لا يمكن التنبؤ بمستقبل الحرب الحذرة بين الفصائل العراقية والقوات الأمريكية، التي أخذت تنشطر تدريجيا عن الصراع الدائر في غزة، بعدما أصبح التراشق بالصواريخ والتهديدات الإعلامية حدثا يوميا، ففيما تهدد الفصائل عبر التغريدات وتصوب صواريخها ومسيراتها نحو القواعد الأمريكية في أربيل والأنبار، ترد "البنتاغون" بتحذيرات مباشرة وضربات صاروخية كانت آخرها في شرق سوريا فجر اليوم.
ويرى مراقبون للشأن السياسي، أن الولايات المتحدة لا ترغب بالمواجهة، بل تريد الحفاظ على استقرار الوضع الحالي، وتأجيل أي رد "صاعق" إلى حين تغيير الفصائل استراتيجيتها إلى "الاستهداف القاتل" أو الانتظار حتى انتهاء أحداث غزة، فيما وصف آخرون تلك المناوشات بعملية "تخادم" بين الطرفين، تبتعد كليا عن الأحداث في فلسطين.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، إن "الضربة التي وجهتها القوات الأمريكية لمقرات الحرس الثوري وفيلق القدس وحلفائهم من الفصائل المسلحة بشرق سوريا هي رسالة تحذير ولا تعني التحول من الهجمات المقابلة إلى اشتباك مفتوح، لأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد التصعيد بشكل كبير مع حلفاء إيران، فهي لا تريد لهذا الصراع أن يتمدد في الوقت الحالي".
ويعتقد الشمري، أن "هذا الرد يأتي في إطار إثبات القوة، وأيضا هو رسالة عن إمكانية امتلاك الولايات المتحدة قوة ردع، فضلا عن أنه تحذير باتجاه هذه الفصائل كي لا تتخطى قواعد الاشتباك، لكن إذا ما تحولت الفصائل إلى استراتيجية الاستهداف القاتل وكان هناك قتلى من الأمريكان، أتصور أن الرد الأمريكي سيكون لافتا وغير متوقع".
ويضيف أن "الفصائل العراقية ضمنها كتائب حزب الله وحركة النجباء ما تزال تنظر إلى أن المواجهة ما تزال مفتوحة، إذ تحدثوا عن مرحلة جديدة قد تأخذ انعطافة في طبيعة واستراتيجية الاستهداف، لكن تصاعد الهجمات بهذا الشكل سيؤدي بالنهاية إلى سقوط ضحايا، وهذا يحول العراق إلى جغرافية عدائية للولايات المتحدة ويضع المواجهة في أعلى المستويات، وهذا ستنعكس آثاره على الحكومة وعلى علاقاتها بالولايات المتحدة".
وأعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستن، أمس الأربعاء الماضي، أن بلاده شنت غارة جوية استهدفت منشأة لتخزين الأسلحة شرقي سوريا مرتبطة بإيران، مؤكدا أن مقاتلتين أمريكيتين من طراز (اف 15) نفذتا هذه الضربة "دفاعا عن النفس"، وأضاف أن الغارة الجوية جاءت بناء على توجيهات من الرئيس الأمريكي جو بايدن ردا على سلسلة الهجمات ضد الأمريكيين في العراق وسوريا.
وكانت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أعلنت الثلاثاء الماضي، أن القوات الأمريكية في العراق وسوريا تعرضت لـ41 هجوما منذ 17 من تشرين الأول الماضي على خلفية الموقف الأمريكي من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وأكد الأمين العام لحركة النجباء، أكرم الكعبي، في (1 تشرين الثاني 2023)، أنه "لا حلول سياسية" مع الاحتلال الأمريكي في العراق، وأنّ "تهديداته لا تنفع"، مشدداً على أنّ المقاومة "لن تتوقّف أو تهادن أو تتراجع".
وتعرضت، الخميس الماضي، قاعدة حرير العسكرية في أربيل المتواجدة فيها قوات أمريكية، لهجوم بطائرة انتحارية مسيرة أدى إلى انفجار قوي تسبب باندلاع حريق داخل القاعدة، وذلك بالتزامن مع زيارة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني إلى أربيل.
