاكله من دون وصاية دولية أو جهات تراقبه".
ويضيف البيدر: "في السابق كانت جميع المنظمات الدولية تنتقي معلوماتها من يونامي، لكن اليوم بعد هذه الخطوة قد تدخل تلك الجهات إلى الميدان وتحصل على معلوماتها بشكل مباشر، وهذا قد يجعل ما يسمى بالفلاتر أقل بين الرأي العام العالمي والواقع العراقي".
ويجد أن "طلب العراق بإنهاء عمل البعثة كان مدروسا ولم يكن عبثيا، إذ ترى الحكومة أنها وصلت إلى تلك الدرجة التي تمنحها القدرة على إدارة شؤونها، وهذا ما يتيح لها أن تتعامل بنوع من الاستقلالية، كما أن هناك أكثر من 20 منظمة أممية تعمل في البلاد"، لافتا إلى أن "العراق لم يعد بحاجة إلى هذه المنظمة، لأنه تجاوز الأزمات الكبيرة كالحرب الطائفية والإرهاب وأزمة النازحين، ولكن هل سيبقى الوقت مستقرا ويستمر بعد رحيل يونامي، هذا ما يقلق الرأي العام في البلاد".
وطلب العراق، الجمعة الماضي، من بعثة المساعدة التابعة للأمم المتحدة (يونامي)، إنهاء عملها بحلول عام 2025، وأكد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني أن العراق لم يعد بحاجة إلى دورها السياسي بعد 20 عاما من التحول الديمقراطي.
وبالنسبة لأداء البعثة خلال وجودها في العراق، يشير إلى "ثمة معايير تنتهجها يونامي ربما يراها بعض المختصين أنها لا تلائم المشهد العراقي، لكن النظام الذي تعمل به وفق معايير دولية عالية، ونجحت في حل بعض الأزمات خصوصا أثناء عمليات تحرير بعض المحافظات من تنظيم داعش".
دور بلاسخارت
وبالحديث عن دور آخر مبعوثة أممية، وهي جينين بلاسخارت، يتابع البيدر: "بالمقارنة مع المبعوث السابق يان كوبيش وهو دبلوماسي سلوفاكي، فقد كانت أكثر تدخلا وتفاعلا مع الأزمات، وأداؤها كان يجامل النظام السياسي"، لافتا إلى أن "كل الأخطاء التي حصلت لم يتم إيصالها إلى العالم، وربما هناك توصية دولية بالحفاظ على هذا النظام السياسي، لكن بالمجمل وجود يونامي منع الكثير من الأزمات التي كانت تعصف في البلاد".
وقضت بلاسخارت خمسة أعوام من العمل في العراق، لكن أدوارها كانت مثيرة للجدل، فقد وجه مراقبون جملة من الانتقادات الحادة حول طبيعة عملها، ففي وقت سابق، انتقد سياسيون وباحثون في الشأن السياسي، فضلا عن مدونين عبر مواقع التواصل الاجتماعي عمل بلاسخارت، مؤكدين أنها كانت "شاهد زور" لحساب السلطات العراقية، ولم تكن نزيهة أو منصفة مع الشعب العراقي، فيما حملها البعض الآخر مسؤولية الدماء التي هدرت في تشرين عام 2019.
إلى ذلك، يرى مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، أن "يونامي بعد 20 عاما من المفترض أنها أنجزت أعمالها وما يتعلق بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1500 في 2003 المتعلق بمراقبة مدى تطبيق العراق، العهد الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقضايا حقوق الإنسان لاسيما بعد الانتقال من اللادولة في 2003 إلى دولة يحكمها دستور بضمان حقوق الإنسان والحريات".
ويضيف فيصل، أن "مجلس الأمن الدولي كان يمدد ليونامي عملها، عبر خضوع العراق إلى الفصل السابع"، معتقدا أن دور المنظمة الأممية، "إيجابي، على الرغم من الأخطاء التي شابت عملها كالفساد المالي الذي حصل في بعض الوكالات التابعة لها".
ونشرت يونامي نهاية نيسان الماضي، تقريرا لتقييم عملها في العراق، ووضعت فيه جملة حول التهديدات التي لا تزال قائمة في العراق، رداً على طلب تقدمت به الحكومة العراقية للبدء بتخفيف عمل البعثة وصولا إلى إنهاء أعمالها في غضون عامين.
وشدد الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، الأسبوع الماضي، على أن "القيادة العراقية إذا وجدت أنها لم تعد في حاجة إلى مساعدة (يونامي)، فيجب أن تستعد إلى تولي زمام الأمور، وينبغي للأمم المتحدة أن تبقى مستعدة للدعم".
وعن أداء بلاسخارت، يشير مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية إلى أنها "نجحت في بعض الملفات، كاللقاءات التي حققتها مع المرجعية الدينية العليا، إذ أدت دورا في تقريب الأمم المتحدة من المرجعية، وأيضا علاقتها مع مختلف التيارات والأحزاب، حتى أنها التقت بتيارات المقاومة الإسلامية وذهبت إلى طهران لإدراكها أنها المفتاح للأزمات التي يعاني منها النظام العراقي، كما أدت دورا في انتفاضة تشرين وغيرها".
وأعلنت بلاسخارت في 6 شباط الماضي، أَنها ستتنحى عن منصبِها في أيار (الشهر الحالي)، وذلك بعد أَن قضت خمس سنوات في المنصب.
يذكر أن المبعوثة الأممية التقت المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني، أكثر من مرة في النجف الاشرف، في الوقت الذي يغلق أبوابه أمام السياسيين العراقيين احتجاجا على أدائهم.
لكن المحلل السياسي غالب الدعمي، يؤكد من جهته، أن "وجود بعثة الأمم المتحدة من وجهة نظر الكرد والبعض من السنة، وأطراف من الشيعة ضروري، ولكن بتقديري، لا داعي لوجودها، فإذا كان وجودها في بغداد للرقابة وسماع أصوات المعارضة فهي لم تفعل شيئا سواء لمحتجي تشرين أو غيرهم".
ويجد الدعمي، أن "قرار إنهاء عمل البعثة إيجابي وصحيح، وإذا كان العالم يريد أن يراقب حقوق الإنسان في الدول من خلال هذه البعثات، فهو يدعم أنظمة دكتاتورية في بلدان، ويضيق على أنظمة ديمقراطية في بلدان أخرى، وبالتالي أن تقييم العمل والنظر إلى نوع النظام وشكله من وجهة نظر العالم غير عادلة".
ويستدرك المحلل السياسي، أن "العراق لم يرتق حتى الآن، للأسف، إلى أن يكون دولة ذات سيادة كاملة على كل أراضيها سياسيا واقتصاديا وأمنيا، بسبب المصالح الضيقة لبعض الأحزاب السياسية التي مسكت العملية السياسية في العراق، وباتت هي المؤثر الفعلي فيها".
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- في حي البلديات ببغداد: تجاوزات ومعاناة من الكهرباء والمجاري ومعامل تلحق الضرر بصحة الناس (صور)
- مع اقتراب موعده.. هل تعرقل المادة 140إجراء التعداد السكاني؟
- حل "ترقيعي".. خطة الداخلية لشراء الأسلحة تُنعش "سوق مريدي" ولن تجمع 2٪