بقلم: د. أثير ناظم الجاسور
لكل مرحلة من عمر الدولة رجالات تقود المشهد مهما كانت الصور المرسومة له سواء تلك التي يمجدها التاريخ أو تلك التي توضح من خلالها السياسات المتبعة ما دفعت به إلى كل ما له علاقة بالفوضى وسوء التقدير والانهيار، والعراق من الدول التي مرت بهذه المراحل منذ تأسيس الدولة ولغاية يومنا هذا بعد أن استمكنت الأفكار والايديولوجيات من رسم مشاهد الحكم والسياسة فيه، فما كان لنا إلا إن نعيش مجريات ما يصنع الحكام بمختلف التوجهات ليكون عملهم شاهد على فكرة تأسيس الدولة وانحطاطها.
عملية إفتراس المشهد
ضمن سلسلة الاحداث التي مر بها العراق طيلة هذه السنوات الطوال والحكومات والسياسات المتعاقبة عليه شكلت مجموعة من الصور التي باتت محفورة في مخيال المجتمع الذي انقسم وفق تبنياته إلى جماعات استنزفت كل قواها الفكرية لتذهب صوب تحليل مشاهد حياتها القادمة كنوع من تقليل الضغط الحاصل، بالمقابل ولدت جماعات وطبقات امتهنت السياسة أو على اقل تقدير كانت السياسة المهنة التي حاولوا أن تكون حكرا عليهم، منهم من برع في ترويضها واستخدامها، ومنهم من افرط في التمتع بملذاتها، ومنهم من فشل، حتى بات نموذج الفشل الكبير، والنوع الاخير كان ضمن مسارات السلسة التي ربطت العراق بكل ما عليه اليوم، هذه الجماعات تحولت بفعل المتبنيات والايديولوجيا إلى أحزاب وجماعات ضغط تُبشر لطروحاتها الفكرية القومية منها والليبرالية والدينية الخ. .. من الطروحات التي بالضرورة خلقت أجواء ساهمت في علمية التقسيم الفكري والجهوي فضلاً عن التقسيم النفسي والروحي للمجتمع، من ثم عملت على ترسيخ فكرة الاخر الذي يُحاول قتل الهويات التي لابد من حمايتها وهذا لا يحدث الا باستمرارية من تربع على عرش السلطة وهنا نقصد الحماية ومواجهة الاخر المجهول، فكانت موجات التيارات والاحزاب تعمل على أن يكون المشهد السياسي العراقي بالكامل ضمن عملية تكوينها له وتطعيمه بالأفكار التي تساهم في تعزيز سلطانها على البلاد، بالتالي انطلق المفترسين صوب تحليل وتفسير التوجهات المختلفة على إنها افكار الاخر المنحرف الذي يحاول قتل التجربة حتى وان كانت توجهات تصحيحية اراء ناقدة بالمستوى الذي يبلور من التجربة ليجعلها نموذج، بالمحصلة افرزت كل الاحداث والمراحل التي مر بها العراق جماعات أدعت أنها قادرة على تروي قواعد السياسة لمجرد انها استطاعت الوصول إلى السلطة دون فهم وادراك للعمل السياسي وادارة الدولة ووسائل التنظيم والتخطيط، مما جعل من هذه الجماعات والتيارات تخلق وقواعد وقوانين جديدة عملت على خلق هوية يصور لها أنها عراقية لكنها بالضرورة تتناسب مع النسق الفكري والعقدي للحاكم وعامل ديمومة لافتراس أكبر قدر من الحكم.
إعادة التشكيل
فكرة إعادة التشكيل تأتي من تنظيم وتنسيق القطع المفقودة أو تلك التي لم تكن قد وضعت في موضعها المناسب لأخطاء ارتكبت في الماضي أو حتى الحاضر، لكن هذه العملية المعقدة والغريبة بالنسبة للجماعات المفترسة قد تكون فكرة تطبيقها تتطلب قدرات من نوع اخر لفهم بنية النظام والتراتبية الاجتماعية إلى جانب الحقوق والواجبات التي على أساسه يتم تحديد المدخلات والمخرجات التي يتعامل بها النظام السياسي الذي بالضرورة سيلعب دور كبير في تعزيز دور المؤسسات المعنية بهذه العملية، لكن ما حدث أو قراءة مخرجات الانظمة السياسية كان مكملاً لعملية الافتراس وبصور ابشع بعد أن تم وبشكل واضح تقسيم المجتمع فكرياً ونفسياً ومناطقياً بعد تعزيز الافكار الفرعية التي ساعدت على نهوض الهويات الفرعية التي لعب دور في إضعاف الهوية الوطنية الجامعة بفعل لتفكير بذلك الاخر أو لنطلق عليه (اللاشيء) من خلاله تحاول جماعات السلطة أنتكون هي من يقرر ويرسم، بالمحصلة فإن عملية إعادة التشكيل أو الترتيب لنسمها ما نشاء لان النتائج جاءت بناء على المقدمات الخاطئة التي اعتقد واضعوها على أنها إعادة تشكيل منصفة حتى وإن كانت تقسيمية تفتيتية، هذا ما دفع فكرة أعادة التشكيل تكون ضمن فكرة من اعتقدوا انهم مبشرين بالسياسة والقيادة ضمن مدركات التفكير القاصرة بالنظرية والتطبيق لتخلق صور مشوهة باهتة الالوان.