ويعتقد المحلل السياسي فلاح المشعل، أن "قرار فصائل المقاومة في العراق نحو التصعيد الحقيقي لا رجعة فيه على ما يبدو، فهناك ضربات كانت موجهة إلى قاعدة عين الأسد وأخرى إلى قاعدة حرير في أربيل، وهناك تعرّض لرتل في الموصل ضم آليات عراقية وأمريكية في وقت واحد".
ويضيف المشعل، أن "ردة فعل حدثت بالمقابل من الجهات العسكرية الأمريكية فجر الخميس الماضي، وكانت هناك ضربات على المعسكرات المشتركة، والطرفان عازمان على خوض معركة بمقابل أن قدرة الجانب الحكومي على إيقاف هذه العمليات بدت ضعيفة جدا باعتبار أن للفصائل مرجعية عقائدية لولاية الفقيه والمرشد الايراني، فهي لا تلتزم بإرادة الحكومة العراقية".
ويشير المشعل، إلى أن "عدم إمكانية السيطرة على الفصائل يضع الحكومة بموقف غاية في الحرج، لأن الأمريكان يعتبرون أن الحكومة العراقية شريك فاعل في المنطقة وأن لها مواقف محايدة إزاء الأزمة في غزة، لذلك فإن الوضع ينذر بالمزيد من التصعيد وارتفاع المواجهات بين الفصائل والقوات الأمريكية".
ويردف، أن "هذا الوضع سينعكس بالتأكيد سلبا في الجانب السياسي وفي الجانب الاقتصادي على العراق، إذ تفكر الولايات المتحدة والدول المساندة لها حاليا بفرض نوع من حصار على العراق، ناهيك عن أن الأمريكان قد هددوا بخوض معارك مباشرة، وهذه رسالة صريحة أوصلها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى السوداني مع رسالة أخرى إلى الإيرانيين لضبط نشاط الفصائل المسلحة، لكن حتى الآن الرسائل من دون استجابة، لهذا أتوقع أن أمريكا ربما تؤجل الضربات الساحقة إلى ما بعد أحداث غزة، ثم توجه الأنظار إلى الفصائل التي تعرضت لقواتها مرارا في العراق".
يشار إلى أن الفصائل المسلحة في العراق، دخلت على خط أزمة غزة منذ البداية، وعادت لاستهداف القواعد الأمريكية في بغداد وأربيل، فضلا عن الموجودة في الأراضي السورية، ويجري الاستهداف بشكل يومي عبر الطائرات المسيرة.
إلى ذلك، يرى المحلل السياسي غالب الدعمي، أن "هناك تخادما واضحا بين المصالح الأمريكية والإيرانية، فالولايات المتحدة وإيران متفقتان على عدم توسيع رقعة الصراع إلى أبعد من غزة، وهذا تخادم واضح وإن كان من دون اتفاق".
ويضيف الدعمي، أن "عمليات المناوشات بين أمريكا والفصائل المسلحة المتحالفة مع إيران لا تخرج القوات الأمريكية من العراق ولا سوريا، كما أن الرد الأمريكي لن يجرح الوجود الإيراني في العراق وسوريا ولبنان، وما يحدث هو شيء غير مقنع، بل هو ضحك على الذقون"، كما يصف.
ويكمل أن "المناوشات بالصواريخ والتصريحات بعيدة عما يحصل في غزة التي تباد أمام أنظار الجميع، وضربات إسرائيل التي لا تفرق بين حماس والأبرياء هناك، لذا فإن هذه المناوشات ليست أكثر من تخادم بين إيران وأمريكا".
وفي اليوم الـ38 من الحرب على قطاع غزة، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي غاراته على مناطق متفرقة من القطاع، في حين اندلعت اشتباكات ضارية بين فصائل المقاومة الفلسطينية وقوات إسرائيلية توغلت في منطقتين بمدينة غزة.
وبينما أعلن البيت الأبيض أن إسرائيل وافقت على هدنة لـ4 ساعات يوميا في شمال قطاع غزة، فيما نفى جيش الاحتلال الإسرائيلي وقف إطلاق النار.
وأعلنت وزارة الصحة في القطاع ارتفاع عدد الشهداء منذ بدء الحرب إلى 11180 شهيداً، بينهم 4609 طفلا و3100 امرأة و28200 جريح، 70 بالمئة منهم أطفال ونساء.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