بقلم: علي حسين
في منتصف القرن العشرين كتب الفرنسي رولان بارت بحثاً عن الصورة وعلاقتها بالسياسة قائلاً: "هذه الصور ما هي إلا مجموعة من الإعلانات التي لا تحظى باحترام الجمهور"، وأعتذر لكم عن العودة إلى عالم الكتب والفلاسفة، لكن ما ذا أفعل فقد تعلمت من أساتذه أجلاء أن أفضل شيء يقوم به الكاتب هو البحث في الكتب عن حكايات التاريخ وعبره، وتذكير الناس مرة ومرتين وثلاثاً بما يجري حولهم، ولهذا تجدني مضطراً لأكرر الأسئلة نفسها بين الحين والآخر، ولا شيء يتغير سوى إجابات أصحاب الفخامة والمعالي.
قبل أيام امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي ومعها بعض الوكالات بصور للسيد رافع العيساوي يحضر مأدبة إفطار حضرها أيضا السيد نوري المالكي، صور نشاهدها لسياسيين ظل الواحد منهم يطارد الآخر، ثم بين لحظة وضحاها نجدهم يجلسون يتسامرون، وكأن شيئاً لم يكن، سيقول البعض يارجل ألا تفرح حين تجد الساسة متصالحين متوائمين فيما بينهم، نعم ياسادة أفرح، ولكن ماذا عن الصراع الذي استمر سنوات كان فيها رافع العيساوي مطارداً، وكنا نقرأ المدونات حول جرائم رافع العيساوي وخرج علينا السيد نوري المالكي وجماعته وهم يهددون ويتوعدون كل من يتحدث عن براءة العيساوي، لكننا اليوم اكتشفنا أن ما جرى كان فصلاً من تمثيلية دفع المواطن العراقي سوء إخراجها وكتابتها.. فلماذا الآن يصمت الذين صدعوا رؤوسنا بخطابات الوطنية، ومطاردة العيساوي .. صمتوا وكأن شيئاً لم يكن .. هذه الفصول التمثيلية التي كبدت العراق عنفاً وقتالاً على الهوية، ومطاردات، تنتهي بلحظة واحدة حيث نكتشف أن الأمر لم يكن سوى معركة لكسر العظم بين السيد نوري المالكي وشركائه في الحكم، وكان منهم رافع العيساوي.
لعل موضوعي الأساسي في هذا المقال، ليس الدفاع عن رافع العيساوي ونصرته، أنا شخصياً مع أي سياسة حكومية تحاسب المفسد والقاتل وتقتص منه عبر سياسة متكاملة واضحة ومدروسة، فهذا أمر جيد لكن غير الجيد، هو تلك الفردية التي أدار بها السيد المالكي شؤون البلاد في سنوات حكمه، وقد كان يدعونا دوماً لأن نكون طرفاً في الحرب الضروس التي كانت تدور بينه وبين خصومه ودخول لعبة التجاذبات الطائفية التي يجيدها السياسيون، ألم يكن من الأجدى والأفضل والأكثر احتراماً للناس إيقاف هذه الحملة مؤقتاً حتى تتضح الرؤية؟.. فليس من المعقول أبداً ما نشاهده في الفضائيات وعلى الصفحات الأولى.
لن يتحقق الاستقرار والازدهار إلا إذا تخلصنا من سياسيي الأزمات، الذين أثبتت التجربة أنهم جاؤوا لخدمة مصالحهم، فازدادوا ثراء فوق ثرائهم، فأساؤوا للتجربة السياسية الجديدة والتي لم يكتب لها النجاح للأسف.
المشكلة لم تكن في الصور، ولا في الشعارات التي يطلقها البعض، بل في الخداع، خداع الناس مرة ومرتين وعشراً.