- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
رفع سعر البنزين في العراق.. وتستمر المفاجآت والتناقضات !
بقلم: بركات علي حمودي
أقر مجلس الوزراء العراقي الاسبوع الماضي ما أسماها حزمة من الإجراءات المتعلقة بمشروع فك الاختناقات المرورية، كان أبرزها رفع سعر البنزين عالي الجودة من سعر 650 دينار من اللتر الواحد إلى 850 دينارا، كذلك رفع سعر لتر البنزين السوبر من 1000 دينار إلى 1250 ديناراً للتر الواحد.
هذا القرار الذي يتعلق بفك الاختناقات المرورية والتي تُشيدّ لها الحكومة بعض الجسور في بغداد وبها تعهدت الحكومة بفك الزخم المروري، تسبب بنوبة غضب وجدل شديد في الشارع العراقي خصوصاً وأن الوضع الاقتصادي يعيش اصلاً حالة من الركود نتيجة تذبذب سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي والذي أدى إلى انكماش اقتصادي واضح تسبب بضعف الحركة التجارية في السوق المحلية، ما يعني أن القرار يزيد من معاناة المواطنين العراقيين.
من جهة أخرى، برر مؤيدو حكومة السوداني وأركان حكومته هذه الخطوة واعتبروها حالة ضرورية من أجل زيادة مداخيل الدولة، رغم أن من ناصر هذا القرار من الموالين للحكومة الحالية، كانوا يعارضون أي قرار مشابه في زمن الحكومة السابقة. فالحكومة السابقة برئاسة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي كانت في هذا الصدد قد خفضّت سعر لتر البنزين المُحسّن من 850 دينار إلى 650 دينار إبان جائحة كوفيد عام 2020 !
تطبيق الورقة البيضاء للحكومة السابقة
من المعروف أن الورقة الاقتصادية المسماة بـ"البيضاء" كانت من أجندات حكومة الكاظمي وبتخطيط من وزير المالية السابق علي عبد الأمير علاوي، ولابد من الإشارة إلى أن رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني كان من أشد المعارضين للسياسة الاقتصادية لتلك الحكومة، كان دائم الانتقاد والتذمر مما أسماه سياسة إرهاق الفقراء وتجويعهم.
الشعار الذي كان يتعكز عليه مناوئي الحكومة السابقة ومن أبرز هذه الانتقادات هي قضية رفع سعر صرف الدولار حينها، وجرى الضغط على الحكومة السابقة في هذا الملف الحساس وما واكب ذلك من إطلاق تظاهرات بعضها كانت "مسلحة" وجاء بين أبرز شعاراتها "تخفيض سعر الصرف"!
هذا ما حدا بالحكومة السابقة إلى التريث والتباطىء بتنفيذ ما كُتبّ في الورقة البيضاء والتي كان يطلق عليها البعض من أطراف وداعمي الحكومة الحالية بالورقة السوداء.
ولربما في أجندات هذه الورقة كان رفع أسعار البنزين حاضراً إلا أن التطبيق تم تأجيله الى المستقبل، لأنه وببساطة، أي رفع للدعم عن الوقود وبعض المنتجات الأخرى يكون أحد وسائل الدعم طويل الأمد لاقتصاد أي بلد يرغب في تطوير واقعه الاقتصادي للأجيال المقبلة.
إلا أن الحكومة السابقة كانت تعلم جيدا أن المضي سريعا بهذه الورقة في جو مشحون أصلا بسبب رفع سعر الدولار حينها وسط تأجيج الكتل السياسية للشارع (الحزبي) ضد الكاظمي يعني بالضرورة المزيد من الغضب الشعبي عليه، بخاصة مع ما كان يعانيه الاقتصاد العراقي بفعل جائحة كورونا وهبوط أسعار النفط إلى الصفر وعدم توفر موارد مالية ثابتة تستطيع الحكومة عبرها تسديد رواتب موظفي الدولة فضلاً عن المتقاعدين وباقي الالتزامات المالية الأخرى!
الغريب في الأمر، أن السوداني الذي لم يدع مكاناً في الفضائيات والفيسبوك وتويتر حينها إلا وقدح بإجراءات الحكومة السابقة في الشأن الاقتصادي وطالب بالتراجع عنها وحث مجلس النواب على محاسبة الحكومة عليها، يأتينا اليوم بنسخة معدّلة. انقلب على شعاراته السابقة أهمها دعم الطبقات الفقيرة والهشة والتي كتب بعضها في منهاجه الوزاري، ومنها توزيع الـ500 ألف قطعة سكنية التي اقرتها الحكومة السابقة تحت مسمى مشروع داري، حيث قام بتغيير اسم المشروع وتسميته مشروع المدن السكنية وإحالة هذه الأراضي المصادق عليها في زمن الحكومة السابقة للاستثمار لرجل الأعمال المصري نجيب ساويرس بغية بناءها وبيعها للعراقيين!
