حذر اقتصاديون من مغبة استمرار زيادة الإنفاق الحكومي، لافتين إلى أن العراق مهدد بعد أعوام قليلة بعجز كبير لا يستطيع معه تلبية موازنته التشغيلية حتى لو بقيت أسعار النفط مرتفعة، وعلى الرغم من أن مستشارا اقتصاديا حكوميا أكد أن هناك خطة لرفع مستويات الانضباط المالي، لكنه أقرّ بأن الريع النفطي كان ذريعة سلبية لإهمال بقية الإيرادات، مشددا على ضرورة أن تساهم في الإيرادات العامة.
ويقول الباحث في الشأن الاقتصادي مصطفى حنتوش، إن "الدولة العراقية الآن أمام تحد كبير، وأقلّ ما فيه هو استمرار بقاء قيمة الدينار العراقي على الوضع الحالي بشكل لا يضطر الدولة لرفع الحدود الدنيا للمرتبات بسبب التضخم كما يحصل في دول المنطقة كمصر ولبنان".
ويضيف حنتوش أن "العراق مع هذا الإنفاق الكبير، حتى لو بقيت قيمة الدينار العراقي نفسها واستمر النفط بالارتفاع، فإنه لن يستطيع حتى بعد أربع أو خمس سنوات تأدية الرواتب والميزانية الاستثمارية، فيجب أن يتوجه للحصول من أوبك على نسبة أكبر من 3.3 للمبيعات كما فعلت الولايات المتحدة في 2003، وهو أمر مستبعد".
وأكدت وزارة النفط في آذار الماضي أنها ستخفض صادرات البلاد من النفط الخام إلى 3.3 مليون برميل يوميا في الأشهر المقبلة لتعويض الزيادة المسجلة على العراق لشهري كانون الثاني وشباط، فوق حصته المقررة بموجب اتفاقات تحالف "أوبك+"، وهو تعهد قد يخفض الشحنات بمقدار 130 ألف برميل يوميا عن الشهر الماضي".
وعن إمكانية إيجاد حل آخر، يشير حنتوش إلى أن "العراق لا يمتلك اقتصادا آخر غير النفط، ففي قطاع النقل مثلا العراق لم ينجح في موضوع الترانزيت ومازال الحظر الأوروبي يكلفه خسائر أكثر من مليون دولار لصالح شركات أجنبية، إضافة إلى أن طريق التنمية مازال مشروعا يتقدم ببطء ويخضع لاشتراطات تركيا".
أما الزراعة، يؤكد الباحث في الشأن الاقتصادي أنه "ملف آخر يحتاج إلى مياه وهو ما يسجل ضعفا إداريا سواء في السياسة الخارجية أو الداخلية وكيفية إدارة الموارد الموجودة مع وجود طرق الري التقليدية"، متوقعا أن "العراق ربما يذهب إلى النظام الجبائي بفرض مزيد من الغرامات والضرائب والرسوم، وهذه السياسية تزيد من نسب الفقر أيضا".
وتتوقع مؤسسة عراق المستقبل الاقتصادية أن تصل فاتورة نفقات العراق في 2030 إذا ما استمرت بمستويات النمو الحالية على امتداد السنوات العشرة الماضية إلى أكثر من 12 ترليون دينار عراقي شهريا، وهو رقم حتى لو بقيت معدلات أسعار النفط مرتفعة لن تستطيع الحكومة تغطيته من دون الاقتراض.
وتفترض المؤسسة إذا تراجعت أسعار النفط إلى مستويات عام 2016 فأن العجز الشهري سيبلغ بحدود 8 تريليونات شهريا وهو ما يعني عجزا سنويا يتجاوز 100 ترليون دينار، وهو ما لن تستطيع أي حكومة سده بأي طريقة من الطرق، بحسب التقرير.
لكن المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، يؤكد من جهته أن "هناك استراتيجية تعمل عليها المالية العامة وهي رفع مستويات الانضباط المالي من خلال فرض السيطرة على الإنفاق العام وتوجيهه على وفق الأهداف الموضوعة والمحددة له في الموازنة، فضلاً عن تعظيم مصادر الإيرادات غير النفطية".
ويقر صالح بأن "الريع النفطي وسهولة تحصيله أصبح على مدى التاريخ واحدة من الذرائع السلبية التي جعلت من الإيرادات العامة غير النفطية مدعاة للإهمال ورافقها ضعف التحصيل"، مؤشراً أيضا "شيوع ثقافة المائدة المالية المجانية، التي تعني مصروفات حكومية دون مقابل أو مردود، وهو ما جعل الاستدامة المالية مرهونة حصريا بدورة الأصول النفطية".
ويشدد على "ضرورة أن تأخذ الإيرادات غير النفطية منحى آخر يقوي من إجمالي الإيرادات العامة ويرفع من مساهمة تلك الموارد لترتفع من 7 بالمئة من إجمالي الإيراد السنوي في الموازنة، لتبلغ الهدف المتبنى في البرنامج الحكومي بزيادة هذه الإيرادات إلى ما لا يقل عن 20 بالمئة".
ويلفت أيضا إلى وجوب "تحديد مسار نمو الموارد غير النفطية وتوجيهها صوب المساهمة الفاعلة في خفض العجز في الموازنة العامة السنوية وتقليص فجوة المديونية بدلاً من اتساعها".
ويبحث العراق، عن قروض داخلية وخارجية لتمويل مشاريع البنى التحتية التي تحتاج إلى أكثر من 100 مليار دولار، بسبب عدم قدرة الموازنة العامة على تمويلها على خلفية زيادة الإنفاق العام خاصة الرواتب التي تبلغ 53 مليار دولار سنويا.
وكان صندوق النقد الدولي، حث العراق، مؤخرا على زيادة الإنفاق الرأسمالي وزيادة الإيرادات غير النفطية، عبر إصلاح قطاع الكهرباء، والجبايات وفرض ضرائب جديدة وغيرها.
من جانبه، يتحدث الخبير الاقتصادي نبيل جبار، عن أن هناك "إنفاقا حاكما يفرض على الدولة أن تصرفه كرواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية والبطاقة التموينية والقطاع الصحي وعلى ملف الطاقة، أما المشاريع الاستثمارية فهي متغيرة، فإذا لم تكن هناك أموال لا وجود لهذه المشاريع".
ويضيف جبار، أن "العراق دولة ريعية، لذا فالقلق يأتي من زيادة هذا المصروف الحاكم، ففاتورة الإنفاق الحكومي ارتفعت إلى 45 ترليون دينار كرواتب للموظفين، وللمتقاعدين 18 تريليونا، وهناك مصروفات للبطاقة التموينية وبرامج الرعاية والصحة بأكثر من 10 تريليونات دينار، وهذه الحسبة تحتاج إلى 50 مليار دولار لتغطية التوازن الاستيرادي والموازنة الداخلية، وهذا قد توفره الدولة حتى بأسعار النفط المخفضة"، وفقا لما يرى.
وكان مدير مؤسسة عراق المستقبل منار العبيدي، اقترح كحلول للتقليل من هذا الإنفاق، إيقاف الدعم بشكل كامل عن الوقود والكهرباء وتقليل الدعم عن البطاقة التموينية والسلة الغذائية لتصل إلى محتاجيها فقط، وصرف الرعاية الاجتماعية إلى المحتاجين فقط، وضرورة العمل على تقليل الدرجات الوظيفية وتقليل فاتورة الرواتب والعمل على تطوير الإنتاج غير النفطي للمصادر الطبيعية المتوفرة، وزيادة الضرائب والتعرفة الجمركية على السلع الكمالية.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