يُذكر بأن أحد المسؤولين في الحكومة الحالية قال إن سعر المتر الواحد في هذه المساكن سيكون ابتداءاً من 900 ألف دينار، وهو مبلغ كبير بالنسبة للفقراء الذي تكلم عنهم السوداني في منهاجه الوزاري وكان يتكلم عنهم سابقا في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وعن مظلوميتهم تحت كنف السلطة عندما كان نائباً في البرلمان ومعارضاً برلمانياً لحكومة سلفه الكاظمي!
هل سيتراجع السوداني؟
الحكومة التي اتخذت قراراً شعبوياً خضوعاً للضغط وخفضت سعر صرف الدولار خاسرة بذلك قرابة 13 تريليون دينار سنويا كانت كفيلة بتنفيذ سلم رواتب الموظفين والذي كان ينادي به السوداني عندما كان نائبا، هي ذاتها الحكومة التي رفعت سعر البنزين اليوم وسببت موجة غضب بين الناس!
ولم تتخذ الحكومة هذا القرار لولا كما يقال (الشديد القوي)!
وهو على الأرجح حاجة الحكومة للأموال رغم التهويل الإعلامي عن بحبوحة مالية ومشاريع ضخمة في الطريق إلى الإنجاز، أذ بعض المصادر تؤكد أن الحكومة اتخذت هذا القرار نزولا عند رغبة البنك الدولي الذي لن يعطي قروضا مالية إن لم تقم الدولة التي تريد القرض باتخاذ إجراءات معينة منها رفع الدعم عن السلع والمحروقات.
كذلك، هنالك تصريحات نيابية وسياسية وحكومية تؤكد وجود أزمة مالية قادمة، منها ما قاله عضو اللجنة المالية النيابية النائب محمد نوري "بأنهُ لا توجد كتلة نقدية مؤمنة نهائياً، لذلك توقفت الكثير من المشاريع جراء نقص التمويل".
إضافةً إلى تصريح وزير التخطيط محمد تميم الذي قال إن "العراق يعاني من أزمة نقدية وعجز كبير في الموازنة الحكومية".
بالتزامن مع تصريح الخبير الاقتصادي الدكتور نبيل المرسومي الذي أفاد بأن "العجز في موازنة عام 2024 وصل إلى 90 ترليون دينار، ممول من الاقتراض الداخلي والخارجي و قد يضع العراق في مأزق اقتصادي خطير!".
وما قاله كذلك الاقتصادي الدكتور زياد الهاشمي عن إنه من المتوقع بعد رفع سعر البنزين، سيكون "هنالك رفع لقيمة الضرائب على قطاعات الخدمات والنقل والتجارة والسياحة".
تصريحات وإجراءات لا تدع للشك مجالاً بأن الحكومة الحالية تعيش حالة من الصعوبة المالية وعجز في الموازنة زاد عن المعقول، رغم ارتفاع سعر النفط بسبب البذخ في الإنفاق. وبهذا فإن الحكومة ماضية في إجراءاتها المالية، لكن من غير المستبعد أن تتراجع نتيجة الضغوط الشعبية لأنها حكومة تقودها جهات تريد الفوز في الانتخابات المقبلة ولا تريد خسارتها نتيجة إجراءات اقتصادية هي في الواقع صحيحة شريطة تطبيقها بالطريقة المناسبة وذهاب وارداتها لخزينة الدولة دون أن ينتظرها الفساد الحزبي!
وبعد كل ما سبق يبقى السؤال الأهم، ما إن كانت إجراءات التقشف وسياسة الضرائب ورفع الدعم عن السلع والمشتقات البترولية هي طريقة اقتصادية صحيحة بحسب مؤيدي الحكومة الحالية وهم معارضي الحكومة السابقة، فلماذا اذاً تم منع الحكومة السابقة من المضي بإجراءات مالية مماثلة أو مطابقة؟
تلك الإجراءات التي لو طبقت بشكل صحيح منذ أربع سنوات لكان قطف ثمار هذه الإجراءات في ظل الحكومة الحالية، ولا يُهم أن تكون مع تجيير هذه الثمار للحكومة الحالية كالعادة.
ولربما كان الناس قد اقتنوا السيارات الكهربائية بحسب ما أفاد فادي الشمري مستشار السوداني مصرحاً، أن "هذا القرار هو من أجل ان يقتني العراقيين السيارات الكهربائية بدلا عن السيارات التي تعمل بالبنزين" ومن الغريب أن مستشار حكومي لبلد ريعي نفطي يتماهى مع فكرة ترك النفط واقتناء السيارات الكهربائية رغم أن بلده يعتاش على بيع النفط للدول الصناعية التي تصنع سيارات تعمل بالبنزين في السنوات القليلة القادمة على الأقل قبل التحول للسيارات الكهربائية التي يصبو للترويج لها سيادة المستشار!
أقرأ ايضاً
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القنوات المضللة!!
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!